كريتر نت – متابعات
انشغلت أغلب وسائل الإعلام المصرية خلال الاحتفال بعيد الثورة في التذكير بفشل الإخوان وجرائمهم في حق مصر، حتى أن هذا الانشغال الجمعي بدا مبالغا فيه ويكشف عن إستراتيجيات السلطة الراغبة في التخفيف من حدة السخط على سياساتها الاقتصادية ونيتها بعث إشارات تحذير من تواطؤ أحزاب أو مرشحين للانتخابات الرئاسية المقبلة مع تيارات الإسلام السياسي.
وحملت تغطية وسائل الإعلام المصرية للذكرى العاشرة لثورة الثلاثين من يونيو بعضا من المبالغة التي تضمنت العديد من الرسائل التي تعكس استمرار التوجس من جماعة الإخوان، في ظل توافق إعلامي يحض على قطع الطريق أمام أي محاولة لعودة الجماعة إلى المشهد السياسي العام، استنادا إلى دورها القاتم في الحكم.
ومضت الذكرى العاشرة للثورة ولا تزال معظم وسائل الإعلام تعزف النشيد الرافض بضراوة للإخوان، واعتمدت على فيديوهات وصور مختلفة تؤكد أن الجماعة ارتكبت حماقات عدة وكبدت المصريين خسائر باهظة وكادت أن تتسبب في تدمير الدولة، وأن الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي كان وزيرا للدفاع في ذلك الوقت لعب دورا محوريا في تخليص الشعب المصري من كابوس الإخوان.
وبدت الطريقة التي تعامل بها الإعلام المصري مع ذكرى ثورة يونيو 2013 مختلفة عن تلك التي كان متعارفا عليها طوال السنوات الماضية، حيث اتحدت الصحف والمواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية على تقديم وجبة دسمة من الخطر الذي مثلته الجماعة، ولا تزال، وكأن الدولة المصرية يكفيها التخلص من الإخوان.
ووجدت الكثير من وسائل الإعلام المصرية في الذكرى العاشرة لثورة يونيو فرصة ثمينة للانقضاض على تنظيم الإخوان ومنابره الإعلامية التي اعتادت تشويه صورة الدولة والسخرية من الإعلام المحلي والإيحاء بأنه يصطف خلف السلطة في الصواب والخطأ، وكأنه قرر أن يثأر لنفسه من الإعلام الإخواني.
وعلى العكس، قد يجني الإعلام الإخواني مكاسب من حملة أعادت التذكير به في وسائل رسمية محلية، ما يمنحه ميزة القاعدة الشهيرة “أن تذكر في الإعلام خير من ألا تذكر أبدا”، بصرف النظر عن الطريقة التي تذكر بها.
واستحوذت الأفلام الوثائقية التي أنتجتها الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية للتعريف بخطايا الإخوان على جزء كبير من المادة التحريرية التي بثتها قنوات مختلفة، وتمت إذاعة مقتطفات من أفلام متعددة على فترات متقاربة، حوت مادة درامية وبرامجية.
وكان لافتا على مستوى الصحف الورقية والإلكترونية الاستعانة ببعض الشخصيات العامة والسياسية لرصد شواهد واقعية حدثت في الكواليس أثناء فترة حكم الإخوان للبلاد، ما يعني أن الإعلام المصري تعامل مع الذكرى بتوزيع دقيق للأدوار.
وقال صفوت العالم أستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة إن الاصطفاف الإعلامي ضد الإخوان في ذكرى ثورة يونيو أمر طبيعي، لأن انتخابات الرئاسة على الأبواب، وهناك حالة من عدم الرضا على الأداء الحكومي، وسط مخاوف من إمكانية حدوث تعاطف في الشارع مع التنظيم وربما الانصياع وراء رغباته في العودة للمشهد.
وأضاف لـ”العرب” أن الربط الإعلامي بين الماضي الأسود للإخوان وبث إنجازات تنموية في ذكرى الثورة محاولة من الحكومة لإقناع الجمهور بعقد مقارنة بين إخفاقات سلطة رحلت وأخرى باقية هي من كانت السبب في ذلك الرحيل وتعمل لصالح الوطن، لكن المعضلة تكمن في أن هذه الرسائل تصل إلى الشارع عبر منابر مصداقيتها مهتزة.
وعرضت قناة الوثائقية المملوكة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية فيلما تسجيليا حمل عنوان “30 يونيو ثورة إنقاذ مصر” ورصد كواليس لم تنشر من قبل عن الثورة، واستعان منتجو الفيلم بشهادات قدمتها شخصيات من كبار رجال الدولة والنخبة السياسية والفكرية عن فترة حكم الإخوان، وكيف قادت الجماعة الدولة إلى الخراب.
وتطرق الفيلم التسجيلي إلى الترتيبات التي كان يعدها مكتب الإرشاد لتغلغل الإخوان في مفاصل الدولة ومخطط التمكين الذي لم يكن يكتمل سوى بالإطاحة بالقيادات العسكرية من خلال إحراج الجيش بخطف بعض الجنود في سيناء عام 2012، وتغذية الإرهاب وتحريض قوى سياسية ضد القوات المسلحة.
وعرضت العديد من وسائل الإعلام فيلما تسجيليا حمل اسم “العمارة”، وناقش فترة حكم الإخوان بطريقة درامية قصيرة، وسلط الضوء على الفترة التي التالية لثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، وبدايات ظهور الإخوان كفصيل سياسي طامع في السلطة، حتى سقوطه ولجوئه إلى دعم الإرهاب.
وتضمن الفيلم ومشاهد للأحداث التي مرت بها مصر منذ قفز الإخوان على السلطة في غفلة من القوى المدنية واستثمار حالة الارتباك السياسي والأمني لتنفيذ مخطط السيطرة على مفاصل الدولة، وطمس الهوية الوطنية والتلاعب في عقول الناس باسم الدين وتوظيف شعار “الإسلام هو الحل” في استقطاب شريحة من المصريين.
وجرى بث الفيلم على منصات إعلامية عدة في صورة دراما اجتماعية سياسية من داخل إحدى العمارات التي تحيط بها المشكلات والأزمات، وأصبحت خالية من اتحاد الملاك الذي يدير شؤونها حتى خرج أحد السكان المنتمين إلى التيارات المتشددة وسيطر على العمارة متعهدا بحل كل مشكلاتها في مئة يوم، في إشارة توحي بالطريقة التي كان يتعامل بها الإخوان مع الدولة.
وبعد نجاح المتشدد في الجلوس على كرسي رئاسة اتحاد ملاك العمارة ظهر وجهه الحقيقي ولم يهتم بالمشكلات وحلها وتنصل من تعهداته، وبعد أن ثار السكان ضده توعدهم بأقاربه الذين قاموا بمحاصرة المبنى وطرد أصحاب الوحدات السكنية، وهو توثيق درامي لأحداث سياسية كان بطلها الإخوان.
وجاء تعامل الإعلام المصري مع الذكرى العاشرة لثورة يونيو كرسالة سياسية أكثر منها إعلامية، مفادها أن خطر الإخوان مستمر، ومهما نجحت الدولة في القضاء على الجماعة سياسيا، فالخطر يكمن في بقاء أفكارها والرغبة في العودة إلى المشهد مرة أخرى، ولو من خلال التخفي وراء شخصيات مدنية لها شعبية.
وربط مراقبون بين التصعيد الإعلامي ضد الإخوان وبين اقتراب موعد انتخابات الرئاسة في مصر، وما حدث هو رسالة تحذير مبكرة بأن الدولة لن تسمح بأي تناغم بين الجماعة وأيّ من المرشحين المحتملين، لأن التوافق مع الإخوان خيانة للوطن.
وركز الإعلام المصري على محاولات تجميع شتات التحالف الوطني الذي أسهم بدور فاعل في إسقاط الإخوان، حيث تسبب الخمول السياسي والأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتلاحقة في تفكيكه، وتحول بعض المنتمين إليه إلى معارضين، لذلك تم توظيف الذكرى العاشرة للثورة لإعادة اللحمة إلى التحالف والالتفاف حول هدف واحد.
وأشار العالم إلى أن كل تصعيد من جانب الإعلام المصري خلال فترة الاحتفال بذكرى الثورة جاء مرتبطا بالرد على الدعاية المضادة، وهذه أفضل مناسبة لفضح إعلام الإخوان الذي يعمل على تشويه صورة الدولة وإعلامها المحلي، ولذلك وجدت الحكومة في الذكرى العاشرة فرصة مناسبة للرد على كل ما يثار من خطاب يدغدغ المشاعر لحث المصريين على التعاطف مع الإخوان.
وبغض النظر عن أهداف ودوافع التعامل الإعلامي المختلف مع ذكرى 30 يونيو، تظل المعضلة في مدى استقبال الجمهور للرسائل، فالأغلبية تعيش ظروفا اقتصادية صعبة، والإعلام هو الذي أقنع الشارع على مدار سنوات مضت بأن إرهاب الإخوان كان السبب في بطء التنمية وعدم تحسن الظروف المعيشية، في حين لا تزال نفس الرسائل والحجج موجودة، ما يثير ملل الناس وقد يجعلهم يتعاملون معه بامتعاض، إذا أصر على تبييض صورة الحاضر باللعب على أنقاض الماضي.