كريتر نت – متابعات
اتسعت دائرة المطالبة برحيل الحكومة المصرية من جانب سياسيين وإعلاميين بعد فشلها في حل أزمة انقطاع الكهرباء سريعا، بالتزامن مع فشل آخر في تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية.
ووصل التذمر من سياسات الحكومة مستوى عدم القدرة على الدفاع عن نفسها، والتزام أجهزة في السلطة الصمت، على الرغم من ارتفاع الأصوات الناقدة لها. ورأت دوائر سياسية في القاهرة أن الانتقادات الموجهة للحكومة يصعب اختزالها في وجود هامش حرية، لكن يفهم أيضا على أنه تمهيد لإقالتها لتخفيف حدة الاحتقان.
وعكس عدم تطرق الرئيس عبدالفتاح السيسي لأزمة الكهرباء عدم رضاه عن غياب الحلول الناجزة من جانب الحكومة للأزمات المتراكمة على مستوى الغلاء والتضخم وحل أزمة الدولار وانفلات الأسواق وسوء مستوى المعيشة، ولم تعد لديه القدرة على التدخل كرئيس للدولة في رفع العبء عن وزراء لا يتحملون المسؤولية السياسية.
ووجه الإعلامي القريب من السلطة محمد الباز انتقادات لاذعة للحكومة، مؤكدا أنها “عبء على الرئيس عبدالفتاح السيسي، وتسببت في شرخ في الجهود الكبيرة بملف الكهرباء عندما عملت على قطع التيار ساعات طويلة بدعوى ترشيد الاستهلاك”.
ودعا الإعلامي مصطفى بكري، وهو أيضا مقرب من السلطة، إلى أن تسرع الحكومة في حل أزمة الكهرباء لخطورة ذلك مجتمعيا، فهناك مناطق صناعية تعطلت، مع حتمية مصارحة الناس بالحقيقة والحديث بشفافية. وطالب الإعلامي عمرو أديب الحكومة أن تعتذر فورا للشعب، لأن ما يحدث غير منطقي “فكيف تتحدث عن اكتفاء ذاتي من الغاز والكهرباء ثم يعيش الناس في ظلام”.
ويبدو أن الحماية التي يوفرها الإعلام للحكومة قد رفعت كمقدمة لإقالتها، في ظل ضغوط سياسية كبيرة على السلطة، وتزايد وتيرة الغضب من نواب وأحزاب قريبين منها، واستثمار قوى سياسية تراكم الأزمات الاقتصادية في الضغط على الرئيس السيسي للتخلص من الحكومة برمتها.
وهاجم محمد أبوالغار رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي السابق النظام المصري مباشرة وليس الحكومة، محذرا من مخاطر تفكك الدولة وانهيارها، فالسلطة تقوم بالسير عكس الاتجاه، وأزمة الكهرباء خير دليل، فهي التي اتخذت قرارا بتصدير الغاز اللازم لتشغيل المحطات مقابل دولارات لدفع فؤاد الديون.
وقال أبوالغار “على السلطة أن تعتذر عن أخطاء سياساتها، سواء في القروض أو التوجهات التنموية، وعدم إجراء دراسات جدوى للسياسة الاقتصادية، والاستعانة بأهل الثقة وإهمال أصحاب الخبرة، ما يستدعي اعتذارا من النظام للشعب أولا، ثم إطلاق الحريات والآراء، والبحث عن حل للخروج من المصيبة الراهنة”.
وتشير النبرة الحادة إلى أن الضغوط الواقعة على الرئيس السيسي بسبب إخفاقات الحكومة من الصعب تجاهلها، فلم يعد قادرا على تصدر المشهد منفردا، وتحمل المسؤولية بمفرده.
وتؤكد هذه المعطيات وجود ما يشبه الحملة الممنهجة للتركيز على إخفاقات الحكومة من بعض النواب المتناغمين مع السلطة، ما ظهر في انتقادات جاءت من أعضاء في تنسيقية شباب الأحزاب التي تتشكل من أحزاب مؤيدة للنظام، بتأكيدهم أن الحكومة معنية بتوضيح الحقيقة للشعب والتحدث بشفافية عن الأسباب التي قادت لبروز أزمة الكهرباء بشكل مفاجئ ودون مقدمات منطقية.
وتقدم فريدي البياضي عضو مجلس النواب ونائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي بسؤال للحكومة عن حرمان المواطنين من الكهرباء لتقوم ببيعها وتصديرها. وأعلنت النائبة آمال عبدالحميد عضو لجنة الخطة والموازنة في البرلمان باستجواب عاجل لوزير الكهرباء، وهو تحرك نادر الحدوث داخل البرلمان المصري.
ووضعت أزمة الكهرباء الحكومة أمام اختبار حقيقي، لأنها روّجت لإنجازات غير مسبوقة في الملف ثم رسبت في أول مواجهة مع الشارع، وفضلت جلب الدولارات من تصدير الفائض من الغاز عن ترضية المواطنين.
ويشعر الكثير من المصريين بأنهم تحملوا السياسة الاقتصادية الخاطئة بوضع أعباء مالية مضاعفة على كاهلهم نظير التنمية والإنفاق على مشروعات تزيد عن حاجة الشعب، وترشيد استهلاك الكهرباء بحجة التصدير وعدم وجود إمدادات محلية كافية.
وأكد طلعت خليل ممثل الحركة المدنية في الحوار الوطني على أهمية الشق الاقتصادي، وأن الأزمة ليست في بقاء الحكومة أو إقالتها، لكنها متعلقة بنظام عام مليء بالأخطاء، وتغيير الوزراء قد لا يحل المشكلة، ومطلوب تغيير السياسات القائمة والاعتماد على الكفاءات، لأن اختزال الأزمة في الحكومة يحمل هروبا إلى الأمام، مع استمرار الغضب.
وأضاف خليل لـ “العرب”، وهو أيضا أمين عام حزب المحافظين، أن الحكومة أخفقت مجتمعيا وسياسيا واقتصاديا، لأنها عنيدة وتصمم على ارتكاب نفس الأخطاء، ومهما تغير الوزراء سيأتي آخرون يطبقون السياسات نفسها ويستمر التذمر والعشوائية بما يمثل خطورة على الاستقرار، والمفترض أن يُتاح للشخصيات الوطنية المشاركة في حل الأزمات بعيدا عن الانتماءات سياسية، والعبرة في توافر المناخ المناسب لهم.
وأكثر ما يزعج النظام المصري أن يعقد بعض المواطنين والقوى المعارضة مقارنات بين ما يجري حاليا في أزمة الكهرباء، وما كانت عليه الأوضاع خلال فترة حكم الإخوان للبلاد، حيث تعرضت الجماعة لانتقادات حادة بسبب الانقطاع المتكرر للتيار، حتى أصبحت الحكومة السبب في أن يلتمس الناس العذر للإخوان ونسيان جرائمهم.
وتستهدف الانتقادات الموجهة للحكومة امتصاص الغضب المحتدم في الشارع، والتأكيد على أن النظام لا يتستر على خطأ أو يدعم قرارات وإجراءات لا تراعي مصالح الناس، ومن الواجب محاسبة الحكومة من خلال الآليات السياسية والإعلامية والبرلمانية، وهو توجه يُحسب للسلطة، لأنها لن تنصف حكومة فشلت في مهمتها.
ويمثل تراكم الأزمات المعيشية عبئا مضاعفا على الرئيس السيسي مع اقتراب انتخابات الرئاسة بداية العام المقبل، ومحاولة الإخوان العودة إلى المشهد العام بالتحالف مع أيّ مرشح منافس محتمل أو دعم شخصية معارضة دون الإعلان عن ذلك صراحة، وتوظيف الإخفاقات المتكررة للحكومة في الملف الاقتصادي.