كريتر نت – وكالات
فيما استمر التصعيد بين روسيا وأوكرانيا لليوم العاشر على التوالي، في ظل تهديدات موسكو باللجوء للأسلحة النووية والاستعداد لوضع التأهب المستمر، بدأ الاتفاق النووي الإيراني يأخذ شكله الأخير.
ووفق صحف عربية صادرة اليوم السبت، لا أحد يعرف على وجه اليقين إلى أين تسير نتائج هذه الحرب، خاصة أن هذه الرقعة من خريطة العالم لم تكن مستعدة لتحريك بيادق الشطرنج بعد.
كارثة على الإنسانية
وقال الكاتب راجح الخوري في صحيفة “الشرق الأوسط” إن الكرملين يحاول أن يزيل عن الرئيس فلاديمير بوتين فكرة التهديد باستعمال ترسانته النووية، بعدما سمعه العالم بذهول يأمر بوضعها في حالة التأهب، ومن الضروري أن نتذكر هنا، ملامح المفاجأة التي صعقت ضمناً وزير دفاعه سيرغي شويغو ورئيس أركانه فاليري غراسيموف، اللذين وجه إليهما الكلام، ذلك أنه ليس من زعيم حكيم يلوّح باستعمال السلاح النووي في حرب لن يكون فيها لا منتصر ولا مهزوم بل دمار وخراب شاملان!.
وأكد الخوري أن بوتين ليس بالضرورة كما يصفه محللون غربيون، أي أنه “زعيم قاسٍ وسلطوي ويعاني من الهذيان وجنون الارتياب”، ومن هؤلاء ستيف روزنبرغ الذي كتب مذكراً بما قاله بوتين عام 2018 من أنه “إذا قرر أحدهم تدمير روسيا فإننا نملك حق الرد القانوني.. نعم ستكون كارثة على الإنسانية والعالم، لكنني كمواطن ورئيس دولة روسيا أقول ما حاجتنا إلى عالم ليس فيه روسيا”.
وأشار إلى أن “ردات الفعل على تهديد بوتين بالنووي أشبه بمن يلقي المياه على رأس ملتهب، كالقول إن ذلك نتيجة عزلته بسبب “كورونا”، أو كاعتبار الأمر بأنه نوع من الترهيب الجيوسياسي، أو كما قال وزير الدفاع البريطاني بن والاس إنه مجرد استعراض للقوة نظراً إلى تعثر عملية الغزو في الأيام الأولى”.
وأكد الكاتب أن “الكرملين بدأ النزول عن الشجرة النووية، بعد مرور أقل من 24 ساعة على تهديدات بوتين، عندما ربط المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف التهديد بأنه رد على تصريحات غير مقبولة بشأن اشتباكات محتملة بين الناتو وروسيا بسبب الهجوم على أوكرانيا، لكن لم يكن واضحاً على ماذا اعترض بوتين، وخصوصاً أن تصريحات وزيرة الخارجية البريطانية ليزا تراس وغيرها من المسؤولين الأوروبيين حذرت من أنه إذا لم يتم إيقاف روسيا وتعرضت دول أخرى للتهديد فقد ينتهي الأمر بالصراع مع الناتو، فكيف اعتبر بوتين ذلك تهديداً؟”.
مراوغات إيران
فيما تناولت صحيفة “العرب” اللندنية مسار مفاوضات الاتفاق النووي، وقالت إن التركيزُ الإعلامي والدبلوماسي الدوليُّ على الحرب في أوكرانيا الأطرافَ المتفاوضةَ بشأن البرنامج النووي الإيراني المزيد من الحرية لتسريع الإعلان عن الاتفاق، في وقت تشير فيه تصريحات مسؤولين إيرانيين وغربيين إلى أن هذا الاتفاق بات قريباً جداً.
وقال مراقبون بحسب الصحيفة، إن التركيز على أوكرانيا يمنح الدول المتفاوضة مع إيران هامشاً واسعاً من الحرية في المناورة وتقديم تنازلات في غفلة، خاصة في ظل تشدد طهران وسعيها لاستثمار الارتباك الغربي والرغبة في إنهاء الاتفاق في أقرب فرصة، مشيرين إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تريد الإعلان عن الاتفاق سريعا بقطع النظر عن الثمن الذي ستدفعه.
ويرى المراقبون أن الأمريكيين حسموا أمرهم منذ زمن، وهم ينتظرون الفرصة المناسبة، وها قد جاءت؛ حيث يتم التركيز على الحرب في أوكرانيا ومخلفاتها وانشغال العالم بها. كما أن واشنطن تبدو في حِلٍّ من ورقة المخاوف الخليجية من الاتفاق في ظل حالة البرود بين الطرفين.
وأكدت الصحيفة أن أوروبا لن تمانع في التسريع بالاتفاق النووي، وربما ستقول للأمريكيين: أسرعوا واتفقوا ووقعوا. وهو ما أوحت به تصريحات ستيفاني القاق رئيسة الوفد البريطاني التي قالت إن الدبلوماسيين الأوروبيين الذين يجرون مفاوضات في فيينا بشأن الملف النووي الإيراني سيعودون إلى عواصمهم للتشاور، معتبرة أن التوصل إلى اتفاق بات في متناول اليد.
وأوضحت القاق “نحن قريبون (من اتفاق). مفاوضو ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة سيغادرون قريبا لتقييم الوضع مع الوزراء. ونحن مستعدون للعودة قريبا”. وذكرت جالينا بورتر، وهي متحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، أن اتفاقاً محتملاً صار وشيكاً، لكنها حذرت من أن هناك مسائل عالقة مازالت دون حل.
نظام عالمي جديد
فيما قال الكاتب جمال الكشكي في صحيفة “البيان” الإماراتية إن “الحربين العالميتين نموذجان لا تزال بصماتهما دامغة”، موضحاً أن الحرب الروسية – الأوكرانية، معادلة يدخل فيها التاريخ والجغرافيا.
وأكد الكشكي أنه ليس هناك شيء مؤكد في قراءة نتائج هذه الحرب، سوى أن الأحداث ستصنع نظاماً عالمياً جديداً، لا يشبه النظام العالمي الذي جاء بعد الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة. مؤشرات النظام العالمي الجديد، بدأت ملامحها تتشكل.
وأشار إلى أن أول هذه المؤشرات هي التحالفات التي سبقت الحرب الروسية الأوكرانية التي تمثلت في تحالفين “الأوكوس”، الذي يضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا، وتحالف “الكواد”، الذي يضم الولايات المتحدة وأستراليا والهند، ومرشح للانضمام إليه كل من اليابان وكوريا الجنوبية، للوصول إلى ما يسمى تحالف “الكواد بلس”، وهنا لابد من التوقف أمام نقطة مهمة تقول: إن الحرب التي تجرى الآن ليست فقط بين روسيا وأوكرانيا، لكنها حرب بين روسيا وتحالف القيم، الذي أعلن عنه الرئيس جو بايدن، ويضم نحو مائة دولة، في مقدمتها دول الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، بالإضافة إلى اليابان وأستراليا، ما يؤكد ذلك توافق المائة دولة في فرض عقوبات على روسيا، وإرسال الأسلحة إلى أوكرانيا.أما المؤشر الثاني، فيتمثل في الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين روسيا والصين، وهذا ما تترجمه محاولات موسكو بالبحث عن بدائل عبر التعاون مع الصين لتجاوز مخاطر هذه العقوبات المفروضة.
ويأتي المؤشر الثالث، لصياغة النظام العالمي الجديد، واضحاً في عودة أجواء الحرب الباردة بين المعسكر الغربي، والمعسكر الشرقي، عبر حدود الحدائق الخلفية، إذ نجد الآن أن روسيا والصين تحاولان استدعاء سيناريو الحرب الباردة، من خلال فتح مسارات جديدة مع دول تمثل حدائق خلفية للولايات المتحدة، مثل كوبا وفنزويلا. في ذات السياق يعمل البيت الأبيض على مواجهة الصين بنفس السيناريو، عبر البقاء والمرور في بحري الصين الشرقي والجنوبي، وإرسال الأسلحة إلى تايوان التي تمثل شوكة في حلق الصين.
والمؤشر الرابع، تكشفه محاولات طرفي الصراع الشرقي والغربي بالدفع بقوات غير نظامية، للعبث بأمن واستقرار الطرف الآخر، فعلى سبيل المثال، تقوم الدول الغربية بدعم المجموعات والخلايا والعناصر الإرهابية في مناطق آسيا الوسطى وشمال وجنوب القوقاز، لضرب الأمن القومي لروسيا والصين، وعلى الجانب الآخر تنظر واشنطن وحلفاؤها الغربيون إلى عناصر “فاجنر” الروسية، بوصفها تابعة للكرملين، وأنها تتلقى أوامرها من الرئيس الروسي، بحسب الكشكي.
وأكد أن المؤشر الأكثر دافعاً لتشكيل هذا النظام العالمي الجديد، هو المؤشر الذي تفرضه التأثيرات الاقتصادية الناجمة عن هذه الحرب، إذ إن كل معسكر وحلفاءه يستهدف إنهاك اقتصاد الطرف الآخر. فالغرب يتهم روسيا بتحويل الغاز إلى سلاح، ويتجلى هذا الشعور لدى الأوروبيين، بينما تتهم الصين وروسيا الدول الغربية بأنها غير عادلة في الممارسات التجارية والاقتصادية، وسط هذا الصراع الاقتصادي بين المعسكرين، نجد أن كل طرف يحاول تحقيق الاكتفاء الذاتي له في الموارد الأساسية، وفي مقدمتها الطاقة، ومن ثم فإن المعسكرين يستمران في حرب تكسير العظام على كل الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية، لحين تتضح النيات المستقبلية.
وختم حديثه بأن كل الشواهد والمؤشرات تقول قطعاً: إن العالم رهن نظام جديد حتى لو توقفت الحرب بين روسيا وأوكرانيا.