سنية فاروقي
اللاجئون الأوكرانيون ليسوا لاجئين بمعايير أوروبا. بينما يعامل غيرهم بمنطق “الغزاة” و”السيل”. حرب أوكرانيا بسطت الأمر على الجميع.
وفي عام 2019، قدمت الرئيسة المنتخبة للاتحاد الأوروبي في حينه أورسولا فون دير لاين تقريرا للمفوضية الأوروبية بعنوان “حماية طريقة الحياة الأوروبية”. أثار التقرير الكثير من الضجيج من متسائلين يريدون معرفة عما يعنيه ذلك. تغيرت “الحماية” لاحقا إلى “الترويج” لطريقة الحياة الأوروبية. ومرت أكثر من ثلاث سنوات منذ طرح هذا الملف المثير للجدل والذي نوقش كثيرا وانتُقد على نطاق واسع، حيث يواصل الكثيرون التساؤل عما هو فريد من نوعه في “أسلوب الحياة الأوروبية”؟
واعتبارا من 2021، بلغ عدد سكان الاتحاد الأوروبي 447.2 مليون نسمة، منهم 23.7 مليون من غير مواطني دوله، أي 5 في المئة من إجمالي سكان الاتحاد الأوروبي. كما أن 37.5 مليون من جميع سكان الاتحاد الأوروبي مولودون خارج حدوده، أي ما يقارب 8.5 في المئة.
وتعتبر شذى إسلام، المتخصصة في شؤون الاتحاد الأوروبي أن “طريقة الحياة الأوروبية، بالنسبة إلى الكثيرين، تتعلق بالمسيحية وأن تكون أبيض. لذلك فإن أيّ شخص لا يندرج في هذه الفئات يُنظر إليه على أنه لا ينتمي إلى أوروبا”.
وتضيف “يوجد حوالي 50 مليون شخص من غير البيض في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، وهذا عدد كبير من الناس، وليس مجرد أقلية صغيرة. وهذا يعني أن المهاجرين واللاجئين هم جزء من ذلك. عفا الزمن على رواية أوروبا غير المتصلة بواقع القارة المتنوعة ومتعددة الثقافات اليوم”.
شهدت أوروبا على مر السنين زيادة في إضفاء الطابع الأمني على الهجرة وردودا شديدة وأنماطا مقلقة من التهديد والتخويف والعنف والإذلال على الحدود مما أدى إلى انتهاكات حقوق الإنسان وتنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا والعنصرية وصعود التيار اليميني في أوروبا. ومثّل كل هذا مؤشرات قوية جدا على المشاعر المعادية للمهاجرين المتزايدة باستمرار.
وخلق الغزو الروسي المستمر لأوكرانيا واحدة من أكبر أزمات اللاجئين في العصر الحديث. فبعد شهر واحد فقط من الحرب، فرّ أكثر من 3.7 مليون أوكراني إلى البلدان المجاورة بحثا عن الأمان والحماية والمساعدة. وكان هذا سادس أكبر تدفق للاجئين على مدار الستين عاما الماضية. وأبدت معظم الدول الأوروبية ترحيبها بشكل استثنائي بوصول اللاجئين، على عكس أزمة اللاجئين في 2015 عندما دعا الاتحاد الأوروبي إلى احتجاز القادمين لمدة تصل إلى 18 شهرا.
وتقول شذى إسلام إنه بينما فتحت أوروبا أذرعها ومنازلها ومدارسها ومستشفياتها للملايين من اللاجئين الأوكرانيين، لا يزال القادة الأوروبيون يشددون سياسات الهجرة ضد اللاجئين من الشرق الأوسط وأفريقيا.
وتابعت “نرى شعورا بالتعاطف والشفقة والتضامن تجاه اللاجئين من أوكرانيا. لماذا لا يمكننا إظهار ذلك للأشخاص الفارين من الحروب والجوع وتغير المناخ من أجزاء أخرى من العالم؟ لماذا نجدهم في المخيمات قبل أن ترحّلهم وكالة فرونتكست الحدودية التابعة للاتحاد الأوروبي؟ لماذا لا يلاقون بنفس الترحيب ونفس الشعور بالرحمة والتعاطف؟”.
اتخذت حكومة بلغاريا الخطوات الأولى للترحيب باللاجئين الأوكرانيين في وقت سابق من شهر مارس، استجابة للأزمة الأوكرانية، وكانت هذه الخطوة موضع ترحيب من الجميع في مواجهة واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية. ولكن العديد من نشطاء حقوق الإنسان أثاروا تساؤلات حول التمييز والمعايير المزدوجة عندما قال رئيس الوزراء البلغاري كيريل بيتكوف “هؤلاء ليسوا اللاجئين الذين اعتدنا عليهم. هذه ليست موجة اللاجئين المعتادة من الأشخاص ممن يبقى ماضيهم غير واضح. ولا تشعر أيّ دولة أوروبية بالقلق حيالهم”.
وتفاقمت أزمة اللاجئين على الحدود البولندية – البيلاروسية في فبراير 2022، مع ورود تقارير عن المهاجرين المقيمين في المخيم الذين أُجبروا على النزوح، ودفعتهم قوات الأمن إلى التراجع بخراطيم المياه والغاز المسيل للدموع.
ووفقا لتقرير في 2021، حاول الآلاف من الأشخاص الفارين من الصراعات في الشرق الأوسط ومناطق أخرى دخول الاتحاد الأوروبي عبر ليتوانيا ولاتفيا وبولندا من بيلاروسيا المجاورة. وأصبح الوضع على الحدود حرجا خلال أشهر الشتاء، حيث تقطعت السبل بالمئات من الأشخاص لأسابيع في ظروف مناخية قاسية. وسجّل حرس الحدود البولنديين 977 محاولة لعبور الحدود في أبريل 2022 وما يقرب من 4280 محاولة منذ بداية 2022، وهو عدد أقل بكثير من الأرقام التي سُجّلت في نوفمبر 2021 عندما تجمع ما بين 3 آلاف و4 آلاف مهاجر على طول الحدود في غضون أيام قليلة. وكان كل ذلك في وقت وعد فيه الاتحاد الأوروبي بقبول كل من يأتي من أوكرانيا.
كانت الحياة صعبة بالنسبة إلى طالبي اللجوء في إيطاليا، حيث حُرم معظمهم من وضع اللاجئ والعمل القانوني، وواجهوا التمييز بشكل منتظم. وفي الفترة التي سبقت الانتخابات الأخيرة، انتشرت تقارير عن العديد من الهجمات العنيفة ضد طالبي اللجوء والمهاجرين، بما في ذلك مقتل أليكا أوغورشوكو، وهو رجل نيجيري كان يعيش في إيطاليا. وأثارت الجريمة صدمة في جميع أنحاء البلاد وأثارت مجموعة من المناقشات حول العنصرية.
في وقت سابق من شهر نوفمبر، رفضت الحكومة الإيطالية السماح لنحو 250 شخصا بالنزول من سفينتي إنقاذ غير حكوميتين رستا في كاتانيا. ونددت منظمات حقوقية بالخطوة التي اتخذتها الحكومة الإيطالية التي أعطت توجيهات لسفن الإنقاذ لإعادتها إلى المياه الدولية، مشيرة إلى أنها تعرض الناس للخطر وتنتهك التزامات إيطاليا في مجال حقوق الإنسان.
وكان رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان صريحا بشأن آرائه وموقفه المناهض للاجئين عندما رفض استقبال اللاجئين في 2018 ووصفهم بـ”الغزاة المسلمين”. وجاء في تعليقاته الأخيرة أن الدول “لن تصبح أمما” إذا اختلطت أعراق مختلفة.
◙ أزمة اللاجئين الحالية تبرز المشكلة الحقيقية بوضوح وهي قبول الفجوة التي لا مفر منها بين المنطق الشامل لحقوق الإنسان العالمية واستبعاد أوروبا أولئك الذين تراهم غرباء
وتبرز أزمة اللاجئين الحالية المشكلة الحقيقية بوضوح وهي قبول الفجوة التي لا مفر منها بين المنطق الشامل لحقوق الإنسان العالمية واستبعاد أوروبا أولئك الذين تراهم غرباء. وعلى الرغم من القوانين والالتزامات الدولية أو مفهوم اللجوء السياسي ذاته “أظهرت أوروبا تعسفا على حدودها الداخلية والخارجية على حد سواء”. ويستمر نظام تفرقة الأفراد على أساس اللون والعرق والخلفية الدينية في تعزيز التحيز تجاه حياة الإنسان.
يفر الأشخاص من بلدانهم الأصلية لسبب ما، إما النزاعات المسلحة أو الضائقة الاقتصادية أو الحرب أو عدم الاستقرار السياسي. ويضمن القانون الدولي لكل شخص يفر من الاضطهاد الحق في طلب اللجوء في بلد آمن. وتختلف قوانين اللجوء في كل دولة أوروبية لأن الاتحاد الأوروبي يعتبر قانون الهجرة مسألة سيادة وطنية. لكن الأشخاص الذين يفرون ويصلون إلى الدول الأوروبية يواجهون مصطلحات مثل “الغزو” و”السيل” و”الحصار”.
تتطلب عقلية التكامل والشمولية عملية طويلة من التكيف من جميع الجوانب. ويتماشى اندماج اللاجئين الاجتماعي أيضا مع هدف التنمية المستدامة عدد 16 للأمم المتحدة، الذي يتضمن الاندماج في السياق الاقتصادي والصحي والتعليمي والاجتماعي. ويجب أن تتعامل أوروبا مع عنصريتها وتمييزها وتطرح على نفسها أسئلة غير مريحة، بما في ذلك عن إرثها من الاستعمار والمشاركة في تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، لاتخاذ خطوة أخرى نحو إنشاء قارة أكثر تنوعا وشمولية عرقيا “تفي بمُثلها وقيمها العليا”.
وقالت شذى إسلام إن “أوروبا في حاجة إلى عمالة أجنبية وفي حاجة إلى مواهب جميع مواطنيها. نحن في حالة ركود وتباطؤ اقتصادي ونحتاج إلى تكاتف كل الأيدي. إذا كنت ستظهر الكثير من التمييز في الداخل، فلن تكون في وضع يسمح لك بالوقوف على المسرح العالمي والتحدث عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة والأقليات العرقية. إنك تفقد تأثيرك الجيوسياسي وتفوّقك الذي يمكن أن تحققه في هذا العالم المعقد للغاية”.
المصدر العرب اللندنية