كريتر نت – وكالات
مع تصاعد الحرب الأوكرانية واتخاذها مساراً خطيراً قد يؤدي إلى صدام عسكري روسي غربي واسع النطاق، ارتفعت في الآونة الأخيرة أصوات غربية تدعو إلى وساطة صينية لوقف التصعيد ووضع الأزمة على سكة الحل، نظراً للعلاقات المميزة بين بكين وموسكو، بعد فشل الوساطات الغربية.
وبحسب صحف عربية صادرة، اليوم الثلاثاء، الوساطة من دولة غير متورطة بالحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا أو طرفاً فيها أجدى وأنفع وللصين قدرة سياسية على التأثير العالمي، وتعتبر طرفاً مؤهلاً لهذا الدور.
دور الوسيط
من جانبها تحدثت صحيفة الخليج في افتتاحيتها عن الدعوة الأوروبية التي طلب فيها مفوض السياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل من الصين التوسط في المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا “لأن الدول الغربية لا يمكنها لعب مثل هذا الدور”، وما أكد ذلك أيضاً دعوة كييف والتي ذكرت من خلالها أن لها اتصالات مع بكين بشأن وساطتها لوقف الحرب المستعرة.
وأشارت الصحيفة إلى أن الصين لم تتأخر في الرد على هذه الدعوات من خلال وزير الخارجية وانغ بي الذي أكد في مؤتمر صحفي عقده الأحد، على هامش الدورة الخامسة للمجلس الوطني الـ13 لنواب الشعب الصيني، أن بلاده مستعدة للعب دور الوسيط في الحرب الدائرة الآن على الأراضي الأوكرانية، لكنه أشار إلى أهمية عدم العودة إلى “الحرب الباردة”، مؤكداً ضرورة العمل معاً “لتجاوز هذه الأوقات الصعبة، وأن تعددية الأقطاب أساس للوفاء بالالتزامات الدولية”، ومن المؤكد وبحسب المعطيات الدولية وعلاقة الصين بروسيا من الواضح أن الوساطة الصينية، إن تمت، فهي تقوم على أساس شروط محددة وواضحة من دون أن تكون على حساب روسيا في النهاية.
استراتيجيات متشابهة
وتحدثت صحيفة “العرب” اللندنية عن اختيار الإمارات وتركيا وإسرائيل لاستراتيجية متشابهة إزاء الأزمة الأوكرانية؛ فهي تلوم ضمنيّاً روسيا على التدخل العسكري، وفي الوقت نفسه تسعى لإبقاء موسكو في صفّها ما يفتح الطريق أمام ثلاث وساطات بأهداف مختلفة ومصالح متباينة.
وبينت الصحيفة أن الإمارات في البداية كجهة أولى تُظهر اقترابها من موسكو من خلال قرارها الامتناع عن التصويت لإدانة روسيا في مجلس الأمن الدولي في 24 فبراير(شباط) الماضي وأظهرت من خلال ذلك موقفاً بعيداً عما تريده الولايات المتحدة بالرغم من مساعي الأمريكيين لإقناعها بالتصويت لفائدة مشروع القرار المعروض.
وتحدث مراقبون للصحيفة بأن الموقف في مجلس الأمن أخرج فترة الاختبار التي يطبع العلاقة بين الإمارات والولايات المتحدة إلى العلن، كما يعتقد المراقبون أن الإمارات أصبحت تسعى للتحرك وفق مصالحها وأنها لم تعد ملزمة بمراعاة موقف هذه الجهة أو تلك. يضاف إلى ذلك أن لديها مصالح وثيقة مع موسكو من خلال الشراكة الثنائية متعددة الأوجه، وخاصة تحالفهما في “أوبك بلس” كمنتجين رئيسيين للنفط.
غوغاء الحروب
ورأت أمل الهزاني في مقال بصحيفة “الشرق الأوسط” أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا ليست كبرى، (حتى الآن) رغم أن الأطراف المتنازعة وحلفاءها قوى كبرى، وكل الأخبار العاجلة التي أغرقت شاشات التلفزة توحي بأن ما يحصل هو نزاع لإعادة تموضع القوى، اقتصادياً بالدرجة الأولى قبل أن يكون عسكرياً، روسيا ليست قلقة ممَّا يسمى صمود أوكرانيا ورئيسها حتى الآن، لأن خياراتها العسكرية متعددة، وتستطيع تحقيق الحسم لصالحها، لكنها تخشى تبعات العقوبات الاقتصادية التي ستؤثر عليها على المدى الطويل. الغرب كذلك يمسك عصا العقوبات الاقتصادية بحذر لأنه ليس بمنأى عن تأثيراتها السلبية. وبعد الحرب الباردة، تغير العالم في مفاهيمه وأهدافه وتقييمه للنفوذ والقوة. اليوم خط الغاز الروسي الذي تعتمد عليه أوروبا وخصوصاً ألمانيا، أهم من السلاح النووي الروسي؛ الأخير قد تلوّح به لإثارة رعب العالم، لكن غلق ماسورة الغاز أمر قابل للتطبيق.
وأوضحت الصحيفة بأن واشنطن حشدت العالم ضد الروس في هذه الحرب لأن حساباتها مع موسكو لم تنتهِ، مع هذا تدخل الناتو سيكون كارثياً على الجميع. من الإنصاف القول إن “واشنطن والعواصم الأوروبية لا تملك حق المطالبة باصطفاف الجميع معها ضد روسيا”، لأن للدول مصالح تغيرت مع الزمن. والعلاقات الدولية تتشكل من جديد وفق أطر نفعية بحتة. وعلى سبيل المثال لا يزال الحزب الشيوعي هو الحاكم في الصين، لكن هذا لم يمنعها من أن تؤسس لعلاقات اقتصادية هائلة مع دول العالم وأهمها الخليج. السبب الرئيسي أن الحزب الشيوعي تخلَّى عن فكرة الهدف العقائدي إلى المنفعة الاقتصادية، فكانت استجابة الدول ذات الخلاف سريعة وإيجابية. بعد هذه السنوات من العمل المشترك، والتوافق على المصالح، من الصعب أن تنسف كل هذه الجهود بالاستقطاب مع طرف ضد آخر في الحرب القائمة. وبهذا المنظور فالحرب الروسية الأوكرانية هي حرب مقلقة للجميع، والانحياز فيها إلى أي طرف له تأثير سلبي.
الحياد الإيجابي سياسة حكيمة، والتريث في المواقف وفهم أبعاد كل موقف وتأثيره على المدى البعيد يتطلب قدراً كبيراً من التبصر. نتفهم الموقف الأوروبي من هذه الحرب كونها تهديداً لجزء من تكوينها الجيوسياسي، لكنها ليست كذلك للدول الأخرى، ما عدا تلك التي اختارت أن تصطف إحقاقاً لمصالحها الكبرى. الاستقطاب في هذه الحرب مرجعه ليس إنسانياً ولا قانونياً ولا أخلاقياً، مهما بدت التصريحات الرسمية تأخذ هذا الطابع، ومهما بذل الإعلام جهوده في إظهار المعاناة الإنسانية. ليست هناك حرب ناعمة، كل الحروب دموية، شرسة وقاسية، وكل المتنازعين يجتهدون بالانتصار ليس فقط على الجبهات العسكرية بل والإعلامية كذلك، يخفون حقائق ويسلطون الضوء على ما يخدمهم.
تغيرات جيوسياسية
وتحدثت صحيفة “الاتحاد” عن التغيرات الجيوسياسية في أوروبا بحال نجاح العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وتأثير ذلك على أهداف حلف شمال الأطلسي “الناتو” وفي النظام العالمي القائم، ولربما هي بداية حقبة قد تستعيد فيها الصين السيطرة على تايوان وترسخ نفوذها في جنوب شرق آسيا، وبذلك تتكون ثلاث كتل في العالم؛ أميركية وروسية وصينية. إلا أنه مع ذلك قد تعم هذا النظامَ العالميَّ حالةٌ من الفوضى والصراع العالميين، حيث ستتكيف كل منطقة في العالم بشكل متزعزع مع التكوين الجديد للقوة.
وأشارت الصحيفة إلى أن العمل العسكري الروسي في أوكرانيا سمح بظهور نظرة جدية من جانب أوروبا حيال أمنها العسكري الداخلي، ومحاولة استثمارها في هذا المجال الذي كان موضع انتقادات متكررة من جانب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وفي هذا المنحى مثلاً قررت ألمانيا مراجعةً تاريخيةً لسياستها الدفاعية، وأضافت إلى رصد ميزانيتها العسكرية 100 مليار يورو ستنفق على قطاع الدفاع، وستخصص برلين من الآن وحتى عام 2024 أكثر من 2% من ناتجها المحلي الإجمالي لجيشها.
ونبهت الصحيفة إلى أن منظمة حلف شمال الأطلسي الناتو، تواجه تحدياً جديداً حيث أن فنلندا والسويد، الدولتان غير المنتسبتين تاريخياً للناتو، تراجعتا لأول مرة عن رفضهما الانضمام إلى المنظمة. هذا الإعلان غير المسبوق، يؤكد الدورَ المركزيَّ الذي بات يلعبه “الناتو” في الأزمة الأوكرانية.. أوروبا الخائفة، والتي كانت تخشى قبل سنوات من الآن أن تتخلى عنها الولايات المتحدة داخل الناتو، بدت الآن في أمس الحاجة إلى دعمها، وهي ما زالت غير مطمئنة بشكل كامل، إلا في حال أثبتت الولايات المتحدة إخلاصها عبر الدفاع عنها في حال اندلاع أي نزاع مسلح.