كريتر نت – العرب
فتح التصعيد العسكري الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة جبهة جديدة في النزاع الأعنف خلال السنوات الأخيرة، وذلك بتأجيج التوتر بين اليهود الإسرائيليين والأقلية العربية التي تشكل 21 في المئة من السكان داخل إسرائيل وتعيش جنبا إلى جنب معهم في بعض الأحياء.
وفيما انتشرت مشاهد العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين خلال الأيام القليلة الماضية مع مواجهة قوات الأمن الإسرائيلية المتظاهرين الفلسطينيين، وإطلاق عناصر حماس وابلًا من الصواريخ على المدن الإسرائيلية، وإلقاء الطائرات الحربية الإسرائيلية صواريخَ ضخمة على قطاع غزة، امتد العنف أيضا إلى الأحياء المختلطة من اليهود والعرب في إسرائيل، وهو ما يعتبره متابعون ومحللون جبهة جديدة في الصراع الطويل الأمد.
وكما أشعل الجيش الإسرائيلي نيران الحرب مع الفلسطينيين في غزة أشعلت سياسات التمييز والإقصاء حربا أهلية في الداخل الإسرائيلي. وبالنسبة إلى عرب إسرائيل، الذين يطلق عليهم أيضا اسم “عرب 48” و”فلسطينيو الداخل”، شكل التصعيد الأخير فرصة لنقل معاناتهم إلى العالم الذي يشكون له التمييز العرقي والفقر وسيطرة اليهود المتشددين فيما لا تكثرث حكومة بنيامين نتنياهو بذلك.
وقد تعرضت معابد يهودية للهجوم واندلعت اشتباكات في شوارع بعض الأحياء بالتزامن مع الحرب الدائرة في غزة، الأمر الذي دفع رئيس إسرائيل رؤوفين ريفلين إلى التحذير من حرب أهلية.
ويلاحظ نيري زيلبر، وهو زميل مساعد في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأميركية أن ما يميز الجولة الجديدة من النزاع هو اندلاع عنف طائفي في العديد من المدن التي تجمع بين اليهود والعرب في جميع أنحاء إسرائيل، حيث اندلع هذا العنف أحيانًا بين الجار والجار وبين المواطنين العرب في إسرائيل والمواطنين اليهود.
اللد تنتفض
عيساوي فريج: الغالبية الصامتة لا يمكن أن تبقى صامتة أكثر من ذلك
وقعت أعنف الاشتباكات الطائفية في مدينة اللد وسط البلاد، حيث فرض المسؤولون حظرا للتجوال ليلا بعد أن أحرق بعض الشباب العرب عدة سيارات ومعابد يهودية ليلة الثلاثاء واستهدفوا بعض اليهود الإسرائيليين في منازلهم.
واللد مدينة صناعية 40 في المئة من سكانها تقريبا من العرب. وإثر خروج العرب للاحتجاج تصاعد التوتر بينهم وبين مجموعات من اليهود المتطرفين. وبدأت مواجهات وأعمال عنف قتل خلالها موسى حسونة (32 عاما)، وهو والد لثلاثة أطفال. وعلى مواقع التواصل الاجتماعي أشارت أصابع الاتهام إلى يهود مسلحين متطرفين يقفون في مبنى مجاور لمكان قتله، أطلقوا عليه النار.
ووصف الرئيس الإسرائيلي هذه الاشتباكات بالـ”مذبحة” التي قام بها “غوغاء عرب محرضون ومتعطشون للدماء”. وتم نشر تسع سرايا من قوات شرطة الحدود الإسرائيلية من الضفة الغربية إلى اللد وغيرها من المدن التي تجمع بين اليهود والعرب لقمع الاشتباكات.
وزار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المدينة في وقت متأخر من الليل وتوعّد بإعادة النظام “بيد من حديد”.
وبحلول ليلة الأربعاء انضم الشباب اليهود القوميون المتطرفون إلى المعركة وبدأوا يستهدفون المارة العرب والمتاجر المملوكة لعرب في عدة مدن في جميع أنحاء البلاد.
وأظهرت لقطات حية بثت على التلفزيون بعض الرجال اليهود وهم يضربون سائق سيارة عربيّا بأيديهم وبقضبان حديدية في مدينة بات يام الساحلية. كما أشارت التقارير إلى إصابة سيدة عربية حامل بجروح خطيرة في اللد وإصابة رجل يهودي بجروح خطيرة على أيدي مجموعة من العرب في مدينة عكا شمال البلاد.
وبعد التزام الصمت لعدة ساعات، أصدر نتنياهو بيانًا مصورًا في ساعة متأخرة من الليل، ملمحًا إلى أنه قد يتم نشر قوات عسكرية لمساعدة الشرطة في “القضاء على الفوضى”. وقال نتنياهو “لا يمكنك الإمساك، ببساطة، بمواطن عربي محاولاً قتله. تمامًا كما لا يمكننا مشاهدة المواطنين العرب يفعلون ذلك للمواطنين اليهود. لن نسمح بحدوث ذلك”.
وقال مفوض الشرطة الوطنية الإسرائيلية يعقوب شبتاي الثلاثاء “نشهد وضعا لم نشهده من قبل في المدن التي تضم العرب واليهود”، واصفا ذلك بأنه أسوأ عنف طائفي حدث منذ عقود.
ويأتي هذا التصعيد بعد أسابيع من التوترات المتصاعدة في القدس واشتباكات بين المصلين الفلسطينيين وشرطة مكافحة الشغب الإسرائيلية بالقرب من المسجد الأقصى في المدينة، ثالث أقدس الأماكن الإسلامية. لكن على الرغم من أن الصواريخ والغارات الجوية أسفرت عن قتلى، إلا أن الاشتباكات الطائفية داخل إسرائيل بين المواطنين العرب واليهود بدأت تسيطر على التغطية الإعلامية الإسرائيلية، حسب استنتاج زيلبر.
سياسة التمييز
يعيش العرب الإسرائيليون، الذين يشكلون حوالي 20 في المئة من السكان، كمواطنين في إسرائيل على عكس الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. لكن مع ذلك عاملتهم إسرائيل إلى حد كبير كمواطنين من الدرجة الثانية، حيث حجبت عنهم الموارد الرئيسية.
وكثيرا ما يشكون من التمييز الممنهج وكذلك من عدم الحصول على خدمات الإسكان والرعاية الصحية والتعليم على قدم المساواة مع الإسرائيليين، إضافة إلى التمييز المؤسساتي.
ونتج عن هذا التمييز ارتفاع نسب الفقر والجريمة في المناطق العربية داخل المجتمع الإسرائيلي. ووفقا لآخر تقرير فإن نسبة الفقر بين فلسطينيي 48 هي الأعلى، إذ يرزح 50.2 في المئة منهم تحت خط الفقر.
وعلى الصعيد السياسي لا تحظى الأحزاب السياسية التي تمثل المجتمع العربي في إسرائيل بالكثير من القوة والنفوذ في السياسة الإسرائيلية، كما أنها لا ترغب في الانضمام إلى الحكومات في الدولة اليهودية ولم تتم دعوتها للانضمام إلى الحكومة. غير أن هذا الاتجاه بدأ يتغير في الأشهر الأخيرة.
وأطلق أحد الفصائل الإسلامية، القائمة العربية الموحدة، حملة قبل الانتخابات العامة في مارس الماضي واعدًا بأنه سيشارك في سياسات التحالف الإسرائيلي لتأمين دعم الميزانية وتصاريح الإسكان وتحسين البنية التحتية، حتى أن رئيس القائمة العربية الموحدة منصور عباس وافق على دعم حكومة يمينية بقيادة نتنياهو. لكن حلفاء رئيس الوزراء من اليمين المتطرف استخدموا حق النقض ضد أي تعاون مع حزب بقيادة عرب.
ثم حوّل عباس دعمه إلى المعسكر المعادي لنتنياهو، وهو مزيج من الأحزاب اليمينية والوسطية واليسارية التي يوحدها هدف مشترك يتمثل في الإطاحة بالرئيس الحالي.
وحققت محادثات التحالف بين عباس وزعماء تقدماً حتى اندلاع القتال هذا الأسبوع أين علق عباس المفاوضات رغم أنه قال إن “الأمر مؤقت”.
وقال عباس لقناة كان الإسرائيلية الأربعاء “سنعود إلى المحادثات السياسية لتشكيل الحكومة بعد أن تهدأ النيران. لدينا فرصة حقيقية للعب دور مهم في السياسة الإسرائيلية من أجل مجتمعنا”.
لكن لم يكن كل عرب إسرائيل سعداء بمقاربة عباس، ولاسيما تودده لنتنياهو واليمين الإسرائيلي. وقد ألقى معظم السياسيين والمحللين العرب الإسرائيليين باللوم على نتنياهو في تصاعد التوترات في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، والتصعيد الحالي في غزة والعنف الطائفي في إسرائيل.
وقال محمد دراوشة، الخبير في العلاقات العربية اليهودية في معهد تعليم السلام في شمال إسرائيل، “يريد العرب الاندماج، لكننا نريد أن نشهد مساواة مجتمعية حقيقية قبل الاندماج. نرى الاضطهاد من جانب السلطات الإسرائيلية، وهو علامة على فشل نهج عباس”.
وأدت الحرب في غزة إلى انقسامات داخل عرب إسرائيل عكستها التصريحات المتباينة بشأن التعاطي مع آلة العنف الإسرائيلية.
وفيما دعا عباس عرب إسرائيل إلى الامتناع عن العنف وقال إن الاحتجاجات “تتحرك في اتجاه خطير للغاية” اعتبر أيمن عودة، رئيس القائمة المشتركة والمنافس السياسي لعباس، العنف “خطأ فادحًا” وشجع مجتمعه على مواصلة الاحتجاجات “ضد الاحتلال والحصار، دون الإضرار بالممتلكات وبالحياة البشرية”.
وحث عيساوي فريج، النائب العربي من حزب ميرتس اليساري والصوت الوحيد الذي دعا إلى وقف أعمال الشغب، قادة المجتمع على المساعدة في إنهاء العنف الطائفي. وقال فريج “يتم اختبار القيادة في أوقات الأزمات؛ يحتاج جميع قادة المجتمع العربي إلى التحدث بشكل علني”.
وقال لمحطة التلفزيون الإسرائيلية 12 يوم الأربعاء “الغالبية الصامتة لا يمكن أن تبقى صامتة أكثر من ذلك. الحرب مع حماس ستنتهي ولكن ماذا عنا؟ سنلتقي في السوبر ماركت والمستشفيات”.
على صعيد آخر حاول مسؤولو حماس حث عرب إسرائيل على المشاركة في المواجهات ضد إسرائيل، وهو ما كان له انعكاس سلبي على وجودهم في الداخل حيث شكلت نصرتهم لقضيتهم الأم ودعمهم للحركة خيانة بالنسبة إلى اليهود المتشددين.
وعلق المتحدث باسم حماس أبوعبيدة في بيان مسجل الأربعاء “تضحياتكم وقود الثورة لشعبنا وتحرير أرضنا”.
وقد سارعت الأوساط اليمينية إلى استغلال توقيت اندلاع العنف الطائفي متسائلة كيف كان من الممكن تشكيل حكومة بدعم من هؤلاء “الخونة”؟ فيما أشار معلقون يساريون إلى أن توقيت هذه المواجهة الأخيرة كان مناسبًا لنتنياهو، تمامًا كما كان خصومه في البرلمان على وشك إبرام صفقة ائتلافية كانت ستنهي فترة حكمه الطويلة كرئيس للوزراء.
ومن بين أولئك الذين علّقوا على تبادل إطلاق النار الطائفي أوري جيريمياس، الطاهي الإسرائيلي اليهودي وصاحب شركة في مدينة عكا القديمة ذات الغالبية العربية. وفي الأسبوع الماضي أقام جيريمياس إفطارا لبضع مئات من المسلمين واليهود والبهائيين والمسيحيين. وليلة الثلاثاء ألقى بعض الشباب قنابل حارقة على فندقه ومطعم مأكولات بحرية معروف، مما أدى إلى إحراقه.
وأوضح جيريمياس “كانا شابيْن محبطيْن تم تحريضهما من خارج المدينة القديمة”، مبرزا أن أعمال العنف في عكا وفي جميع أنحاء البلاد قد فاجأته.
وختم قائلا “لن أتفاجأ إذا حدثت في المستقبل، لكن لم يحدث شيء مثل هذا من قبل”.