كريتر نت – متابعات
استأنفت المصالح التجارية والطلاب والعمال في إيران الثلاثاء إضرابات مناهضة للحكومة لمدة ثلاثة أيام، بغرض إحياء ذكرى أحد أكثر الاحتجاجات دموية في تاريخ البلاد، ما يزيد الضغوط على المؤسسة الدينية الحاكمة.
وبدأ الإيرانيون في عدة مدن إضرابا الثلاثاء في ذكرى مظاهرات شهدتها البلاد عام 2019 احتجاجا على ارتفاع أسعار الوقود، وقابلتها قوات الأمن بحملة قمع وُصفت بأنها من بين الأكثر دموية في تاريخ الجمهورية الإسلامية.
ومن شأن هذه الخطوة أن تزيد الضغوط على رجال الدين الذين يحكمون البلاد، والذين يواجهون منذ شهرين احتجاجات واسعة اندلعت شرارتها إثر مقتل الشابة الكردية مهسا أميني، البالغة من العمر 22 عاما، بعد احتجاز شرطة الأخلاق لها.
وتحولت التظاهرات إلى أزمة شرعية للمؤسسة الدينية التي تحكم البلاد منذ أكثر من أربعة عقود.
وأظهرت مقاطع فيديو متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي إضرابات وتجمعات. وأوضحت لقطات نشرها حساب “1500 تصوير” الناشط على تويتر متاجر مغلقة في سوق طهران، مع تجمع حشد من الناس يرددون شعارات مناهضة للحكومة.
وأشارت منظمة هنجاو الكردية لحقوق الإنسان إلى حدوث إضرابات جماعية في العديد من المدن التي يسكنها أكراد في شمال وشمال غرب إيران، كما أضربت جامعات في هذه المناطق.
وشهدت جامعة آزاد في مدينة كرج القريبة من طهران إضرابا أيضا، ونشر حساب “1500 تصوير” مقطع فيديو يظهر ممرات الجامعة فارغة والأبواب مغلقة. كما نشر الحساب مقطع فيديو لأشخاص في قطار أنفاق وهم يهتفون “الموت للدكتاتور”، وهو شعار كثيرا ما تم ترديده ويُقصد به الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي.
وفي مدينة أصفهان بوسط إيران، وقف عمال خارج مصنع للصلب وانضموا إلى الإضراب. وذكر حساب “1500 تصوير” أن العمال رددوا “سئمنا الوعود، موائدنا فارغة”.
ويتزايد الدعم لحركة الاحتجاجات من مختلف فئات المجتمع الإيراني، وذكر لاعب كرة القدم المتقاعد الشهير علي دائي عبر إنستغرام أنه رفض دعوة من الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” لحضور بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر.
وكتب دائي “اعتذرت عن عدم قبول دعوة الفيفا وأفضّل البقاء إلى جانب أبناء بلدي وتقديم التعازي للأسر التي فقدت أحباءها مؤخرا”.
وتقول إيران إن أميني توفيت نتيجة مشكلات صحية كانت تعاني منها بالفعل، وتُحمّل أعداء خارجيين من بينهم الولايات المتحدة المسؤولية عن إثارة ما تشهده من اضطرابات.
تأتي الدعوة إلى الاحتجاج الثلاثاء لإحياء الذكرى الثالثة لبدء تحركات “أبان الدموي” أو “نوفمبر الدامي”، عندما أدت الزيادة المفاجئة في أسعار الوقود إلى احتجاجات دامية.
وشهدت أيام الاضطرابات في إيران منذ الخامس عشر من نوفمبر في تلك السنة مهاجمة مراكز الشرطة ونهب متاجر وإحراق مصارف ومحطات وقود، بينما لجأت السلطات إلى قطع الاتصال بالإنترنت مدة أسبوع.
وقالت منظمة العفو الدولية إن ما لا يقل عن 304 أشخاص قتلوا في الاضطرابات، التي سرعان ما امتدت إلى أكثر من 100 بلدة ومدينة في أنحاء الجمهورية الإسلامية.
وأفاد فريق من المحامين الدوليين في إطار ما سُمي بـ”محكمة أبان”، التي عُقدت في لندن هذا العام، بأن أدلة جمعها خبراء تشير إلى أن العدد الفعلي للقتلى قد يكون أكبر بكثير، وقد يصل إلى 1515.
وتقف مجموعات من الشباب التي لا تكشف عن أسمائها وراء الدعوات الأخيرة إلى الاحتجاج منذ وفاة أميني في السادس عشر من سبتمبر.
وقالت منظمة حقوق الإنسان الإيرانية ومقرها أوسلو السبت إن قوات الأمن قتلت 326 شخصا على الأقل حتى تاريخه، في حملة القمع المستمرة ضد الاحتجاجات.
وتصاعدت حركة الاحتجاج بسبب الغضب من قواعد اللباس المفروضة على النساء، لكنّها تطورت إلى حركة واسعة ضد حكم رجال الدين القائم في إيران منذ الثورة الإسلامية عام 1979.
ولم تسجّل التحركات تراجعا، رغم استخدام النظام الإيراني للقوة المميتة لمواجهة من تقول جماعات حقوقية إنهم متظاهرون سلميّون إلى حد كبير، وحملة اعتقالات جماعية استهدفت ناشطين وصحافيين ومحامين.
ومن بين هؤلاء الناشط البارز في مجال حرية التعبير حسين رونقي الذي قال القضاء الإيراني الثلاثاء إنه أعيد إلى السجن بعد نقله إلى المستشفى.
وهناك قلق بشأن صحة رونقي البالغ 37 عاما، والذي بدأ إضرابا عن الطعام بعد سجنه في سجن إيوين في طهران يوم الرابع والعشرين من سبتمبر.
وفرض الاتحاد الأوروبي وبريطانيا الاثنين عقوبات على أكثر من 30 من كبار المسؤولين والمؤسسات الإيرانية بسبب حملة القمع. واستهدفت عقوبات الاتحاد الأوروبي وزير الداخلية أحمد وحيدي وقائد القوات البرية الإيرانية كيومرث حيدري، من بين أولئك الذين قالت إنهم مسؤولون عن قمع التظاهرات.
كما وُضع أربعة من أفراد وحدة الشرطة التي احتجزت أميني على القائمة السوداء.
ومن بين الكيانات المستهدفة قناة “برس تي.في” الحكومية التي اتُهمت ببث “اعترافات قسرية لمعتقلين”.
التظاهرات سرعان ما تحولت إلى أزمة شرعية للمؤسسة الدينية التي تحكم البلاد منذ أكثر من أربعة عقود
وأشادت الولايات المتحدة بالإجراءات الأوروبية، وقالت إن “أنظار العالم على إيران”.
كما أدانت الحكومة الأميركية الضربات الصاروخية التي شنّتها إيران الاثنين ضد مواقع لفصائل معارضة كردية متمركزة في العراق، تتهمها الجمهورية الإسلامية بتأجيج ما تسميه “أعمال شغب”.
وهدّدت إيران التي اتهمت الولايات المتحدة وحلفاءها بالوقوف وراء الاضطرابات بالرد.
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية ناصر كنعاني “على ما يبدو، أدى الإدمان على العقوبات إلى عزل العقلانية والجدية لدى الأطراف الأوروبية”. وأضاف أن إيران “ستتخذ الإجراءات المتبادلة والفاعلة بحكمة وقوّة وبناء على المصالح الوطنية تجاه مثل هذه الممارسات غير المجدية وغير البناءة، وتحتفظ بالحق في الرد” على العقوبات الأوروبية والبريطانية.
وفي وقت سابق، أعلن قائد القوات البرية في الجيش الإيراني العميد كيومرث حيدري أن قواته تنتظر أوامر من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي للتدخل في مواجهة التظاهرات، ما يؤشر على مرحلة أكثر شراسة من القمع الذي لم يثن الإيرانيين على مواصلة التظاهر والمطالبة بإسقاط النظام.
ويؤشر تصريح حيدري على فشل إستراتيجية الترغيب والترهيب التي اتبعها النظام لتطويق الاحتجاجات المتواصلة منذ أكثر من ستة أسابيع. ولم تجد دعوة الحرس الثوري للمتظاهرين إلى إخلاء الشوارع أي آذان صاغية لدى الإيرانيين، الذين كسروا حاجز الخوف ويواصلون تحدي السلطات وأجهزتها الأمنية.
ويشير محللون إلى أن دخول الجيش الإيراني على خط الاحتجاجات إلى جانب قوات الأمن الداخلي يفتح مرحلة جديدة من موجات القتل المتوقعة في صفوف المحتجين، ويختبر مدى صلابة الاحتجاجات وقدرة الإيرانيين على المقاومة.