كريتر نت – متابعات
ينذر الاحتقان المدفوع بالأزمة الاقتصادية التي يعانيها لبنان بانفجار الأوضاع الاجتماعية مجددا. وباتت التحذيرات الأمنية من ذلك تتواتر منذ فترة مع ارتفاع نسبة الجريمة والبطالة وعمليات الخطف مقابل فدية.
ويتصدر هاجس الأمن الاجتماعي اهتمامات المراقبين للساحة اللبنانية المتداعية بفعل الأزمتين المالية والسياسية اللتين تعيشهما البلاد، لاسيما وأن المواطن اللبناني تحديدا يدفع الثمن الأكبر للتخبط الحاصل، ويتكبد ما ينتج عنه من صعوبات حياتية ومعيشية وأثمان مادية ومعنوية باهظة.
وأبدى وزير الداخلية اللبناني السابق مروان شربل استغرابه من الوضع الأمني المتماسك حتى الآن في لبنان، قائلا “يكاد الأمر لا يصدق، أي بلد في العالم يشهد اجتماعيا ومعيشيا وسياسيا ما يشهده لبنان، ولا ينفجر؟”، لكن الانفجار الاجتماعي بات قريبا وفق محللين.
وبفعل الاحتقان الآخذ بالازدياد، بات الانفجار الاجتماعي نتيجة تتوقعها أعلى المراجع الأمنية في البلاد، وتحذر منها التقارير الدولية التي ترصد أحوال لبنان وسكانه، خاصة وأنه ما من إجراءات حكومية أو سياسية تتخذ في سبيل كبح الانهيار، فيما كل متطلبات الانفجار باتت متوفرة على الساحة اللبنانية.
وسجل الدولار رقما قياسيا جديدا أمام الليرة اللبنانية، بسعر صرف تخطى الـ43 ألف ليرة، فيما التوقعات تشير إلى المزيد من التراجع للعملة المحلية التي تصرف عبرها رواتب الموظفين في القطاع العام.
وتسير أسواق البلاد وفق سعر الدولار، كذلك كافة المتطلبات الحياتية، ما انعكس ارتفاعا هائلا في أسعار السلع والخدمات، وفاقم الأزمة المعيشية على المواطنين الذين يواجهون عجزا تاما عن تأمين احتياجاتهم، في ظل ارتفاع متزايد لنسب البطالة تقارب الـ40 في المئة وفق التقديرات.
عباس إبراهيم: الوضع الاجتماعي في لبنان سينفجر آجلا أو عاجلا
ومن المتوقع أن يزداد الضغط المعيشي على سكان البلاد، نتيجة حزمة ضرائب تستعد السلطات لإقرارها، بدأت من رفع تعرفة الاتصالات الخليوية، وستمتد إلى قطاع الكهرباء الذي لا يؤمن أكثر من تغذية ساعتين في اليوم، كما من المتوقع أن ترتفع أسعار السلع والمواد الغذائية والبضائع المستوردة ما بين 20 و50 في المئة خلال الأشهر المقبلة.
وأفادت تقارير أممية بأن “غالبية سكان لبنان عاجزون عن تأمين حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية وسط أزمة اقتصادية متفاقمة، حيث تتحمل الأسر ذات الدخل المحدود العبء الأكبر”.
وحضت منظمات دولية الحكومة اللبنانية والبنك الدولي على اتخاذ إجراءات عاجلة للاستثمار في نظام حماية اجتماعية قائم على الحقوق ويضمن مستوى معيشيا لائقا للجميع، مشيرة إلى أن أكثر من نصف اللبنانيين منذ ما قبل الأزمة المالية لم يحصلوا على أي نوع من الحماية الاجتماعية، فيما النسبة اليوم أكبر بكثير.
ويضاف إلى كل ذلك إعلان عن إعادة جدولة لنسب الضرائب على موظفي القطاع الخاص، أثار في الأسابيع الماضية غضبا شعبيا عارما، وصل إلى حد إصدار دعوات لعودة التحركات الاحتجاجية في الشارع فيما لو فرضت الضرائب التي أقرتها وزارة المالية، والتي تقتطع نسبا كبيرة من الرواتب دون أي مقابل.
أما سياسيا فالأمور تراوح مكانها، حيث الفراغ الرئاسي سيد الموقف، ولا أمل في الأفق من وصول الأطراف السياسية الممثلة في المجلس النيابي إلى أي اتفاق على اسم رئيس جمهورية، فيما حكومة تصريف الأعمال التي يترأسها نجيب ميقاتي تفتقد إلى الصلاحيات لممارسة أي مهمات إنقاذية من الواقع الحالي.
ويزيد الانقسام من الجدل الدستوري الدائر حول ممارسة حكومة تصريف الأعمال لمهامها ومهام رئيس الجمهورية في غيابه، وهو ما ترك توترا طائفيا في البلاد بين بعض الأحزاب السياسية المسيحية والإسلامية، يزيد من تأزيم الوضع.
وحذر مدير عام جهاز الأمن العام في لبنان اللواء عباس إبراهيم من أن “المجد الموروث استبيح وأوشك أن يتهدم”، في إشارة إلى لبنان، وذلك نتيجة فقدان “اكتمال الإطار الدستوري والمؤسساتي وانتظامه تحت قبة القانون الذي يضمن العدالة والمساواة لجميع اللبنانيين”.
وجاءت تحذيرات إبراهيم خلال زيارة له للرابطة المارونية في لبنان، أكد فيها أن “الخطر الداهم يتهدد لبنان”، مضيفا أن “لا استقرار على المستوى الأمني إلا بشرطين: الاستقرار السياسي والاستقرار الاقتصادي، وأن سبب عدم الاستقرار السياسي مرده إلى الخلافات المستشرية في الداخل اللبناني، والنكايات المتبادلة بين الأفرقاء السياسيين”.
◙ الحل الرئيسي في البلاد ينتج سياسيا والتأثيرات الاجتماعية هي المحرك الأكبر لهذه الفوضى التي يشهدها لبنان
ونبه إلى أن الأمور ستتجه نحو الأسوأ في حال لم يتم انتخاب رئيس للجمهورية، وأن القطاع الأمني هو من أكثر القطاعات تأثرا، وأن الأوضاع آخذة في التفاقم، مشددا على أن الوضع الاجتماعي سينفجر آجلا أو عاجلا. ويجب تدارك الأمر بعمل مكثف وجاد في كل الاتجاهات.
ويقول مراقبون إن التحذيرات جاءت بمثابة جرس إنذار، مبني على معطيات، لاسيما وأن القيادات الأمنية في البلاد دائما ما تنتهج التطمين في خطابها العام، ما يجعل التحذيرات من هذا النوع موضع قلق وارتياب مما قد تحمله الفترة المقبلة من توترات اجتماعية، بدأت تظهر على شكل جرائم وسرقات وأحداث فريدة، ما كانت تشهدها البلاد من قبل.
ويتفق المراقبون على أن الحل الرئيسي في البلاد ينتج سياسيا، ويرى النائب اللبناني أشرف ريفي أن التأثيرات الاجتماعية هي المحرك الأكبر لهذه الفوضى التي يشهدها لبنان، ولكنه يشدد على أن أصل المشكلة في البلاد سياسي.
وأضاف ريفي “الأمور في لبنان تبدأ من السياسة وتنعكس على صعد أخرى، المنظومة التي تقود البلاد اليوم، هي السبب الرئيسي في ما وصلنا إليه من انهيار مالي ومعاناة معيشية واجتماعية التي بدورها تدفع نحو الفوضى والانفجار، والأهم أن هذه المنظومة الحاكمة التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه، لا يمكن أن نتأمل منها إيجاد حل لما أنتجته من مشاكل”.