روزيت فاضل
لشارع الحمراء سحره الدائم. هو المكان الذي أتردد اليه دوماً لأتمشى في شوارع هذه المدينة الساحرة التي تطغى عليها روح شبابية ودينامية هي الأحب إلى قلبي. للأسف، لم يشهد جيلنا الذكريات الحلوة الراسخة في ذاكرة الجيل الأكبر سناً منا عن شارع الحمراء في خمسينات القرن الماضي وستيناته.
“النهار العربي” عاد إلى الوراء من خلال حوار مع الإعلامي والباحث في التراث الشعبي زياد عيتاني.
“أبرز ما تميز به شارع “الحمراء” (والمعروف لفظاً بشارع الحمرا) مقاهي الرصيف التي نشأت في بدايات الخمسينات والستينات من القرن الماضي، مع الازدهار الاقتصادي والاجتماعي الذي شهدته بيروت، وذلك كاقتباس “ملبنن” لفكرة شارع “الشانزليزيه” في باريس الذي تصطف على جانبيه مقاهي الأرصفة التي تقصدها طبقات مثقفة من حول العالم”، قال عيتاني.
مقاهي الحمراء
بالنسبة إليه، “تميزت مقاهي الحمرا بفخامتها ورقيها، وغالباً ما كانت على الطراز الأوروبي، لا سيما أن أعداداً كبيرة من روادها هم من الطبقة الميسورة، تماشياً وتفاعلاً مع طبيعة الشارع الراقي بمحالّه، وفنادقه، وصالات العروض السينمائية”.
توقف عند ميزة من ميزات “مقاهي شارع الحمرا، التي استقطبت شعراء، وأدباء، وكتّاباً، وصحافيين كباراً من لبنان، ومختلف الأقطار العربية”، مشيراً إلى أنه “في مقاهي الرصيف تلك كانت تُنسج العلاقات الاجتماعية، وتولد القصائد، وتُكتب عناوين الصحف ومقالاتها السياسية”.
وذكر أن “أشهر الشعراء الكبار الذين كانوا من الرواد الدائمين لمقاهي الحمرا حتى صارت مقراً لهم، محمد الماغوط ومحمود درويش وعمر أبو ريشة وأنسي الحاج ومحمد الفيتوري ونزار قباني ويوسف الخال وأدونيس وبلند الحيدري وغيرهم المئات من الكتّاب والشعراء والأدباء اللبنانيين والعرب، الذين أنتجوا معظم شعرهم على طاولات تلك المقاهي”، مشيراً إلى أنه “طوال ثلاثين عاماً كانت مقاهي “الحمراء” (1960 – 1990) بمثابة أمكنة يداوم على ارتيادها مثقفون وصحافيون وسياسيّون وفنانون لبنانيون وعرب”.
وذكر أنه “في فترة ما بعد عام 67، ذاع صيت هذه المقاهي بوصفها غرفاً سريّة وضِعت فيها بيانات تأسيس أحزاب عربيّة معارضة، ورُسِمت فوق طاولاتها خطط الانقلابات في غير دولة”، مشيراً إلى أن “مقهى “المودكا” شكل “قبلة” فرضت نفسها، وأقام مع “الويمبي” و”الكافية دوباري” مثلثاً ذاع صيته في العالم العربي”.
برأيه، “سبقها إلى الشهرة مقهى “هورس شو” الذي انطلق عام 1959 كأول مقهى رصيف في الشارع، وتحوّل إلى أهم ملتقى للمثقفين اللبنانيين والعرب على اختلاف مشاربهم، وعقائدهم، وأحلامهم، ثم مقهى “إكسبريس” و”مانهاتن” و”نيغرسكو” و”إلدورادو” و”ستراند”…
شارع الثّقافة
ولفت إلى أن “الحنين يعيدنا دائماً إلى شارع الحمرا، الذي كان روح بيروت النابض بالحياة”، معتبرا أنه “شارع الثقافة، والإبداع والفن، والمسرح، والسينما…”.
بالنسبة إليه، “شارع الحمرا كان في كل الأوقات مزدحماً ومكتظاً بالرواد ليلاً ونهاراً، هو شارع لا ينام، ولا يتعب”، لافتاً إلى أنه “كان شارعاً يجمع كلّ شيء، خليطاً من كلّ شيء، هو الشارع الوحيد الذي يجمع ويحتضن المصارف والمكاتب والمحال التجارية والمكتبات وكبريات الصحف ومقاهي الرصيف، فضلاً عن أنّه كان مركزاً لأهم صالات السينما، التي نشأت وانتشرت في مختلف أرجائه، والشوارع المتفرقة منه، بعدما كانت قبلاً تتمركز في وسط بيروت التجاري…”.
في يوم الأحد الموافق في 6 تشرين الأول (أكتوبر) 1957، افتتح إميل دبغي “سينما الحمرا” في مبنى كان ينوي صاحبه نسيب عريضة تخصيصه للسكن، ثم عدل وحوّله إلى مكاتب، إيماناً منه بالمستقبل التجاري للشارع، مشيراً إلى أنه “لم يتوان دبغي عام 1959 عن التعاون مع فريد جبر على تأسيس صالة جديدة في بناية مطلة على المدخل الرئيسي للجامعة الأميركية في شارع “بلس”، الذي يشكل امتداداً جغرافياً مكمّلاً لشارع الحمرا، وأطلق على الصالة اسم “غرانادا”.
وشدّد على أنه “بحكم وجود الجامعة الأميركية والمكتبات والمطاعم في شارع “بلس”، توقّع له أن يواكب ازدهار شارع الحمرا نفسه، ما حدا بمحمد تسبحجي الى إنشاء “سينما إديسون” في آخر شارع “بلس” عام 1960، وبموجب عقد استثمار تولى الأخوان نايف وفؤاد درويش إدارة الصالة بالتعاون مع “شركة عيتاني – ماميش”، مشيراً إلى أنه في عام 1961 أنشأ تسبحجي في قلب شارع الحمرا “سينما سارولا”، حيث انفردت “شركة عيتاني – ماميش” بإدارتها”.
انتقل إلى “مشارف النصف الأول من الستينات”، مشيراً إلى أنها “خرجت إلى النور تباعاً، وبإدارة شركة “عيتاني – ماميش” صالتا “كوليزيه” في نزلة “مستشفى الجامعة الأميركية” و”ستراند” في آخر شارع الحمرا، مشيراً إلى أنه “في تلك الأثناء، تغير اسم “غرانادا” إلى “سلكت”، وبانتقال إدارتها في النصف الثاني من الستينات إلى “شركة عيتاني – ماميش”، تحوّل اسمها إلى “سينما أورلي”.
وذكر أن “شركة أبناء جورج حداد” التي يمثلها الشقيقان ماريو وميشال انتقلت إلى تأسيس شبكة رائدة من دور العرض الجديدة، اختير للدلالة عليها حرف E، اختصاراً لكلمة “آمبير”، وكانت الحلم “سينما إلدورادو”، التي أقيمت في وسط “شارع الحمرا”، وافتتحت عام 1966، مشيراً إلى أنه “في عام 1967، أنشأ جوني وموسى عسيلي “سينما بافيون”، وقدماها على أنها الشقيقة التوأم لدار “الكابيتول”، التي أسّسها والدهما ألبير في بناية “العسيلي”، أحد معالم ساحة رياض الصلح في وسط بيروت”.
“البيكادلي”
وقال: “في العام نفسه، كان الحدث الأهم والأبرز على صعيد صالات العرض في شارع الحمرا، عندما افتتحت “شركة عيتاني – ماميش” صالة “قصر البيكاديلي”، التي اعتبرت تحفة هندسية تميّزت بتصميمها الذي وضعه المهندسان اللبناني وليم صيدناوي والفرنسي روجيه كاشار، اللذان استلهما في تصميمها ملامح واضحة من قاعة “أوبرا” في البرتغال”، مشيراً إلى أن “هدف هذه الصالة التي اقتبس اسمها من “بيكاديلي سكوير” في لندن، كادت أن تكون، إضافة إلى ضخامة وفخامة “ديكورها”، مجهّزة بأحدث التقنيات العالمية التي تسمح بتقديم مختلف فنون العرض على تنوّعها، من “أوبرا” ومسرح وموسيقى واستعراضات وسينما، لا سيما أنها كانت تتسع لسبعمئة وثمانين مشاهداً، يجلسون على مقاعد “فوتيات” من المخمل الأحمر”.
وأضاف: “أبرز ما ميز الصالة – القصر، تلك الثريا المتدلية من سقفها المصنوعة من الكريستال البوهيمي، التي لم يكن في وقتها مثيل لها، سوى في الحرم النبوي الشريف، حيث أحضرت من تشيكوسلوفاكيا، ورُكبت قطعة قطعة، مع الإشارة إلى أن قصر “البيكاديلي” افتتح بعروض لفرقة “أوبيرا فيينوار”، وتلتها مباشرة المسرحية الغنائية “هالة والملك” للأخوين رحباني”.
المصدر النهار العربي