كريتر نت – متابعات
أعلن وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية فراس أبيض الثلاثاء رفع الدعم عن جميع أنواع حليب الأطفال، في مشهد مأساوي لبلد يجلب الحزب المتحكم فيه (حزب الله) مسيرات لتهديد إسرائيل ويؤمن تهريب الكبتاغون لتهديد الخليج.
ويقول مراقبون إن رفع الدعم عن حليب الأطفال، وهو سلعة حيوية، بحجة التهريب إلى سوريا واستغلال البعض للحليب صناعيا، يظهر حجم الاستهانة لدى الطبقة السياسية اللبنانية بمصير الناس في وقت يعاني فيه البلد منذ سنوات من فشل السياسات التي يتم اعتمادها ما زاد من حجم الفقر والجوع.
ورغم تدنّي الوضع المعيشي بشكل غير مسبوق، فإن حزب الله، الذي يسيطر على لبنان ويتحكم في قرارات السياسيين والحكومة، لم يبد أي اهتمام بتحسين الأوضاع حتى لاعتبارات براغماتية تمكنه من التغطية على نفوذه العسكري.
◙ اللبنانيون عايشوا سلسلة أزمات مرتبطة بالانهيار المالي والاقتصادي الذي صنفه البنك الدولي من بين الأسوأ في تاريخ العالم الحديث
واستمر الحزب في تكديس الصواريخ والمسيرات في صراعه مع إسرائيل باعتباره واجهة لإيران. وقابل الأصوات، التي تطالب بسحب سلاحه وتمكين الدولة من أن تكون هي الجهة الوحيدة التي تدير السلاح، بالتهديد والوعيد.
وبالتوازي، مع دفع اللبنانيين إلى العيش في ظروف اقتصادية صعبة، واضطرار المئات منهم إلى الهجرة غير النظامية، فإن الحزب عمل على توتير علاقة لبنان بمحيطه الإقليمي بالإشراف على تهريب حبوب الكبتاغون من سوريا، وتحويلها إلى تجارة رابحة لتمويل شراء الأسلحة.
وتنتشر المخدرات في معظم المحافظات السّورية وخاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، لاسيما في المناطق الجنوبية كالسّويداء ودرعا والقنيطرة والعاصمة دمشق وريفها.
وكانت تقارير، بعضها صادر عن المرصد السوري لحقوق الإنسان، قد أكدت أن سوريا تحولت من “بلد عبور” للمخدرات إلى “بلد تصنيع وعبور”، بمساعدة عوامل منها دخول مسلحي حزب الله والميليشيات المدعومة من إيران إلى البلاد.
كما كشفت السعودية والكويت أكثر من مرة عن محاولات لتهريب المخدرات ضمن شحنات الخضروات والغلال التي تأتي من لبنان.
ومن شأن فقدان حليب الأطفال في لبنان أن يزيد من حالة الغضب الشعبي على حزب الله، وقد يمهد لاحتجاجات جديدة شبيهة باحتجاجات أكتوبر 2019.
وأوضح وزير الصحة اللبناني في لقاء مع صحافيين أن “السبب الرئيسي الذي دفع وزارة الصحة العامة إلى اتخاذ قرار رفع الدعم عن حليب الأطفال يتصل بضرورة تأمين الحليب للأطفال وليس للتجار، الذين يستغلون الدعم ويعمدون إلى تهريبه”.
وتابع “الوزارة لاحظت أن الكميات الكبيرة من الحليب المدعوم، التي يتم استيرادها، تفوق حاجة البلد وتكاد تكفي بلدين (في إشارة إلى تهريب تلك المادة إلى سوريا)، تختفي من السوق بعد وقت قليل من وصولها!”.
وقال “لكل ما سبق تم اتخاذ القرار بوقف دعم الحليب، وقد تبلّغنا من شركات مستوردة استعدادها لتأمينه بكميات كبيرة بعد رفع الدعم”.
وكانت الشركات المستوردة في لبنان قد توقفت قبل نحو 3 أسابيع عن تسليم الأدوية وحليب الأطفال إلى الصيدليات، بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار الذي تخطى وقتها حاجز الـ47 ألف ليرة للدولار.
وباتت أسعار الحليب كلها في لبنان خارج دائرة دعم المصرف المركزي، لتُحتَسب وفق سعر صرف الدولار المتقلب، والذي شهد ارتفاعا لافتا خلال الأيام الماضية.
وعايش اللبنانيون على مدى الأعوام الماضية سلسلة أزمات مرتبطة بالانهيار المالي والاقتصادي الذي صنفه البنك الدولي من بين الأسوأ في تاريخ العالم الحديث، وانقطعت المحروقات والسلع الغذائية وحليب الأطفال والأدوية والقمح على مراحل متقطعة من الأسواق اللبنانية، وانتشرت طوابير الانتظار التي بات على كل لبناني الوقوف فيها من أجل الحصول على حاجاته الرئيسية.
ولم تتخط البلاد تلك الأوضاع بعد حيث لا تزال تواجه مشاكل في مخزونها من المواد الرئيسية والغذائية، ولاسيما الحبوب والقمح بعدما أطاح انفجار مرفأ بيروت بالصوامع المخصصة لجمع المخزون الإستراتيجي للبلاد، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الزيوت وحليب الأطفال وغيرها من السلع الرئيسية التي لا تزال تشهد أزمة في توفّرها بالكميات والأنواع المطلوبة.
ويخشى اللبنانيون من انعكاس أزمة الغذاء العالمية على البلاد المتداعية أصلا، لاسيما لناحية انقطاع المواد وعدم توفّرها في الأسواق العالمية، حيث سبق أن شهدوا نموذجا قبل أشهر عن هذا السيناريو وذلك بالتزامن مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، وعلى أبواب شهر رمضان الماضي، حيث انقطعت سلع غذائية عدة وتبدلت العديد من الأصناف في الأسواق، فيما بلغت الأسعار مستويات عجز قسم كبير من سكان البلاد عن مجاراتها لتأمين حاجاتهم.