كريتر نت – الخرطوم
تسببت أحداث القيادة العامة الأخيرة في إحداث شرخ جديد في العلاقة المهتزة أصلا بين المدنيين والعسكريين في السودان، الأمر الذي فتح الباب أمام تساؤلات عن تأثيرات استفحال تلك الخلافات على المرحلة الانتقالية في ضوء الانسحابات من مجلس شركاء الحكم.
وانعكست أعمال العنف في محيط مقر القيادة العامة للجيش السوداني قبل أيام قليلة على الشراكة القائمة بين القوى المدنية والعسكريين في السودان، وتسببت في حدوث شرخ جديد بين الطرفين وسط اتهامات متبادلة حول ما آلت إليه أوضاع المرحلة الانتقالية التي أعقبت إسقاط نظام الرئيس السابق عمر حسن البشير.
وفتحت تلك الأحداث الباب أمام المزيد من الخلافات في صفوف السلطة الحاكمة، بعد أن قرر حزب المؤتمر السوداني الخميس سحب رئيسه عمر الدقير من عضوية مجلس شركاء الحكم، على أن يحتفظ بحقه في اتخاذ ما يراه مناسبا من قرارات في الأيام المقبلة، بما فيها سحب وزرائه من الحكومة في حال ثبوت عدم توافر الإرادة السياسية.
ويطالب حزب المؤتمر بمساءلة وزراء الدفاع والداخلية والنائب العام والولاة عن أحداث مساء الثلاثاء أمام مقر القيادة العامة في العاصمة الخرطوم وما سبقها من أحداث مماثلة.
وأعلن عضو مجلس شركاء الفترة الانتقالية والقيادي في المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير جمال إدريس الكنين انسحابه من عضوية مجلس الشركاء، وطالب “الحكومة وكل قوى الثورة الحية بسرعة كشف المتسببين في جرائم فض الاعتصام المروعة وإنجاز القصاص العادل.
منذر أبوالمعالي: ضرورة إعادة صياغة الشراكة مع المكون العسكري
وسقط قتيلان وأصيب 37 شخصا خلال تفريق قوات الأمن لسودانيين بمحيط مقر قيادة الجيش كانوا يحيون الذكرى الثانية لضحايا فض الاعتصام الأول التي وافقت التاسع والعشرين من رمضان.
وكان رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان قد دعا إلى تفويت الفرصة على المتربصين بالثورة والعمل على الابتعاد عن خطاب التخوين بين مكونات الثورة التي تعهد بالعمل على تحقيق أهدافها.
وشدد منذر أبوالمعالي عضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير على ضرورة إعادة صياغة الشراكة مع المكون العسكري لأن الأخير استولى على مهام الحكومة المدنية.
واعتبر في تصريح خاص لـ”العرب” أن أحداث القيادة العامة فرصة مناسبة لإعادة تقييم العلاقة وإعادتها إلى نصابها السليم بالعودة إلى الوثيقة الدستورية التي تنص على أن مجلس السيادة منصب شرفيً.
واتهم الجيش السوداني بالفشل في حماية المواطنين بمحيط مقر قيادته، وقال إنه يتحمل المسؤولية المباشرة عن الأحداث الأخيرة و”إن كانت هناك عناصر منفلتة فهم يرتدون الزي العسكري ولا يعفي ذلك الجيش من المساءلة والتحقيق”.
ويتوقع مراقبون إدخال تعديلات على قيادات المكون المدني في مجلس السيادة بعد تصاعد تلك المطالبات في الفترة الأخيرة على أن يكون هناك أشخاص لديهم القدرة على التعامل مع تمدّد المكون العسكري على السلطة التنفيذية.
ويرى هؤلاء أن استمرار الشراكة بين المكونين العسكري والمدني إلى نهاية مدة المرحلة الانتقالية يتوقف على إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح.
واعتبر العميد الطاهر أبوهاجة المستشار الإعلامي للقائد العام للجيش السوداني ما حدث أمام مقر القيادة العامة “عمل مدبر ومخطط له باحترافية لتشويه صورة القوات المسلحة التي تدافع عن مبادئ ثورة ديسمبر، وأن الجهة المستفيدة من هذا العمل (لم يسمّها) هدفها خلق فوضى لإفشال الفترة الانتقالية”.
وتعكس حالة السيولة التي تمر بها المرحلة الانتقالية في السودان بتداعيات سلبية على العلاقة بين الطرفين العسكري والمدني، وكلاهما يحاول التملص من مسؤولياته تجاه كل وقائع تثير غضب الشارع خوفاً على المستقبل السياسي، وأن الصراع على السلطة والذي جرى إرجاؤه بحكم التوافق على إدارة المرحلة الانتقالية يظهر واضحاً في ردود أفعال الطرفين
ولم يبد المكون المدني مقاومة قوية لتمدد المكون العسكري على كافة مقاليد الحكم، ويرى أن تصدر العسكريين للمشهد يضعهم في مواجهة مباشرة مع المواطنين، غير أن الأحزاب السياسية استشعرت خطورة ذلك بعد أن تزايدت حدة الانتقادات للمدنيين بالتسبب في ترهل الأوضاع الراهنة، حيث ثبت أنهم “تخاذلوا في القيام بواجباتهم وانخرطوا في خلافاتهم الداخلية”.
واتهمت قيادات عسكرية بمجلس السيادة المكون المدني بالاستغراق في الخلافات الداخلية من دون رؤية موحدة للتعامل مع تردّي الأوضاع المعيشية في البلاد، وهي الاتهامات التي يردّ عليها المدنيون بتوجيه اتهامات مماثلة للعسكريين بالتباطؤ في إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والسماح لفلول الرئيس السابق عمر البشير باختراقها وتصدير الأزمات واحدة تلو الأخرى.
وانتقد النائب الأول لرئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو الأسبوع الماضي الأوضاع في السودان متحسراً على إهدار العديد من الموارد بسبب الخلافات السياسية، وشدد على أهمية تناسي الخلافات الحزبية والتخوين وإطلاق الاتهامات جزافاً ومحاكمة المفسدين والمجرمين.
مرتضى الغالي: سلوكيات النظام البائد مازالت تسيطر على المدنيين والعسكريين
وقال المحلل السياسي مرتضى الغالي إن سلوكيات النظام البائد مازالت تسيطر على المدنيين والعسكريين الذين يديرون المرحلة الانتقالية وإن الأخطاء تأتي من الطرفين.
واعتبر في تصريحات لـ”العرب” أن قوات الجيش مازالت قابعة تحت هيمنة أشخاص حصلوا على ترقياتهم وفقا للولاء لحزب المؤتمر الوطني البائد ويتعاملون مع الثورة على أنها عمل معاد، والمدنيون يتصارعون من أجل الزعامة وتصدر المشهد ويحددون مواقفهم بناء على مكاسبهم.
ولفت إلى أن المكون العسكري استغل اهتزاز قوى الحرية والتغيير وضعفها للتهرب من مهمة إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وتطهيرها من العناصر المرتبطة بالحركة الإسلامية، كما أن كتائب الظل التي تحدث عنها قيادات في النظام البائد ويبدو أنها تقوم بدورها حالياً على مستوى تأزيم أوضاع المرحلة الانتقالية من خلال التصعيد في الأحداث كالتي حدثت أمام القيادة العامة مؤخراً.
وتنبع تعقيدات العلاقة بين المدنيين والعسكريين من أن هناك طرفاً ثالثاً دخل على معادلة الحكم يتمثل في الحركات المسلحة التي ليس لديها مواقف واضحة من الأزمات المشتعلة الحالية، وتختار أن تكون بعيدة عن المواجهة وتعد مواقفها مشتتة حتى الآن نتيجة عدم وقوفها على أرضية صلبة، لأن ولايات الهامش والأقاليم مازالت تشكك في الالتزام باتفاق السلام وتنفيذ بنوده على الأرض.
واعتبر مرتضى الغالي أن البعض في أطراف الحكم الانتقالي لديهم مصلحة في استمرار الشراكة وعدم السماح بتفتتها، بما يضمن قدرتهم على مجابهة غضب الشارع الذي يعد المهدد الوحيد أمام تماسك الأطراف الثلاثة، وكلما اشتعلت الصراعات بين مكونات السلطة يجري إطفاؤها وامتصاص حدة الغضب بأساليب وأدوات مختلفة بما يؤدي في النهاية إلى استمرار الوضع القائم.
ويذهب متابعون للتأكيد أن شخصية رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، والتي تميل إلى المهادنة وتركيبتها الذهنية قائمة على وزن المعادلات السياسية واقتناص المكاسب بالسبل المتاحة، تشكل صيغة مريحة بالنسبة إلى المكون العسكري الذي هو بحاجة إلى من يساعده على تخطي مطبات المرحلة الانتقالية.
المصدر : العرب اللندنية