كريتر نت – متابعات
أعطت زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى دمشق مفعولا إيجابيا فوريا باتجاه تغيير واقع العلاقات داخل سوريا، حيث عرضت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا (الأكراد) مبادرة سياسية أسمتها “الحل السلمي للأزمة السورية”، في موقف بدا وكأنه يستثمر الوجود السعودي في محاولة التأثير على دمشق للبدء بتفاوض جدي.
ويرى مراقبون أن الانفتاح العربي على دمشق، وخاصة من السعودية التي ستحتضن في مايو المقبل القمة العربية، يمنح السوريين أملا في وجود دور عربي قادر على التأثير لفتح قنوات الحوار بين مختلف الفرقاء السوريين، بعد فشل مبادرات ومسارات أخرى في تحقيق ذلك.
ومن شأن تفاعل دمشق مع المبادرة الكردية، الهادفة إلى التشجيع على إيجاد حل، أن يترك الإسلاميين الذين يسيطرون على جيب إدلب في عزلة بسبب ارتهانهم لحسابات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يتخذ من أوضاعهم ورقة تفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد من أجل تحقيق مكاسب لأنقرة. كما يقعون من ناحية ثانية ضحية عناد قطر التي تريد إرجاء عودة سوريا إلى الجامعة العربية من دون أي أفق للحل.
ودعت الإدارة الذاتية في بيان لها دمشق إلى أن “تظهر موقفًا مسؤولاً وأن تتخذ إجراءات عاجلة تساهم في إنجاح الحل”، معربة عن استعدادها “للقاء حكومة دمشق، والحوار معها، ومع جميع الأطراف السورية من أجل التشاور والتباحث لتقديم مبادرات وإيجاد حل للأزمة السورية” .
من الواضح استعجال السعوديين للمصالحة، إذ لم ينتظر وزير الخارجية السعودي عودة نظيره السوري من جولته العربية
ويعتقد المراقبون أن تزامن المبادرة الكردية مع زيارة وزير الخارجية السعودي إلى دمشق كان مقصودا، وهو يحمل رسالة ضمنية إلى الرياض للعب دور في تحريك الحوار السوري – السوري بعد أن ظل معلقا لسنوات.
ومن الواضح استعجال السعوديين للمصالحة، إذ لم ينتظر وزير الخارجية السعودي عودة نظيره السوري فيصل المقداد من جولته العربية، وسارع في الذهاب إلى لقاء الرئيس الأسد.
واعتبر الرئيس السوري خلال لقائه مع وزير الخارجية السعودي أنّ “العلاقات السليمة بين سوريا والمملكة هي الحالة الطبيعية التي يجب أن تكون، وهذه العلاقات لا تشكّل مصلحة للبلدين فقط، وإنما تعكس مصلحة عربية وإقليمية أيضًا”.
وأضاف أنّ “الأخوّة التي تجمع العرب تبقى الأعمق والأكثر تعبيرًا عن الروابط بين الدول العربية”، معتبرا أنّ “السياسات المنفتحة والواقعية التي تنتهجها السعودية تصبّ في صالح الدول العربية والمنطقة”.
وشدّد الأسد على أنّ “الدور العربي الأخوي ضروري في دعم الشعب السوري لتجاوز كافة تداعيات الحرب على سوريا”.
وأعلنت وزارة الخارجية السعودية في بيان أنّ المسؤولَين بحثا “الخطوات اللازمة لتحقيق تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية تنهي كافة تداعياتها (…) وتساهم في عودة سوريا إلى محيطها العربي، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي”.
وأكّد الوزير السعودي، وفق البيان، للأسد “أهمية توفير البيئة المناسبة لوصول المساعدات إلى جميع المناطق في سوريا، وتهيئة الظروف المناسبة لعودة اللاجئين والنازحين” و”اتخاذ المزيد من الإجراءات التي من شأنها المساهمة في استقرار الأوضاع في كامل الأراضي السورية”.
وإثر اندلاع الاحتجاجات في سوريا عام 2011، والتي ما لبث أن تحولت إلى نزاع دام، قطعت عدة دول عربية، على رأسها السعودية، علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق.
وقدّمت السعودية، التي أغلقت سفارتها في دمشق في مارس 2012، خاصة خلال سنوات النزاع الأولى دعما للمعارضة السورية، واستقبلت شخصيات منها على أراضيها.
لكن خلال السنوات القليلة الماضية برزت مؤشرات انفتاح عربي تجاه سوريا بدأت مع إعادة فتح الإمارات سفارتها في دمشق عام 2018.
وظهر الانفتاح السعودي على دمشق للمرة الأولى بعد الزلزال مع هبوط طائرات مساعدات سعودية في مناطق سيطرة الحكومة، كانت الأولى منذ قطع الرياض علاقاتها مع دمشق.
وما إن مضت أسابيع قليلة حتى أعلنت الرياض الشهر الماضي أنّها تجري مباحثات مع دمشق حول استئناف الخدمات القنصلية.
الانفتاح العربي على دمشق يتزامن مع تغيّر الخارطة السياسية في المنطقة بعد الاتفاق السعودي – الإيراني الذي تُعلّق عليه آمال عودة الاستقرار في المنطقة
ومنذ بداية الشهر الحالي يجري وزير الخارجية السوري جولة عربية. وقد زار القاهرة في الأول من الشهر الحالي في زيارة هي الأولى لمسؤول سوري على هذا المستوى منذ بدء النزاع.
وفي 12 أبريل التقى المقداد الأمير فيصل بن فرحان في مدينة جدة في أول زيارة رسمية إلى السعودية منذ القطيعة، ثم توجه لاحقاً إلى الجزائر ثم إلى تونس التي يزورها حاليا.
والجمعة استضافت السعودية اجتماعا لدول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق لبحث عودة دمشق إلى محيطها العربي.
ولم يصدر المجتمعون قرارا يقضي بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، لكنّهم أكّدوا على “أهمّية أن يكون هناك دور قيادي عربي في الجهود الرامية إلى إنهاء الأزمة” في سوريا، وعلى “تكثيف التشاور بين الدول العربيّة بما يكفل نجاح هذه الجهود”.
ولا تزال قطر تعارض عودة سوريا إلى الجامعة العربية، إذ اعتبر رئيس الوزراء الشيخ محمّد بن عبدالرحمن آل ثاني الأسبوع الماضي أن أسباب تعليق عضويّتها لا تزال قائمة.
وكان الأسد قال، في مقابلة مع قناة “روسيا اليوم” الشهر الماضي، “لن نعود إلا إذا كان هناك توافق”، معتبرا أنّ “العودة إلى الجامعة العربية ليست هدفا بحدّ ذاته، الهدف هو العمل العربي المشترك”.
ويتزامن الانفتاح العربي على دمشق مع تغيّر الخارطة السياسية في المنطقة بعد الاتفاق السعودي – الإيراني الذي تُعلّق عليه آمال عودة الاستقرار في منطقة لطالما هزتها النزاعات بالوكالة.