كريتر نت – متابعات
يستفيد النظام السوري من حروب بينية بين فصائل إسلامية، بل وعصابات تهريب، في السيطرة على منطقة درعا، بعد أن صار واضحا أن القوات الروسية تحتاج إلى كل مواردها في حربها في أوكرانيا.
وتعتبر درعا منطقة إستراتيجية لجميع أطراف الصراع في سوريا، حيث تستضيف قبائل محلية تتمتع بصلات تاريخية بأقاربها عبر الحدود في شمال الأردن وبميزات جغرافية لكونها متاخمة لمرتفعات الجولان من الغرب. كما كانت درعا أول محافظة تثور على الأسد في 2011. لكن، كما حدث في معظم المحافظات، قوبلت الاحتجاجات بقمع شديد من الحكومة السورية، وتشكلت مجموعة من الفصائل المتمردة وخاضت حربا ضد الحكومة ثم ضد بعضها البعض.
لكن المفاجأة كانت عندما أعلن عن مقتل زعيم تنظيم أبوالحسن القرشي في درعا، في منطقة لا تعد مكانا تقليديا لانتشار التنظيم في سوريا، رغم وجود فصائل تابعة له لا تزال تسجل عمليات ضد الجيش السوري.
أعلن المتحدث باسم تنظيم داعش في كلمة صوتية، في 30 نوفمبر، مقتل أبوالحسن القرشي واختيار أبوالحسين الحسيني القرشي خلفا له. كانت هذه هي المرة الثانية خلال عام التي يُقتل فيها خليفة من داعش، وكان كل من أبوالحسن وسلفه، أبوإبراهيم الهاشمي القرشي (الملقب بعبدالله قرداش أو أبوإبراهيم)، خلفاء للخليفة “الأصلي” لتنظيم الدولة الإسلامية، أبوبكر البغدادي، الذي قُتل في عملية للقوات الخاصة الأميركية في شمال غرب سوريا في أكتوبر 2019. ومثل البغدادي، قُتل أبوإبراهيم في غارة أميركية في فبراير في محافظة إدلب شمال غرب سوريا.
وكان الإعلان عن الخليفة الرابع لداعش غامضا حتى بمعايير الدولة الإسلامية. ولا توجد معلومات أو مؤشرات كثيرة حول الهوية الحقيقية لكل من الخليفة الذي قُتل مؤخرا وخليفته. وكان الحال دائما هو أن هويات خلفاء داعش الجدد لم تكن واضحة تماما عند توليهم للدور، ولكن بحلول الوقت الذي قُتل فيه كل واحد منهم، توفّرت معرفة أساسية بهويتهم. ورغم أن الخليفة الجديد غير معروف تماما، إلا أن هذا لا يعني أنه يفتقر إلى النفوذ بين مؤيدي داعش في الشرق الأوسط أو في الخارج.
وفي حين أن خسارة القادة بهذه السرعة تضر بداعش ومدى الحفاظ على مكانة الخليفة المهمة، تُذكّر الجماعة أعضاءها، لاسيما في المناطق التي تخضع فيها الفروع لضغوط أقل من “النواة” في العراق وسوريا، بأن تنظيم الدولة لا يزال موجودا.
بيان غريب من القيادة المركزية الأميركية
أصبحت هوية الخليفة المتوفى حديثا، أبوالحسن، أكثر غموضا عندما أكدت القيادة المركزية للجيش الأميركي الناشطة في الشرق الأوسط (سنتكوم) مقتله. وكشفت القيادة في بيان قصير أنه لم يقتل على يد الولايات المتحدة، بل المتمردين السوريين المناهضين للحكومة في محافظة درعا في جنوب سوريا وليس في معقل داعش السابق في شمال شرق البلاد. وكان معقل داعش السابق، الذي يخضع الآن لسيطرة القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، المكان الذي قُتل فيه البغدادي وأبوإبراهيم في عمليات أميركية.
ويشير موقع القتل وحقيقة أنه كان الخليفة الأول لداعش الذي تم القضاء عليه في عملية دون تدخل أميركي إلى فصل جديد في الصراع مع داعش.
ويقول الباحث رامي جميل من مؤسسة جايمس تاون البحثية الأميركية “تعدّ الزعامة في أي مجموعة منصبا مهما. ولكن رمزية ’الخليفة‘ تعتبر في حالة الدولة الإسلامية أمرا حيويا لوجود التنظيم ذاته”، فبعد أن أعلن البغدادي نفسه خليفة في 2014، صور التنظيم نفسه على أنه يعيد بناء أسس الإمبراطورية الإسلامية التي كانت موجودة منذ بداية الإسلام وحتى بعد فترة وجيزة من نهاية الإمبراطورية العثمانية. وهكذا، لم يكن أمام داعش خيار سوى تسمية خليفة آخر كان غامضا للجمهور، وهو أبوالحسين.
رامي جميل مؤسس جيمش تاون: مقتل خليفة من تنظيم الدولة الإسلامية على يد قوة غير أميركية يشير إلى أن النجاح لم يكن نتيجة لإستراتيجية دقيقة من الولايات المتحدة
لا تزال مواجهة تهديد داعش أولوية بالنسبة إلى القوات الأميركية في ظل حكم الخليفة الجديد، وهي في قلب إستراتيجيتها العسكرية في الشرق الأوسط. ولا تزال التهديدات الأخرى مثل إيران والميليشيات الشيعية التي تدعمها في المرتبة الثانية بعد داعش فيما يتعلق بالخطط العسكرية الأميركية في المنطقة. لكن الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية استمرت في مرحلة جديدة منذ أن خسر التنظيم الأراضي التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق في 2019. في المرحلة الأولى، وحتى أثناء حرب العراق عندما كانت الولايات المتحدة تقاتل الجماعات السابقة لداعش مثل القاعدة في العراق، كان من الممكن اكتشاف تحركات الجهاديين بسهولة أكبر.
ومنذ مقتل البغدادي في 2019، أصبح تنظيم الدولة الإسلامية يعمل كمنظمة شبه سرية بشكل متزايد، لكنه لم يكن تحت الأرض تماما لأنه لم يتخل مطلقا عن ادعائه بكونه دولة الخلافة التي تسيطر على الأراضي. وتعتمد مطالبة التنظيم بالسيادة على نقاط ضعف الحكومتين في العراق وسوريا واحتفاظه بوجود إقليمي ظاهري من خلال موجات العنف.
ولا يبدو أن جهود الجيش الأميركي في مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية تعمل على تطوير تحسينات استخباراتية مهمة للتعامل مع الوضع الحالي لشبكة إرهابية داعشية شبه سرية. وشهدت كلتا العمليتين الأميركيتين لقتل البغدادي وأبوإبراهيم تبني عدة أطراف للانتصار لأنها تدعم الولايات المتحدة.
لم يكن كل هذا الفخر في محله، لكن بعض المساعدة الاستخباراتية المحلية سهّلت العمليات الأميركية. كما كانت العمليتان الأميركيتان في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام بقيادة أبومحمد الجولاني ومقاتلين سوريين مدعومين من تركيا، على الرغم من عدم وجود ما يشير إلى أن أيا من الطرفين قد تعاونا بشكل خاص مع القوات الأميركية.
الروس في درعا ومقتل الخليفة
أصبحت سوريا مقسمة إلى عدة مناطق تحت سلطات حاكمة مختلفة. ولم يعد تنظيم الدولة الإسلامية يسيطر على أي مناطق، لكنه يعمل عبر المناطق وبينها. كانت روسيا تاريخيا الداعمة الدولية الرئيسية للحكومة السورية بقيادة بشار الأسد. وقلبت موازين القوى لصالح الجيش العربي السوري منذ بدء تدخلها العسكري في 2015، بعدما كانت في طليعة القوى التي ساندت دمشق دبلوماسيا واقتصاديا.
وأرفق الروس مشاركتهم العسكرية بإستراتيجية سياسية للتفاوض على تسوية الصراع على المستوى المحلي، وكانت درعا الواجهة الرئيسية لتلك الإستراتيجية. كما توسط الجيش الروسي في اتفاقات سلام بين النظام وجماعات متمردة محلية. وتضمنت التسويات قرارات عفو من الحكومة السورية وسمحت لبعض مقاتلي المعارضة بالهجرة مع عائلاتهم إلى إدلب التي يسيطر عليها المتمردون. وأوقفت الجماعات المتمردة في المقابل هجماتها على قوات الحكومة السورية.
ومع ذلك، ذهبت الإستراتيجية الروسية إلى أبعد من ذلك إلى حد أن جيشها أقام علاقات مباشرة خاصة به مع المجتمع المحلي في درعا. وأقيمت نقاط تفتيش ومراكز اتصال. والأهم من ذلك أن روسيا رعت إنشاء اللواء الثامن في درعا (الذي يُعرف في الإعلام أحيانا بالفيلق الخامس) وهو يضم معظم مقاتلي شباب السنة، وانضم إليه لاحقا العديد من مقاتلي الفصائل الأخرى التي تفككت بعد التسوية. ويتمركز بشكل خاص في بصرى الشام وما حولها شرقي درعا.
ويرى جميل أن الإستراتيجية الروسية نجحت إلى حد ما في الحد من العنف ودعم سيطرة النظام في درعا، لكن لا يبدو أن روسيا تدير التطبيع الكامل للوضع الأمني في درعا. بل استؤنف القتال في بعض أجزاء المحافظة، التي أصبحت أيضا مركزا لتجارة المخدرات غير المشروعة عبر الحدود مع الأردن المجاور.
حرب أوكرانيا تغير وضع درعا
وأدت الحرب في أوكرانيا إلى إجهاد الموارد الروسية. لذلك، انطلقت روسيا في سحب قواتها من درعا في الأشهر الأخيرة. كما عارضت رواية الانسحاب من خلال تسيير دوريات مشتركة لأسباب دعائية. وعاد أحمد العودة، قائد اللواء الثامن في الفيلق الخامس المدعوم من روسيا إلى مدينة بصرى الشام بريف درعا الشرقي، بعد أن غادر للعيش في الأردن.
ومع ذلك، تخضع الإستراتيجية الروسية لاختبار مكثف وأظهرت أطراف أخرى وجودا متزايدا في درعا. وتنتشر ميليشيات شيعية وخلايا داعش المدعومة من إيران بالإضافة إلى الحكومة السورية.
وكان جيش خالد بن الوليد من بين الجماعات المتمردة التي ظهرت في درعا. وأعلن فيما بعد ولاءه لتنظيم الدولة الإسلامية. وقد صُدم الأسد عندما رأى أن درعا أصبحت المنطقة الأولى التي ثارت على حكمه لأن عضوية حزب البعث الحاكم في درعا كانت تاريخيا الأعلى في كل سوريا، كما كانت الحكومة على علاقة جيدة مع القبائل المحلية في المنطقة. ومنذ أن تمت التسويات بوساطة روسية في 2018، بدأت الحكومة السورية في الاعتماد على الولاءات القديمة لتعزيز سيطرتها.
وهكذا، وعندما استؤنف القتال بين المتمردين السنة الرئيسيين والحكومة بعد التسويات التي توسطت فيها روسيا، اتهم المتمردون الحكومة باللجوء إلى مناورة كلاسيكية محفوفة بالمخاطر بإطلاق سراح الجهاديين من السجون من أجل التحريض على القتال بين المتمردين وإضعاف جميع الجهات المناهضة للحكومة. وبناء على ذلك، تقرر إطلاق سراح مجموعة من الجهاديين من جيش خالد بن الوليد والدولة الإسلامية من السجن وتفاقم القتال بين الجهاديين والجماعات المتمردة الأخرى، التي كانت جميعا ضد الأسد ولكنها تتقاتل وتضعف بعضها البعض. وجاء مقتل خليفة داعش في سياق الموجة الأخيرة من الاقتتال بين الثوار الناتجة عن التطورات روسية وإطلاق الأسد الجهاديين من السجن لإثارة الصدام الداخلي بين المتمردين.
الولاء القبلي أهم
إن للاقتتال الداخلي بين المتمردين في درعا بعدا قبليا كبيرا. وينتمي الأعضاء الرئيسيون في جيش خالد بن الوليد والدولة الإسلامية إلى قبيلة المسالمة في حين أن العديد من المتمردين الآخرين ينتمون إلى قبيلة أبوزيد. ويظل ميل القبائل إلى حماية أفرادها حتى عندما لا توافق في بعض الأحيان على أفعالهم وانتماءاتهم ديناميكية رئيسية في القتال في درعا. وأظهر الأسد منذ 2011 أن حكومته تفتقر إلى الرغبة في محاربة الجهاديين وجها لوجه، وأنها كانت على استعداد للجوء إلى تكتيكات خبيثة لسحق الجماعات المتمردة الأخرى. ويُظهر مقتل خليفة داعش، أبوالحسن، في درعا وحقيقة أنها المنطقة الوحيدة في سوريا التي لا تزال فيها الدولة الإسلامية قادرة على القتال بشكل علني، على أهمية المحافظة في أي إستراتيجية شاملة لمكافحة تنظيم داعش.
ويرى جميل “حقيقة.. هذه تعدّ المرة الأولى التي يُقتل فيها خليفة من تنظيم الدولة الإسلامية على يد قوة غير أميركية، وأن النجاح لم يكن نتيجة لإستراتيجية دقيقة من الولايات المتحدة، ولكنه كان عرضيا على الأرجح”.
ومع ذلك، أشاد المسؤولون الأميركيون بقتل الخليفة، على الرغم من أنه يشير إلى مشكلة محتملة ضمن المخابرات الأميركية. ولم يبرز أي مؤشر على تورط الولايات المتحدة في القتل وكان توقيت بيان القيادة المركزية لتأكيد القتل غير معتاد أيضا. حيث حدث ذلك بعد أسابيع من الواقعة وبعد ساعات فقط من إعلان تنظيم الدولة لذلك وتنصيب خليفة جديد. في المقابل، كشف مقتل خلفاء داعش السابقين في شمال غرب سوريا عن فعالية الولايات المتحدة في التوغل في عمق منطقة معادية.
كما يُظهر مقتل خليفة داعش وتعيين خلف جديد له التناقض بين ضعف داعش ومرونته. حيث فشل التنظيم في حماية خلفائه من الجيش الأميركي والمتمردين المحليين الذين لا يستخدمون تكتيكات عسكرية متطورة وفي منطقة لداعش بعض الروابط القبلية بها. لكن تنظيم الدولة الإسلامية لا يزال يحتفظ بوجوده في بؤرته الأساسية في الشرق الأوسط، وإن كان ذلك بشكل صغير نسبي. والأهم من ذلك أنه لا يزال يحتفظ بمكانة الخليفة لإلهام فروعه التي تعمل تحت ضغط أقل في أجزاء أخرى من العالم من أفريقيا إلى أفغانستان.