كريتر نت – متابعات
تلوح معركة مفتوحة بين الحكومات وعمالقة الطاقة إثر تحقيقها مكاسب استثنائية العام الماضي مستفيدة من طفرة الأسعار جراء ما يحدث في شرق أوروبا، ما جعلها متهمة بإشعال نار التضخم العالمي بعدما قوضت تكاليف الوقود القدرة الشرائية للمستهلكين.
وتواجه شركات الطاقة الغربية هذه الفترة هجمة شرسة من صناع القرار السياسي في أوروبا والولايات المتحدة كونها تستغل معاناة المستهلكين لجني المزيد من الإيرادات والأرباح عبر التحكم في الأسواق وتحويل الحرب في أوكرانيا إلى فرص قد لا تتكرر.
وستبقى 2022 سنة استثنائية بالنسبة إلى شركات النفط الكبرى، التي تمكنت بفضل الارتفاع الكبير في الأسعار جراء انتعاش الطلب على النفط والغاز، من تسجيل أرباح قياسية، فيما تشير كل التوقعات إلى أنها ستحقق أرباحا مماثلة في العام الحالي أيضا.
وحطمت أربع من الشركات الغربية الخمس الكبرى وهي شل وشيفرون وإكسون موبيل وتوتال إنرجيز سجل صافي أرباحها في العام الماضي، بينما سجلت شركة بي.بي ربحا قياسيا باستثناء البنود الاستثنائية.
وبلغ صافي الأرباح 151 مليار دولار في عام 2022. وتقترب الأرباح المعدلة، التي تعكس الربحية بشكل أفضل من خلال استبعاد الخسائر الناجمة عن عمليات الانسحاب من روسيا، من 200 مليار دولار.
ويكفي ذلك لإثارة غضب الحكومات والمنظمات غير الحكومية، في خضم أزمة الطاقة والمناخ. حتى أن الرئيس الأميركي جو بايدن تحدث في خطاب “حالة الاتحاد” السنوي الذي ألقاه أمام الكونغرس الثلاثاء الماضي عن أرباح “مشينة”.
وقال “لقد استثمروا القليل جدا من تلك الأرباح القياسية. وبدلا من ذلك، استخدموها لإعادة شراء أسهمهم الخاصة، ومكافأة رؤسائهم التنفيذيين ومساهميهم”.
واستفادت الشركات بالكامل من ارتفاع الأسعار حين اقترب سعر برميل خام برنت المرجعي من 140 دولارا في مارس الماضي وارتفع الغاز إلى 350 يورو للميغاواط/ساعة في الصيف الماضي بالسوق الأوروبية، أي 15 مرة أعلى من السعر المعتاد.
وانخفضت الأسعار منذ ذلك الحين، لكن الباحث بمعهد أكسفورد لدراسات الطاقة أدي إمسيروفيتش رجّح في كلامه مع وكالة الصحافة الفرنسية أن “تسجل الأسعار مستويات مرتفعة جديدة هذا العام لأن الحرب في أوكرانيا لم تنته بعد”.
ورغم حالة عدم اليقين التي يشهدها الاقتصاد العالمي، لا تتوقع منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) انخفاضا في الطلب، لا بل تتوقع على العكس من ذلك نموا بواقع 2.2 مليون برميل يوميا هذا العام بعد نمو بنحو 2.5 مليون برميل يوميا العام الماضي.
وعلى النقيض من الدول الخليجية المنتجة للنفط تجد الطبقة السياسية في الغرب نفسها في وضع صعب حيال ارتفاع أرباح الشركات الكبرى على خلفية أزمة غلاء المعيشة.
ففي الدول الأوروبية كما هو الحال في الولايات المتحدة، تعاني العائلات والشركات من ارتفاع أسعار مواد أساسية مثل الخبز أو وقود السيارات وجعل التضخم يصل إلى مستويات هي الأعلى منذ عقود.
200 مليار دولار جنتها أكبر 5 شركات غربية هي شل وشيفرون وإكسون وتوتال وبي.بي في 2022
وكتب بايدن على حسابه في تويتر الأسبوع الماضي يقول “أنا أؤدي دوري لخفض الأسعار، لقد حان الوقت لأن تضطلع شركات النفط العملاقة بدورها”.
وغذى إعلان توتال الأربعاء عن أرباحها البالغة حوالي 20.5 مليار دولار النقاش في فرنسا حول فرض المزيد من الضرائب على هذه الأرباح الضخمة.
لكن الأمر مختلف في بريطانيا، التي فرضت حكومتها في مايو الماضي ضريبة على أرباح الطاقة الاستثنائية، تماما مثلما فعل الاتحاد الأوروبي في نهاية سبتمبر الماضي ضمن ما سُمّي “مساهمة تضامنية مؤقتة” طعنت فيها شركة إكسون موبيل أمام القضاء.
وبرر دارين وودز الرئيس التنفيذي لشركة إكسون معارضته لتلك الخطوة قائلا “ما نحتاجه الآن هو زيادة العرض. وبدلا من ذلك، فُرضت عقوبة على قطاع الطاقة برمته”.
وبعدما استفادت الشركات الكبرى من انتعاش الطلب إثر الجائحة في العام 2021، عادت الأسعار لترتفع مجددا في العام التالي بسبب اندلاع الحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية التي تستهدف موسكو وتراجع الصادرات الروسية.
ومن المؤكد أن هذه الكيانات تستثمر أكثر فأكثر في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقات المتجددة الأخرى، ولكن ديفيد إلمز الأستاذ في كلية واريك للأعمال يؤكد أنه “ليس بقدر المبلغ الذي تدفعه للمساهمين”، بدليل أن بي.بي تبطئ عملية تحولها في مجال الطاقة.
وهذا ليس كل شيء، حيث يقول معز عجمي المستشار لدى إرنست أند يونغ لوكالة الصحافة الفرنسية إن هذه الشركات متعددة الجنسيات استفادت من الرهان على “الأصول ذات القيمة المضافة العالية”، مثل مشاريع الغاز الطبيعي المسال.
ويسانده إمسيروفيتش في رأيه لكنه زاد على ذلك بالقول “ساعدت أيضا الأسعار الباهظة التي غذتها عمليات الشراء الأوروبية للغاز الطبيعي المسال للتعويض عن الإمدادات الروسية”.
ويرى عجمي أن الأسعار سترتفع بسبب الحظر النفطي الغربي على روسيا وبالتالي ستحقق الشركات في 2023 أرباحا بقيمة تلك التي جنتها العام الماضي لاسيما وأنها ستكون قادرة على الاعتماد على انتعاش الطلب مع تخلي الصين عن سياسة “صفر كوفيد”.
ويعتقد إمسيروفيتش أن هذا الطلب على الغاز والنفط لا يزال قويا بفضل إعانات تصل إلى العشرات من مليارات الدولارات لمساعدة المستهلكين على تسديد فواتيرهم، الأمر الذي “يطيل الأزمة”.
ويضيف أن مع “توفير الدعم للوقود الأحفوري يستمر الطلب في النمو بدلا من أن ينخفض في حين أن أفضل علاج لارتفاع الأسعار هو الأسعار المرتفعة”. وأكد أنه ينبغي على حكومات الاتحاد الأوروبي أولا أن تكتفي بمساعدة “من هم أكثر فقرا”.