القاهرة – أحمد حافظ
أحدث مشروع قانون الأحوال الشخصية، الذي أعلن حزب النور السلفي في مصر الانتهاء منه تمهيدا لتقديمه إلى مجلس النواب لمناقشته، جدلا سياسيا ومجتمعيا واسعين، لكونه يتضمن نصوصا متشددة تعكس الوجه الحقيقي للسلفيين، ويتعارض كليّا مع توجه الحكومة إلى حتمية إقرار قانون عصري للأحوال الشخصية.
لم يكتف الحزب بالإعلان عن مشروع القانون، لكنه أصبح يسعى إلى توظيف الحدث في العودة إلى المشهد السياسي من خلال عقد لقاءات حوارية وورش عمل ونقاشات مجتمعية للترويج لرؤيته الدينية والسياسية والاجتماعية بذريعة الخروج من المشكلات الراهنة، على أمل أن يجد لنفسه مكانا على الساحة كممثل عن تيار الإسلام السياسي.
يتناغم مشروع قانون الأحوال الشخصية السلفي إلى حد بعيد مع مقترح سبق وأن تقدم به الأزهر، حيث تمسك الحزب بأن تكون جميع نصوصه مأخوذة عن الشريعة الإسلامية، في محاولة للعب على وتر أن الأغلبية السكانية مسلمة، واستقطاب الشريحة المتدينة منها لدعم توجه السلفيين الذين حاولوا العودة إلى المشهد وكأنهم الظهير السياسي للمؤسسة الدينية بتركيباتها المختلفة.
وظهر التشدد الذي يسيطر على الفكر السلفي في ترويج السلفيين لمشروع قانون الأحوال الشخصية الخاص بهم، فهم يتمسكون بعدم تحديد سن معين لتزويج الفتاة، حتى لو كان 14 عاما، بدعوى أن الشريعة لم تحرم ذلك، وهي دعوة تحمل تحديا واضحا للرئيس عبدالفتاح السيسي الذي يعادي الزواج المبكر لخطورته على الأسرة.
سامح عيد: السلفيون يوظفون قانون الأحوال الشخصية لتحسين صورتهم
تتمسك الحكومة بتجريم تزويج الفتيات قبل سن 18 عاما، وهو ما يراه السلفيون تحديا للشرع، ويلعبون على وتر العادات والتقاليد والأعراف في مواجهة القوانين المدنية التي يكن لها حزب النور العداء ويراها مدخلا لنشر “التحرر الأعمى” في المجتمع، معلنا أنه سوف يتصدى بكل قوة لتلك المخططات التي يروج لها العلمانيون.
وقال محمد إبراهيم منصور رئيس حزب النور في تصريحات إعلامية تعليقا على مشروع قانون السلفيين “إن العلمانيين والليبراليين والمستغربين والجماعات النسوية يتحدثون بلسان الغرب ويمشون على خطاه”، واصفا من يريدون أن يخرجوا بالقوانين عن الإطار الشرعي، بأنهم “يريدون أن يتحدوا الشرع أو يأخذوا حقوقا ليست من حقهم”.
لم يستطع حزب النور إخفاء عدائه لحقوق المرأة والسعي للتعامل معها كمخلوق من الدرجة الثانية، حيث كرس مشروع القانون ذكورية شيوخ السلفيين في نظرتهم إلى النساء عندما أقروا في مشروعهم أحقية زواج الرجل من مثنى وثلاث ورباع، والزوجة التي ترفض ذلك أمامها القضاء طالما أن الشرع أباح للرجل الزواج وقتما وكيفما شاء.
ويتناقض النص كليّا مع توجهات الحكومة المصرية إلى أن يكون للمرأة احترامها وسط المجتمع، لكن السلفيين تعمدوا اللعب على وتر الذكورية كمحاولة لتجييش الشارع خلفهم في مواجهة المدنية والأفكار العصرية التي ترغب الحكومة في تطبيقها عند إقرار تشريع حاكم للعلاقات الأسرية بشكل يقضي على التمييز والعنصرية.
وتعتقد دوائر سياسية صعوبة تمرير مشروع قانون حزب النور داخل مجلس النواب، لأسباب كثيرة، من بينها أن عدد النواب الممثلين في البرلمان لا يتجاوز 12 عضوا، أي أنهم قلة لا تأثير حقيقي لهم، ولن تسمح الحكومة والأغلبية المؤيدة لها في البرلمان بتمرير مشروع يكرس التمييز ويعيد الدولة إلى الوراء ويسيطر عليها متاجرون بالدين.
وترى هذه الدوائر أن سعي السلفيين إلى أن يكون لهم صوت عبر ملف حيوي مثل قانون الأحوال الشخصية يُظهر نواياهم الخبيثة في اللعب على وتر كل ما هو ديني ليظهروا أمام الناس معارضين للحكومة ولرئيس السلطة نفسه، وهي تهمة فشلوا في التبرؤ منها منذ تأييدهم لخارطة الطريق التي وضعت عقب ثورة 30 يونيو 2013 ضد نظام حكم الإخوان.
الحكومة تعي جيدا أن عدم وضع قانون عصري للأحوال الشخصية قد يعرقل القضاء على التمييز الديني والتقارب بين العقائد
ويدعم مشروعهم ضمنيا مقترح الأزهر الذي يسعى أيضا إلى أسلمة قانون الأحوال الشخصية، لكن الأغلبية تتوقع أن ينسف الرئيس السيسي كل محاولات السلفيين، لأنه سبق وأعلن اعتزامه الاجتماع بقضاة مخضرمين لإصدار القانون بشكل مدني وعصري يناسب الحالة المصرية دون الالتزام الحرفي بالنصوص الدينية القديمة.
وتتعامل الحكومة المصرية مع قانون الأحوال الشخصية باعتباره قنبلة موقوتة، لأنه يمس حياة أطراف وشرائح عديدة وينظم العلاقات العائلية مثل الخطبة والزواج والطلاق، واحتكار المؤسسة الدينية، أو أي تيار إسلام سياسي الفصل في هذه المسائل المصيرية قد يتسبب في أزمات مجتمعية عديدة، على رأسها تغييب الوعي عبر هيمنة رجال الدين على حياة الناس.
ورأى سامح عيد الباحث المتخصص في شؤون تيارات الإسلام السياسي أن السلفيين يحاولون توظيف قانون الأحوال الشخصية لتحسين صورتهم أمام المجتمع والعودة إلى أصولهم القديمة بأنهم دعاة شريعة وحماة للإسلام، واصفا ما يجري من حزب النور بأنه “محاولة لتبييض وجه الإسلام السياسي، لكنهم كشفوا عن تشددهم الحقيقي”.
وأضاف لـ “العرب” أن “مشروع قانون السلفيين أظهر إلى أي درجة وصلوا إلى مرحلة من التغييب الديني والسياسي لأنهم يعولون على الماضي، مع أن الأغلبية المجتمعية صارت أكثر تحضرا وانفتاحا وكراهية ضد كل ما هو مقيد للحريات، وأن حزب النور يدرك جيدا أنه يخوض معركة خاسرة قبل أن تبدأ، ويريد من تحركه تحقيق أهداف سياسية لا شرعية”.
ويبدو أن السلفيين، وحتى قادة الأزهر أنفسهم، لم يدركوا بعد أن التعامل مع الأحوال الشخصية لا يتم من منظور شرعي فقط منفصل عن الواقع، لأن هناك مسائل أسرية أصبحت تتجاوز فكرة التدين وتحتاج إلى حلول عقلانية تتطلب انفتاحا ورؤى مدنية، وهذا يتطلب تدخلا حكوميا وإرادة سياسية تستهدف المصلحة العامة.
وتعي الحكومة جيدا أن عدم وضع قانون عصري للأحوال الشخصية قد يعرقل القضاء على التمييز الديني والتقارب بين العقائد، لاسيما وأن السلفيين والكثير من علماء الأزهر ينظرون بريبة ناحية الأقباط، ولا يمكن في زمن الانفتاح أن يكون لكل ديانة تشريعها الخاص بدلا من قانون واحد لمجتمع واحد يفترض أنه ضد الطبقية.
وتتحجج مؤسسة الأزهر، ومعها السلفيون أيضا، بأن الدستور نص على أن تكون الديانة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، ويتمسك كل طرف بأن هذا يكفي لأن تكون الشريعة وحدها مصدر القوانين التي تتطرق إلى مسائل دينية – أسرية، لكنهم لا يدركون أن الزمان تغير والمجتمع لن يقبل تشريعات تعود نصوصها إلى عصور سابقة.
المصدر العرب اللندنية