كريتر نت – متابعات
تبعات انتكاس جهود تحرير محافظة البيضاء من الحوثيين لا تتلخّص في الهزيمة العسكرية والتراجعات الميدانية، بل لها تبعات سياسية تتمثّل في المزيد من تراجع موقف الشرعية اليمنية في أي مفاوضات سلام قادمة قد يوافق الحوثيون مستقبلا على خوضها مستندين إلى مكاسبهم الميدانية وتماسك وضعهم السياسي قياسا بالشرعية نفسها التي تعاني الانقسامات وتضارب الأجندات داخلها.
و تحوّلت المعركة الدائرة في محافظة البيضاء بوسط اليمن إلى اختبار صعب وقد يكون الأخير لمدى قدرة معسكر الشرعية اليمنية على مواصلة المواجهة ضدّ المتمرّدين الحوثيين وتحقيق مكاسب ميدانية على حسابهم سيكون لها وزنها على مائدة التفاوض في أي مسار سلمي قد تتمكّن القوى الإقليمية والدولية المعنية بالملف اليمني من إطلاقه مستقبلا.
وأعلنت القوات الحكومية اليمنية مطلع يوليو الماضي عن إطلاق عملية عسكرية باسم النجم الثاقب لتحرير المحافظة التي يتوسّط موقعها ثماني محافظات يمنية من قبضة الحوثيين المسيطرين على معظمها منذ 2014.
وجاء إعلان هذه العملية العسكرية بطريقة مفاجئة أفضت إلى نوع من الإرباك لدى الحوثيين المدعومين من إيران الذين تراجعوا ميدانيا في عدد من المناطق خلال أيام بفعل هجمات القوات الحكومية.
وأعلنت تلك القوات في الخامس من يوليو السيطرة على كامل مديرية الزاهر والتقدم باتجاه مدينة البيضاء مركز المحافظة الذي يحمل الاسم ذاته، إضافة إلى سيطرتها على أغلبية مديرية الصومعة القريبة من الزاهر. وبعد ثلاثة أيام شنت جماعة الحوثي هجوما عنيفا من عدة محاور واستطاعت التقدم إلى وسط المدينة معلنة في بيان رسمي السيطرة عليها.
وتعد المعارك الدائرة حاليا هي الأعنف في المحافظة منذ سنوات إذ شهدت البيضاء مواجهات متقطعة بين الطرفين خلال الفترة الماضية. والبيضاء واحدة من المحافظات الاستراتيجية التي يحرص على كسبها طرفا الصراع بفعل المميزات الكثيرة التي تتمتع بها. فالمحافظة التي تتكون من عشرين مديرية توصف بأنها قلب اليمن كونها تتوسط شمالي البلاد وجنوبها. وتحاذي أربع محافظات جنوبية هي أبين ولحج والضالع وشبوة، إضافة إلى محاذاتها لأربع محافظات شمالية هي مأرب وإب وذمار وصنعاء.
تنظيم القاعدة لا يزال يتربص بمحافظة البيضاء الاستراتيجية فيما الشرعية وجماعة الحوثي يتبادلان الاتهامات بالتواطؤ معه
وبسبب موقعها الاستراتيجي حرص الحوثيون على بسط نفوذهم في البيضاء التي اتخذت منطلقا لعملياتهم العسكرية سواء في شمالي البلاد أو جنوبها.
ولا تزال جماعة الحوثي مسيطرة على معظم المديريات في البيضاء فيما تسيطر القوات الحكومية على مديريات نعمان وناطع ومسورة وأجزاء واسعة من مديريتي الزاهر والصومعة، إضافة إلى مناطق في مديرية ذي ناعم. وتعد محافظة البيضاء بالغة الأهمية كونها أيضا بمثابة نقطة عبور إلى العاصمة صنعاء الواقعة تحت سيطرة الحوثيين على الرغم من بعد المسافة، فالمحافظة مرتبطة بحدود مع ريف صنعاء.
وفي حال سيطرة القوات الحكومية على البيضاء فإنها تكون بذلك قد قامت بتأمين أربع محافظات محررة من الحوثيين جنوبي البلاد في حين ستكون أربع محافظات أخرى خاضعة لسلطة الجماعة في مرمى الجيش اليمني.
وتتسم المحافظة بأنها لا تحوي حاضنة شعبية للحوثيين المنتمين للمذهب الشيعي، إذ تنتمي الغالبية العظمى من سكان البيضاء إلى المذهب السني، فيما يبرز في المحافظة تيار السلفيين إضافة إلى وجود فعال لحزب التجمع اليمني للإصلاح الذراع اليمنية لجماعة الإخوان المسلمين.
وفي هذه المحافظة لا يزال هناك وجود محدود لعناصر من تنظيم القاعدة الذين يشنون هجمات بين فترة وأخرى. وسبق للطيران الأميركي المسيّر أن شن غارات جوية على مواقع مفترضة للتنظيم في المحافظة.
وتم تنفيذ أبرز عملية للقوات الأميركية على مدى السنوات الماضية في البيضاء مطلع العام 2017، وهي إنزال جوي لقوة من المارينز خاضت قتالا في بلدة قيفة بالمحافظة. وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون حينها عن مقتل جندي واحد وإصابة ثلاثة آخرين بجروح في تلك المواجهات، مقابل مقتل 14 مسلحا من القاعدة.
ووفق رواية القاعدة فإن أربع طائرات أباتشي أميركية قصفت ثلاثة منازل في بلدة قيفة بـ16 صاروخا ما أسفر عن مقتل 30 شخصا بينهم نساء وأطفال وفق بيان للتنظيم نشر آنذاك.
ولا تزال المخاوف قائمة إلى اليوم من توسع نشاط تنظيم القاعدة في البيضاء حيث تتهم الحكومة اليمنية الحوثيين بالتعاون مع التنظيم عسكريا، فيما يوجه الحوثيون للحكومة الاتهام ذاته، ويقولون إن عناصر من تنظيم داعش أيضا موجودون هناك في صف الطرف الآخر الذي ينفي الأمر.
وعلى الرغم من أن القوات الحكومية تشدّد على أنها ماضية في معركة استعادة البيضاء بشكل كامل فإن ثمة عوائق تقف أمام تحقيق ذلك أبرزها ضعف الوحدة والتماسك الداخلي لمعسكر الشرعية سياسيا وعسكريا. فالقوات التي تقارع الحوثي في البيضاء وغيرها هي عبارة عن فصائل متعدّدة الولاءات والانتماءات، وحتى الجيش الوطني طالته الانقسامات إذ تدين فرقه وألويته بالولاء إلى هذا الطرف أو ذاك.
ويمثّل النفوذ المدني والعسكري لحزب الإصلاح داخل الشرعية اليمنية أبرز ما يعكس تضارب الأجندات في المعسكر المضاد للحوثيين في اليمن. فالحزب الذي بدا خلال السنوات الماضية معنيا بالاستيلاء على مناطق في جنوب اليمن أكثر من اهتمامه باستعادة المناطق من أيدي الحوثيين في البيضاء ومأرب وغيرهما، تسبّب بتوتّر شديد بين الشرعية اليمنية بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي وصل حدّ الصدام المسلّح.
وعلى هذه الخلفية تتعثّر جهود استعادة البيضاء حتى وإن حقق معسكر الشرعية هناك اختراقات مؤقتة ومكاسب جزئية لم يتمّ الحفاظ عليها. وفي التاسع من يوليو الماضي قال الأمين العام لحزب الرشاد السلفي عبدالوهاب الحميقاني في تسجيل صوتي إنّ “القوات الحكومية في جبهة الزاهر اضطرت إلى الانسحاب إلى مواقعها السابقة بعد تعرضها لهجوم حوثي بمختلف الأسلحة من أربعة اتجاهات وكثافة نارية وبشرية حتى نفاد كامل مخزونها من ذخائر وقذائف”. وينتمي الحميقاني إلى مديرية الزاهر ويعد من أبرز القيادات القبلية المناهضة للحوثيين في البيضاء ويشارك مقربون منه في قتال الجماعة بالمحافظة.
ومنذ نحو سبع سنوات يشهد اليمن حربا أودت بحياة 233 ألف شخص وبات 80 في المئة من السكان البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة يعتمدون على المساعدات للبقاء أحياء في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.