حنان جابلي
صحفية تونسية
محطات عدة مرّ بها الصراع في اليمن منذ دخول جماعة أنصار الله الحوثية العاصمة صنعاء في 21 أيلول (سبتمبر) 2014، ومع دخول هذا الصراع عامه التاسع، شهد الملف اليمني مؤخراً عدة تطورات مهمة، قد يكون لها دورٌ في تشكيل مصيره ومستقبل البلاد؛ وهي: إعادة تطبيع العلاقات السعودية-الإيرانية، والمفاوضات المباشرة الجارية بين السعودية وجماعة الحوثي لإنهاء الحرب.
وبرغم حالة الجمود السياسي والعسكري التي كانت تسيطر على الأوضاع اليمنية إلى وقت قريب، في ضوء تعذر تجديد الهدنة بين طرفي الصراع الرئيسيين (الحكومة الشرعية برئاسة رشاد العليمي، وجماعة الحوثي) التي انتهت في تشرين الأول (أكتوبر) 2022، فإنّ الجهود الإقليمية والدولية والأممية تتسارع مؤخراً لتجديد الهدنة، والاتفاق بين الحوثيين والحكومة اليمنية على تنفيذ صفقة واسعة لتبادل الأسرى.
هذه التطورات ومستقبلها تناولتها دراسة حديثة للخبير المختص في القضايا الاستراتيجية علي محمد العامري، نشرها مركز “تريندز للدراسات والبحوث”، بعنوان “مستقبل تطور الصراع في اليمن”.
تشخيص الوضع السياسي والأمني الراهن في الداخل اليمني
لأنّ أطرافه عديدة ومتباينة، وبسبب التدخلات الأجنبية، يُوصف الصراع في اليمن بأنّه من نوع الصراعات المركّبة؛ ولفتت الدراسة إلى وجود تنظيمات وجماعات مسلحة كثيرة في اليمن؛ أبرزها جماعة الحوثي، والمجلس الانتقالي الجنوبي، وألوية العمالقة المتحالفة مع الانتقالي الجنوبي، والجيش الوطني التابع للحكومة الشرعية، وألوية اليمن السعيد، وميليشيات حزب الإصلاح الإخوانية، والمقاومة الوطنية “المؤتمرية”.
وتوجد تنظيمات قبلية مسلحة متعددة، تساند هذا الطرف أو ذاك، إضافة إلى تنظيمي (القاعدة في جزيرة العرب) و(داعش) الإرهابيَّيْن.
وبرغم تواصل الدعوات الدولية لتجديد الهدنة بين طرفي الصراع المستمر منذ أكثر من (8) أعوام، فإنّ تجديدها لم يتحقق حتى الآن بين المجلس الرئاسي وجماعة الحوثي، وهما الطرفان السياسيان الرئيسان في الصراع اليمني، بالإضافة إلى المجلس الانتقالي الجنوبي.
وأشارت الدراسة إلى أنّ الجمود السياسي الذي يخيم على الأزمة اليمنية منذ انتهاء الهدنة بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي في تشرين الأول (أكتوبر) 2022 فاقم الأوضاع اليمنية في كل المجالات، وهو ما يقود اليمن إلى مجاعة محققة، ولا سيّما بعد تحجيم مصادر الدخل البديلة للمواطنين، وضرب شبكات الدعم الاجتماعية، وتوفير غطاء لممارسات خارج الأطر الرسمية.
وكان برنامج الأغذية العالمي قد حذر من أنّ اليمن على مشارف أزمة جوع كبيرة بسبب تخفيضات متواصلة اضطر البرنامج إلى إدخالها على مساعداته الإنسانية لليمن، جراء أزمة نقص التمويل التي يعانيها البرنامج؛ بسبب نقص التبرعات وتبعات الأزمة الأوكرانية.
كما ارتفع عدد الأشخاص الذين يعانون انعدام الأمن الغذائي في اليمن إلى (19) مليون نسمة في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، إلى جانب (23) مليون شخص يحتاجون إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية، وثلث النازحين في اليمن، (4) ملايين شخص، يعيشون ظروفاً قاسية.
استمرار الصراع في البلاد منذ أكثر من (8) أعوام أدى أيضاً إلى تدمير جزء كبير من التراث اليمني، وتحول اليمن إلى أكبر حقل ألغام في العالم، وأكثر البلاد فقراً، وأكبر دولة هشة في العالم، بحسب مؤشر الدول الهشة لعام 2022.
وعلى المستوى الإقليمي، يُنظر إلى إيران من جهة، والسعودية ومعها دولة الإمارات (في إطار التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن) من جهة ثانية، باعتبارها مَن تقود الصراع اليمني، وتدير بشكل مباشر القوى المحلية النشطة على الأرض.
ولفتت الدراسة إلى وجود فاعلين إقليميين فرعيين ينشطون في الملف اليمني، غير أنّ نشاطهم محدود التأثير، مثل مصر وسلطنة عُمان وقطر، وتُعدّ الولايات المتحدة اللاعب الأقوى في هذا المستوى، ومن بعدها يحضر بدرجات تأثير أقل كلٌ من البعثة الأممية والاتحاد الأوربي وروسيا والصين.
وأكدت الدراسة على أنّ السياسات التدخلية الإيرانية هي الأكثر تأثيراً على تطور الصراع، وإطالة أمده، وتعزيز سيطرة الحوثيين على غالبية المحافظات والمناطق الشمالية، إذ تقوم بتقديم الدعم السياسي والإعلامي والاقتصادي والعسكري والتدريبي للحوثيين، وتوجيه ودعم الحملات ضد التحالف العربي الذي تقوده السعودية، وتدريب كوادر إعلامية تابعة للحوثيين في بيروت وطهران.
كما دعمت إيران إطلاق عدد من القنوات الفضائية والصحف المعبّرة عن توجهاتها أو التابعة لحلفائها الحوثيين.
التطورات الأخيرة في ملف الصراع اليمني
وبحسب الدراسة، فقد شهد ملف الصراع في اليمن مؤخراً عدة تطورات مهمّة، قد يكون لها دورٌ في تشكيل مصيره ومستقبل البلاد التي ما زالت تعاني من الحرب لأكثر من (8) أعوام.
أول هذه التطورات هو إعادة تطبيع العلاقات السعودية-الإيرانية، وثمّة إجماع بين المراقبين على أنّ الملف اليمني سوف يمثل أحد العناصر الجوهرية في التفاهمات المقبلة بين الجانبين السعودي والإيراني.
ورجح الخبير في القضايا الاستراتيجية أن يفضي ذلك إلى وقف إطلاق النار، وإنهاء الحرب في اليمن، أو على الأقل وضع مسار لإنهائها، لافتاً إلى أنّ ما يعزز هذه الفرضية هو الدعم السعودي والأمريكي للتسوية السياسية في اليمن.
كما توقع أن يكون للاتفاق السعودي-الإيراني ومحادثات السعودية مع الحوثيين تداعيات سلبية على إمكانية فرض تسوية في اليمن لا تأخذ في اعتبارها مصالح المجلس الانتقالي الجنوبي، في ضوء ما يتردد حول تأجيل قضية الجنوب إلى ما بعد تسوية الأزمة في البلاد.
وفي أخطر السيناريوهات، بحسب الدراسة، سوف يؤدي الإخفاق في إلزام القوى اليمنية المؤثرة على الأرض بحل سياسي للنزاع إلى انسحاب السعودية من هذا الملف برمته، وترك اليمن وحده يتخبط في صراعاته الداخلية المتعددة لأعوام أخرى مقبلة.
ووفقاً للتسريبات الإعلامية، يتضمن الاتفاق الجديد ضمانات لتنفيذ ما جاء فيه، وآلية واضحة للمواعيد الزمنية حتى لا يتنصل الحوثيون من التزاماتهم، كما حصل سابقاً، بالإضافة إلى نصوص مرتبطة بمراقبين دوليين ومحليين لمراقبة وقف إطلاق النار، وأخرى تتعلق بالدخول في محادثات سياسية مباشرة بين الطرفين للتوصل إلى تسوية سياسية لصراع الأعوام العجاف، وسوف تحذو حذو “اتفاق الرياض” لتقاسم السلطة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019 بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي.
ولفتت الدراسة إلى أنّ صفقة تبادل الأسرى الأخيرة، التي تمّت برعاية الأمم المتحدة، تندرج ضمن الخطوات الرئيسية لبناء الثقة بموجب اتفاق استوكهولم 2018، حيث جرت مناقشات عن تبادل قرابة (15) ألف أسير لهم علاقة بالصراع. ولكنّ التقدم بطيء؛ إذ نسقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بضع صفقات تبادل، من بينها عمليات في 2020 و2022، بالإضافة إلى اتفاقات أصغر بشكل مباشر بين الطرفين المتحاربين.
سيناريوهات المستقبل
بناء على تشخيص الكاتب للوضع السياسي والأمني والاقتصادي الراهن في اليمن، وبعد اختباره التغيرات المذكورة آنفاً على تطور الصراع في أرض اليمن وعليها، خلص إلى أنّ هناك (3) سيناريوهات لمستقبل المسألة اليمنية المركّبة في تكوينها والمعقدة في سيرورتها.
يأخذ السيناريو الأول والأكثر احتمالاً شكل تقسيم اليمن إلى يمنَيْن، وتحول الحرب إلى صراع منخفض المستوى بينهما، قد يستمر لأعوام.
أمّا السيناريو الثاني، فيتلخص في تحول الصراع إلى حرب استنزاف طويلة المدى بين الأطراف المتصارعة على الساحة اليمنية؛ لعدم قدرة أيٍّ منها على تحقيق الحسم العسكري لمصلحته.
أمّا التسوية السلمية للصراع اليمني على أساس اتفاق الرياض، فتبدو نسبة تحققه محدودة؛ فالصراع في اليمن مركّب؛ بسبب أطرافه العديدة والمتباينة، ومصالحهم المتعارضة.
*يأخذ السيناريو الأول والأكثر احتمالاً شكل تقسيم اليمن إلى يمنَيْن، وتحول الحرب إلى صراع منخفض المستوى بينهما قد يستمر لأعوام*
كما أنّ التطبيع السياسي بينها صعبٌ للغاية؛ بسبب تنافرها الإيديولوجي والسياسي، وأنّ قضايا الصراع بينها تتعلق بالأرض والثروة والقوة. دون الحديث عن التدخلات الخارجية في الشأن اليمني، وأخطرها التدخل الإيراني، وتصاعد المشاعر القومية في الجنوب. والأهم من ذلك أنّ عملية إعادة هيكلة القوات المسلحة في اليمن تظل أهم العقبات التي يمكن أن تحول دون أيّ تسوية سياسية.
المصدر حفريات