كريتر نت – متابعات
تحتاج الولايات المتحدة إلى ضخ دماء جديدة في العلاقة بينها وبين المملكة العربية السعودية، بعد أن ضعفت الأسس القديمة للشراكة بينهما، مع تعدد الأيادي الممدودة لكسب ود المملكة. وترى واشنطن أن إبرام صفقة مع الرياض تتضمن تطبيع العلاقات بين الأخيرة وإسرائيل، قد يشكل أساسا صلبا لعلاقة أكثر متانة مع المملكة، وقد يعيد تشكيل الوضع في الشرق الأوسط بما يقطع الطريق على باقي المنافسين.
ويقول متابعون لشؤون الشرق الأوسط إن زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إلى المملكة العربية السعودية مؤخرا ترتبط على الأرجح بصفقة كبرى يجري الإعداد لها منذ فترة وتشمل مسألة التطبيع بين إسرائيل والمملكة.
ويشير المتابعون إلى أن الولايات المتحدة تراهن على هذه الصفقة كأساس لبلورة شراكة جديدة مع السعودية، بعد أن ثبت لها بالكاشف أن الأسس القديمة لشراكتهما لم تعد لها قيمة في ظل التحولات الطارئة في السياسة السعودية والعالم عموما.
وكانت الإدارة الأميركية اصطدمت العام الماضي بتغير لافت في الموقف السعودي الذي كان يراعي في السابق مصالح الشريك الأميركي حتى وإن كان الأمر لا يصب أحيانا في صالح المملكة.
وظهر هذا التغير حينما قررت السعودية في أكتوبر الماضي خفض إنتاج النفط بواقع مليوني برميل يوميا، وذلك في إطار اتفاق جرى داخل تحالف أوبك+، وقد شكل الأمر آنذاك صدمة لواشنطن التي لم تكن لتعتقد يوما أن حلفاءها في منطقة الخليج، ولاسيما السعودية، قد يتبنون خيارات تتعارض مع مصالحها، خاصة وأنها كانت تنتظر منهم مساعدة مجزية في جهودها لمحاصرة موسكو ردا على التدخل الروسي في أوكرانيا.
الاتفاق الأمني بين الولايات المتحدة والسعودية سينتج عنه تقليص العلاقات السعودية – الصينية
وقد حاولت إدارة جو بايدن المرتبكة الضغط على السعودية، وبلغ الأمر حد التهديد بإعادة تقييم العلاقات الثنائية، لكن ذلك لم يكن له أي تأثير على موقف القيادة السعودية، بل العكس تماما عمدت الرياض إلى تعزيز خطوات انفتاحها على الشرق ولاسيما الصين، ودافعت عن قرارها خفض إنتاج النفط الذي تلته قرارات أخرى مماثلة، آخرها اتخُذ في الشهر الماضي حينما قررت خفضا طوعيا لإنتاجها.
ويقول المتابعون إن إدارة بايدن اقتنعت بأنه لم يعد من الممكن التعامل مع المملكة بالأسلوب نفسه، لأنها تملك الكثير من الخيارات البديلة، وإن الأفضل هو إعادة احتواء الرياض ضمن إستراتيجية جديدة تراعي التغيرات الحاصلة، إذا لم ترد واشنطن فعلا أن تتلهى الرياض بوخزها.
ويوضح هؤلاء أن إعادة تأسيس شراكة جديدة بين الرياض وواشنطن تحتاج إلى حامل جديد، قد يكون في شكل الصفقة التي يجري الترويج لها مؤخرا والتي تشكل على ما يبدو الدافع الرئيسي خلف الزيارات المتكررة التي يقوم بها المسؤولون الأميركيون ولاسيما مستشار الأمن القومي جيك سوليفان.
وقال البيت الأبيض في بيان إن مستشار الأمن القومي الأميركي قام السبت بزيارة إلى السعودية، هي الثانية له في أقل من ثلاثة أشهر.
وذكر البيان أن سوليفان، الذي رافقه بريت ماكغورك منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط، التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وعددا من كبار المسؤولين السعوديين، وأن الجانبين ناقشا “مبادرات لتعزيز رؤية مشتركة لمنطقة شرق أوسط أكثر سلاما وأمانا وازدهارا واستقرارا وترابطا مع العالم”.
وأوضح البيان أن الجانبين تناولا التطورات في اليمن عقب اتفاق الهدنة المستمرة بالبلاد، حيث رحب سوليفان بالجهود التي تقودها الأمم المتحدة لإنهاء الصراع.
واتفق الجانبان على مواصلة الاستشارات بشكل منتظم بخصوص الملفات المتناولة.
ولم يشر بيان البيت الأبيض إلى إسرائيل، لكن مسؤولا في البيت الأبيض قال إن اتفاق تطبيع محتمل مع إسرائيل كان من بين المواضيع المطروحة.
وكان الكاتب الأميركي توماس فريدمان سلط الضوء على زيارة الوفد الأميركي إلى جدة، وتفاصيل اتفاق التطبيع الذي وصفه بـ“صفقة سياسية كبيرة” في الشرق الأوسط.
وذكر فريدمان، في مقال نشره بصحيفة نيويورك تايمز، أن “بايدن سيواصل السعي للتوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة والسعودية من شأنه أن يشمل تطبيع المملكة علاقاتها مع إسرائيل، شريطة أن تقدم إسرائيل تنازلات للفلسطينيين تحافظ على إمكانية حل الدولتين”.
إدارة بايدن مقتنعة بأنه لم يعد من الممكن التعامل مع المملكة بالأسلوب نفسه، لأنها تملك الكثير من الخيارات البديلة، وإن الأفضل هو إعادة احتواء الرياض ضمن إستراتيجية جديدة
وأضاف أنه بعد مناقشات في الأيام القليلة الماضية بين بايدن ومستشاره للأمن القومي ووزير الخارجية أنتوني بلينكن ومنسق سياسات الشرق الأوسط في البيت الأبيض بريت ماكغورك، أرسل بايدن سوليفان وماكغورك إلى السعودية، حيث وصلا صباح الخميس، لاستكشاف إمكانية وجود نوع من التفاهم بين الولايات المتحدة والسعودية والإسرائيليين والفلسطينيين.
وأكد فريدمان أن الرئيس الأميركي لم يتخذ قرارا بشأن المضي قدما في ذلك، لكنه “أعطى فريقه الضوء الأخضر للتباحث مع ولي العهد السعودي، من أجل معرفة ما إذا كان من الممكن إبرام صفقة وبأي ثمن أم أن محاولة التوصل إلى صفقة كهذه مضيعة للوقت وصعبة ومعقدة“.
وتضع السعودية جملة من الشروط لتطبيع العلاقات مع إسرائيل من بينها إبرام اتفاقية دفاع رسمية مع الولايات المتحدة، ودعم واشنطن لبرنامج نووي سلمي للمملكة، مع تسهيل الوصول إلى أفضل أنظمة الأسلحة الأميركية.
ويرى مراقبون أن الإشكال يكمن في أن لواشنطن كما لتل أبيب تحفظات على هذه الشروط لاسيما في علاقة بدعم برنامج نووي للمملكة.
وسبق أن صرح الرئيس الأميركي جو بايدن لشبكة “سي. أن. أن” في أوائل يوليو الجاري بأن إسرائيل والسعودية أمامهما طريق طويل للتوصل إلى اتفاق تطبيع يتضمن معاهدة دفاعية وبرنامجا نوويا مدنيا من الولايات المتحدة.
وقال فريدمان إن المحادثات الاستكشافية تمضي قدما بأسرع مما كان يتصور، مشيرا إلى أنها مهمة لسببين، الأول هو الاتفاق الأمني بين الولايات المتحدة والسعودية الذي سينتج عنه تطبيع العلاقات بين المملكة وإسرائيل، وتقليص العلاقات السعودية – الصينية، وهو ما من شأنه أن يغير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط، وسيفتح الطريق للسلام بين إسرائيل والعالم الإسلامي بأسره.
ويتمثل السبب الثاني في إمكانية إقامة الولايات المتحدة تحالفًا أمنيًا مع السعودية على أساس شروط تطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل أن تقدم إسرائيل إلى الفلسطينيين تنازلات ذات مغزى، إذ سيتعين على تحالف بنيامين نتنياهو الحاكم، المكون من اليهود المتطرفين الدينيين، الإجابة على هذا السؤال: ما هو الأفضل، ضم الضفة الغربية المحتلة أم الحصول على سلام مع السعودية والعالم الإسلامي بأسره؟