كريتر نت – العرب
دخلت تنظيمات دينية في الجزائر على خط مشروع “لمّ الشمل” المعلن عنه من طرف السلطة الجزائرية، وهو ما يعتبر تزكية مبكّرة له من طرف فاعلين في المشهد الديني، مما يعيد سيناريو تبني تلك القوى لمشروع المصالحة الوطنية للرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، وتحولها إلى أذرع سياسية للسلطة، لكن المسألة تطرح مجددا سباق التموقع بين تلك التنظيمات في بعض مفاصل الدولة، ويكرس تصاعد الطموح لديها حتى ولو كانت مدارس صوفية ترتدي ثوب الزهد والتعفّف.
وأعلنت المشيخة العامة للطريقة القادرية بالجزائر وعموم أفريقيا دعمها لمشروع الرئيس عبدالمجيد تبون، المتعلق بلمّ الشمل وتحقيق التوافق بين الجزائريين، وهو موقف استباقي لم يصدر عن أي تنظيم ديني لحد الآن، مما يعطي الانطباع بأن المدرسة الصوفية المذكورة تريد التفرد به أمام السلطة، وتحقيق سبق على غرمائها رغم عدم رضاها على انتماء الرجل إلى المدرسة التيجانية.
وذكر بيان للمشيخة القادرية بأنها “تعلن انخراطها في مساعي رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون، الرامية إلى لمّ الشمل ورص الصفوف والجامعة لكل أبناء الجزائر، لأن هذا المسعى النّبيل يتوافق تماما مع العقيدة والأسس التي نشأ عليها رجال وأعلام ومريدو الطريقة القادرية المتشبعون بالروح الوطنية”.
أدبيات الطريقة القادرية تتبنى خطابا ثوريا، وتسوق لمساهماتها في ثورة التحرير إلى جانب جبهة التحرير الوطني
والطريقة القادرية هي واحدة من الطرق الصوفية المنتشرة في الجزائر والدول المجاورة، وهي تنظيم ديني واجتماعي يقوم على ممارسات وطقوس معيّنة، ولها مريدون من مختلف المناطق خاصة في الجنوب الشرقي للبلاد، وتنسب إلى عبدالقادر الجيلاني من العراق، ولها صيت واسع في عموم الجزائريين، لاسيما المسنّين.
ودعا البيان إلى “تمتين اللحمة الوطنية وتقوية الجبهة الداخلية وتفويت الفرص على المتربصين الذين يستهدفون أمن الجزائر واستقرار مؤسساتها وسكينة شعبها، وأن إيمانها بما تقتضيه المرحلة الحالية من بناء للمؤسسات وإرساء لقواعد الجزائر الجديدة، وفي الوقت الذي تتزاحم فيه التحديات الداخلية والخارجية على وطننا، الشأن الذي يجعلنا على أهبة الاستعداد للانخراط في المسعى الوطني المحمود، واليد الممدودة، من أجل لم الشمل واستكمال بناء الجزائر الجديدة التي تؤسس لعهد جديد من المجد والتمكن إقليميا ودوليا”.
وأضاف “احتضان اليد الممدودة الساعية للمّ الشمل ما هو إلا امتداد لتضحيات الشعب الجزائري وبسالة رجاله وشجاعة أبطاله قبل ستين سنة، عندما هبوا لتحرير الوطن من قيود الاستبداد، وإذ تستذكر تضحيات شهدائنا الأبرار ومجاهدينا الأبطال بمناسبة الذكرى الستين لاسترجاع السيادة الوطنية، فإننا نترحم كذلك على رجال وشيوخ الطريقة القادرية، الذين لبوا نداء الجهاد في سبيل تحرير الوطن واستقلاله والتصدي لكل المحاولات التي استهدفت طمس الهوية الوطنية والثوابت الدينية والمقومات اللغوية والتراثية”.
ويعود تأسيس الطريقة الصوفية القادرية في الجزائر إلى العام 1851، على يد محمد الطيب بن إبراهيم بن أحمد الكبير، وهو من ذرية وأحفاد الشيخ عيسى بن تاج الصالحين عبدالقادر الجيلاني البغدادي، حسب ما يتداول في موروث الطريقة، لكن السلطات الاستعمارية الفرنسية هدمت الزاوية العام 1863 وخربتها بالكامل، جزاء موقف الطريقة القادرية من الاستعمار قبل أن يعاد بناؤها العام 1880.
وساهمت الطريقة القادرية في السنوات الأخيرة عبر أتباعها ومريديها في ليبيا، في محاولة التقريب بين الفرقاء الليبيين للخروج من أزمة الاقتتال الداخلي، ولذلك تم في وقت سابق حديث رسمي في الجزائر عن احتضان لقاءات لقبائل ليبية.
ولأن الطرق الصوفية في الجزائر كانت محل انتقاد التيار الديني الإصلاحي لجمعية العلماء المسلمين، التي تتهمهم بالخذلان والولاء للمستعمر، فإن أدبيات الطريقة القادرية تتبنى خطابا ثوريا، وتسوق لمساهماتها في ثورة التحرير إلى جانب جبهة التحرير الوطني.
الطريقة القادرية ساهمت في السنوات الأخيرة عبر أتباعها ومريديها في ليبيا، في محاولة التقريب بين الفرقاء الليبيين للخروج من أزمة الاقتتال الداخلي
وتقول “التحق شيخ الطريقة القادرية، المجاهد حساني محمد بن إبراهيم الشريف القادري، بقيادة ثورة التحرير، وكان ضمن الرعيل الأول للمجاهدين، وبعد الاستقلال تفرغ لنشر الطريقة القادرية وبعثها من جديد، وهذا بعد غلق جل الزوايا القادرية وتضييق الخناق عليها من طرف الاستعمار الفرنسي الذي وضعها نصب عينيه، لموقفها المناهض له، والتحاق أكثر أتباعها بثورة التحرير”.
وذكر البيان “بعد ستين سنة من الاستقلال، تجدد الطريقة القادرية العهد مع الأسلاف أمام تحدي تعزيز الجبهة الداخلية لوطننا، لنؤكد لكل من تسول له نفسه المساس بأمن الشعب الجزائري ومكاسبه المحققة، وقوف أبناء الجزائر الأوفياء قيادة وشعبا في مواجهة مخططاتهم، وتحقيق ما يصبو إليه أبناء هذا الوطن الغالي من غد أفضل تتوفر فيه أسباب العيش الرغيد وتحقيق الأمن والسكينة والاستقرار، وهذا ما تلمسه اليوم بوضوح الطريقة القادرية من خلال مساعي رئيس الجمهورية في مجال تأمين السلم الاجتماعي وتحقيق الرفاه وتعزيز الحكم الراشد وتحقيق العدالة الاجتماعية وإزالة الفوارق والتمييز”.
وخلص إلى القول إن المشيخة العامة للطريقة القادرية بالجزائر وعموم أفريقيا ستظل على عهدها في خدمة الوطن ملبية لأي نداء تحتاج فيه الجزائر من أبنائها موقفا لمواجهة التحديات الداخلية والتربصات الخارجية، وستظل كذلك مدرسة روحية يتخرج على أيدي شيوخها الآلاف من الإطارات المسخرين لبناء هذا الوطن ومحاربة الأفكار الدخيلة ولم شمل الشعب الجزائري حول قيادته ومؤسساته ومرجعيته الوطنية القائمة على حب الوطن والذود عنه والتضحية في سبيله”.
وشكّل سقوط نظام الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة صدمة كبيرة للجماعات الصوفية، كونها كانت ملتفة حوله، خاصة وأن الرجل أولاها أهمية كبيرة منذ قدومه إلى سدة الحكم في 1999، وحولها إلى ذراع اجتماعية تمارس دورها في إرساء قواعد الاستقرار والاطمئنان للسلطة.
وتحاول الجزائر الاستثمار في التيار الصوفي ليكون هو المرجعية الدينية للبلاد، وتوظيفه في مواجهة التيارات والمذاهب الدخيلة، حيث عمد الرئيس تبون إلى تقريب أحد كبار الطريقة الرحمانية وهو محمد مأمون القاسمي، ليكون عميد مسجد الجزائر الكبير برتبة وزير، وهو ما أثار حساسية غير معلنة بين مختلف الطرق من أجل التموقع الجيّد.