كريتر نت – العربية نت
النظام الجديد الذي قاده السيد روح الله الموسوي الخميني، جاء بطريقة عمل وتفكير سياسي مختلفين عن المألوف في المنطقة، التي شهدت تنافساً بين شاه إيران الراحل محمد رضا بهلوي ودول الجوار العربي.
المبادئ المناهضة لما أسماه الخميني بـ”الإمبريالية” و”الرجعية”، جعلت النظام الإيراني الجديد يرفع شعار “تصدير الثورة”، أي أنه لن يكتفي بما لديه من أفكار ليطبقها في الداخل، وضمن إطار حدوده، بل سيسعى لأن يجعلها مشاعاً بين الناس، ويرسلها للجمهور المؤيد له في الدول كافة!
حركات التحرير!
بُعيد الثورة تم تأسيس قوات “الحرس الثوري”، والتي كان من المشاركين في جلسات النقاش الأولى لتكوينها الراحل الشيخ محمد منتظري، ابن آية الله الشيخ حسين علي منتظري، الذي كان خليفة لآية الله الخميني، قبل أن يعزله من منصبه العام 1988، بعد خلافات نشبت إثر توقيف الشخصية المؤثرة والمثيرة للجدل مهدي هاشمي، الذي صدر بحقه حكم إعدام، 1988، تم تنفيذه، بعد أن صادق عليه الخميني.
السيد مهدي هاشمي، هو شقيق السيد هادي هاشمي، زوج ابنة منتظري. كما أن مهدي هاشمي هو أحد الشخصيات الرئيسة التي ساهمت في تأسيس “الحرس الثوري”، وكان أيضاً مسؤولاً عن مكتب “حركات التحرر”، وهو وحدة ضمن “الحرس الثوري”، كانت معنية بالعلاقات الخارجية مع الحركات الثورية.
مكتب دعم “حركات التحرر” كانت له علاقات خارجية متشعبة، مع المنظمات المعارضة في الخليج والعراق، كـ”منظمة العمل الإسلامي”، و”منظمة الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية”، و”حركة الجهاد الإسلامي” في فلسطين، و”حركة الجهاد” في مصر، كما بنى علاقات بمنظمات في شمال إفريقيا والقرن الإفريقي، وأميركا الجنوبية، والحزب الشيوعي الإسباني!
“كان مهدي هاشمي شخصية مؤثرة وصاحب نفوذ”، يقول الباحث المختص في الشأن الإيراني حسن فحص، مضيفاً “ذات مرة، ألقى مهدي هاشمي خطاباً في أصفهان، تحدث فيه عن بعض الخلافات بين الفرقاء في الداخل، وما يتعرض له من مضايقات، والذي حدث أن أكثر من فرقة مقاتلة في الجبهة العراقية – الإيرانية انسحبت من مواقعها وعادت للداخل، كي تقف معه، إلا أنه أمرها بالعودة إلى مواقعها وعدم الخلط بين السياسة والعمل العسكري”.
مهدي هاشمي، بسبب نفوذه المتعاظم، وتالياً ما اعتبر “تجاوزات وتخطيط لعمليات قتل وتآمر”، تمت إزاحته في عهد الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني، الذي كان على خلاف صريح معه، وتم حل مكتب “حركات التحرر”، وتحويل ملفه من “الحرس الثوري”، إلى “وزارة الخارجية الإيرانية التي كان يديرها علي أكبر ولايتي”، كما يشير فحص في حديثه مع “العربية.نت”.
هذا “الانقلاب السياسي” الذي أداره رفسنجاني، مهّد لإخراج مجموعة من التنظيمات المعارضة من إيران، وذهابها إلى سوريا وأوروبا والولايات المتحدة، خصوصاً أن رفسنجاني يريد أن “يقونن” هذه النشاطات، ويحد من فاعليتها، ويجعلها خاضعة لسياسات وزارة الخارجية الإيرانية وليس تحت إمرة “الحرس الثوري” وخصمه مهدي هاشمي، الذي لم تكن تربطه أيضاً علاقات جيدة مع السيد علي خامنئي، الذي أصبح بعد رحيل الخميني، مرشداً للثورة.
الشراكة والولاء
رغم أن مكتب “حركات التحرر” كان مسؤولاً عن التشكيلات الخارجية الموالية والصديقة للثورة الإيرانية، إلا أن “حزب الله لبنان” لم يكن تحت مظلة المكتب منذ بدايات تأسيسه، حيث ارتبط بعلاقات مباشرة مع الحرس الثوري الإيراني، سواء إبان حقبة السيد علي أكبر محتشمي، أو تالياً الشيخ محمد حسن أختري.
“جاء ذات مرة مهدي هاشمي، وقال للسيد هاني فحص إنه يريد أن يعمل في لبنان، وأن هنالك مجموعة من الشباب المستعدين للعمل هناك، إلا أن السيد هاني نصحه بعدم التدخل في الساحة اللبنانية، وهذا ما حصل”، يروي القصة لـ”العربية.نت” حسن فحص، نجل رجل الدين اللبناني البارز هاني فحص.
حزب الله لبنان، ومع مرور السنوات، تحول إلى ركنٍ رئيس ضمن ما يعرف بـ”محور المقاومة”، وهو بنظر الإيرانيين “درة تاج المشروع”، والمثال الذي يود “الحرس الثوري” تعميم نموذجه على مختلف الساحات!
ما ميز حزب الله في علاقاته مع النظام في طهران، هي معادلة “الشراكة والولاء”، أي أنه تحول من مجرد “حركة مقاومة” محدودة في بدايات الثمانينات، بعيد الاجتياح الإسرائيلي لبيروت 1982، إلى حزب لديه جهازه السياسي وذراعه العسكري ومؤسساته الطبية والتعليمية والخدمية والكشفية وسواها، ولذا تحرك من موقع “التابع” إلى “الشريك في المشروع”، وهو رغم شراكته هذه يتصف بـ”السمع والطاعة” لأوامر الولي الفقيه تحديداً، لأن لديه “ولاء” لفكرة “الجمهورية الإسلامية”، ويعتبرها ممهدة لظهور الإمام المهدي المنتظر.
هذا الولاء المطلق يجده المراقب في خطابات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، الذي يمثل مرشد الثورة آية الله خامنئي له: المرجع، والقدوة، والأب، ومن يستوجب السمع والطاعة!
من هنا، فإن سياسات حزب الله، ستكون متناغمة مع سياسات إيران، وبالتالي، فإن أي تبدل في المواقف الخارجية الإيرانية، سيكون له انعكاس مباشر على مواقف حزب الله، الذي سيلتزم بـ”السياسة العامة للمحور الذي ينتمي له”.
إمامُ السيف!
الحليف الرئيس الثاني لـ”الحرس الثوري” بعد “حزب الله اللبناني” هو “حركة أنصار الله”، التي يتزعمها عبد الملك الحوثي، والتي تقوم مليشياتها بأعمال عدائية ضد أهداف مدنية واقتصادية وعسكرية سعودية، بعد استيلاء الحوثيين على السلطة في العاصمة اليمينة صنعاء، العام 2015.
الحوثيون، ينتمون لـ”الزيدية”، وهي فرقة من فرق المسلمين الشيعة، تؤمن بأن الخلافة من بعد الإمام علي بن الحسين زين العابدين، في ابنه زيد ابن علي. وهي في ذلك تفترق عن “الجعفرية – الإثناعشرية” التي تؤمن بإمامة محمد الباقر، كخليفة لأبيه الإمام زين العابدين.
رغم وجود هذا التباين العقدي بين “الحوثيين – الزيدية” و”النظام الإيراني – الإثنا عشري”، إلا أن زعيم “حركة الشباب المؤمن” حسين بدر الدين الحوثي، كان “يؤمن بولاية الفقيه، وأنه يجب الالتزام بما يقوله الإمام الخميني”، كما يروي لـ”العربية.نت” الباحث اللبناني حسن فحص، مضيفاً “كان حسين بدر الدين الحوثي متواجداً في إيران، خلال فترة ولاية الإمام الخميني، وكان يتذمر من طريقة تعامل الإيرانيين في الداخل، وإدارتهم لبعض الملفات، إلا أنه رغم ذلك كان يرى وجوب طاعة الولي الفقيه”.
هذا الإيمان لدى حسين الحوثي بـ”الولي الفقيه”، نقله تالياً إلى أتباعه، وتبناه عبد الملك الحوثي.
ما يفسر هذا الالتزام، أن “الزيدية” تعتقدُ بأن الإمامة في نسل الرسول محمد بن عبد الله، وأن الإمام هو من أتى بالسيف، أي القوة، وكون الخميني قاد ثورة، وهو يحكم بـ”القوة”، فلذا هو “واجب الطاعة”، وهذا ينطبق الآن على المرشد الحالي آية الله خامنئي، بحسب التفسير “الحوثي” لمفهوم الإمامة، على الأقل في جنبتها السياسية والقيادية العامة، بعيداً عن دائرة الفقه والأحكام الشرعية التعبدية التفصيلية!
عسكرياً، لـ”الحرس الثوري” نفوذ كبير على المليشيات الحوثية، بسبب التدريب والدعم اللوجستي والعتاد والتمويل. فيما سياسياً، لدى الحوثيين مساحة أكبر للمناورة، بناء على متغيرات الواقع العسكري الميداني في اليمن، ولذا فإن الملف “السياسي”، تديره إيران عبر “الحرس الثوري”، وبمعونة من “حزب الله” لبنان.
ماذا عن الخارجية الإيرانية؟
للجواب على ذلك، يجدُر تذكّر الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، للعاصمة العراقية بغداد، إبريل الماضي، وبعدها توجه للعاصمة العمانية مسقط، وهنالك التقى رئيس الوفد المفاوض لـ”الحوثيين” محمد عبد السلام، حيث أكد ظريف على أن “الحل السياسي هو الحل الوحيد للأزمة اليمنية”، بحسب ما نقلته “وكالة إيران برس الدولية”، مجدداً “دعم إيران الكامل لوقف إطلاق النار، وبدء حوار يمني – يمني”.
مصدر تحدث لـ”العربية.نت”، كشف عن أن الوزير محمد جواد ظريف، قال لـ”الحوثيين” بصراحة إن “الأجواء الآن في المنطقة لا تتحمل استمرار الحرب والتوتر، وأن هنالك مساعي للحوار والتهدئة، وأنه يجب العمل على وقف الحرب”.
هل يستجيب الحوثيون لـ”المبادرة السعودية”، وهل يأتمرون بما أخبرهم به الوزير ظريف؟ الإجابة حتى الساعة ليست واضحة، وقد يكونون أكثر “تعقيداً” من حزب الله لبنان، بسبب التركيبة القبلية والمناطقية للمجتمع اليمني، إلا أنهم في النهاية جزء من “محور إيران”، وليسوا فصيلاً متمرداً على الولي الفقيه!
المليشيات العراقية
تمثل “المليشيات المسلحة” في العراق، الموالية لإيران، إحدى نقاط التباين الرئيسة بين إيران وجيرانها في الخليج والحكومة العراقية.
هذه المليشيات كانت أكثر انتظاماً إبان وجود القائد السابق لـ”فيلق القدس” اللواء قاسم سليماني، إلا أنه بُعيد اغتياله، يناير 2020، وتولي إسماعيل قاآني المسؤولية، تبدلت طريقة الإدارة، وباتت قبضة إيران ليست مليئة كما كانت إبان عهد سليماني، دون أن يعني ذلك انتهاء أو ضعف نفوذها، بل ما تزال مصدر قوة ودعم للعديد منها.
بحسب المعلومات التي نقلها مصدرُ مطلعُ، فإن “إيران أعطت الحكومة العراقية قائمة بأسماء مجموعة من الفصائل المسلحة، وقالت إنها ترفع الغطاء عنها”، هذه الفصائل يمكن تصنيفها ضمن “الخلايا المشاغبة” التي “لا يمكن التحكم فيها بسهولة، وتعمل وفق مصالحها الخاصة والضيقة جدا”، وكان من ضمنها “كتائب حزب الله “، إضافة للفصائل التي ليست منضوية تحت لواء “الحشد الشعبي”، إلا إذا استثنينا “عصائب أهل الحق”، وهي الفصيل المسلح الذي كان اللواء قاسم سليماني يخطط لأن يجعل منه نموذجاً مشابهاً لـ”حزب الله لبنان”.
بحسب المعلومات التي نقلها مصدرُ مطلعُ، فإن “إيران أعطت الحكومة العراقية قائمة بأسماء مجموعة من الفصائل المسلحة، وقالت إنها ترفع الغطاء عنها”، هذه الفصائل يمكن تصنيفها ضمن “الخلايا المشاغبة” التي “لا يمكن التحكم فيها بسهولة، وتعمل وفق مصالحها الخاصة والضيقة جدا”، وكان من ضمنها “كتائب حزب الله “، إضافة للفصائل التي ليست منضوية تحت لواء “الحشد الشعبي”، إلا إذا استثنينا “عصائب أهل الحق”، وهي الفصيل المسلح الذي كان اللواء قاسم سليماني يخطط لأن يجعل منه نموذجاً مشابهاً لـ”حزب الله لبنان”.
“منظمة بدر”، هي مثالُ حيٌ على التزام الفصائل المسلحة بتعليمات قائد “فيلق القدس” إسماعيل قاآني، خصوصاً أن زعيمها هادي العامري، يعاني الكثير من المشكلات، نتيجة “سوء الإدارة، وملفات الفساد التي بدأ يرفعها خصومه في وجهه، وأيضاً نزقه الشخصي”، بحسب المعلومات التي حصلت عليها “العربية.نت”، وهو ما يجعله “أكثر طاعة للإيرانيين، والتزاماً بالتعليمات، رغبة منه في الحفاظ على نفوذه وموقعه السياسي والشعبي”.
العلاقة النفعية!
“ربع الله”، هي واحدة من عدة أمثلة على المليشيات المسلحة التي تبرز على الساحة العراقية بين فينة وأخرى، في انقسامات عنقودية، عدد منها جاء من “الأولية الولائية في الحشد الشعبي”، وبقدر ما هي واجهات متعددة لـ”طرف واحد”، بحسب ما يرى البعض، إلا أنها أيضاً تنبئ عن تشظ في القيادة، وضعف في مركزية القرار، ورغبة في البروز من شخصيات تعتبر ذاتها جديرة بالظهور والزعامة!
يقول مصدرٌ عراقي، متابع لملف “المليشيات” وتعقيداته العملية على أرض الواقع “هنالك تصور أن المليشيات والمجاميع المسلحة، من الممكن أن توقف هجماتها على القوات الأميركية، أو تكف عن مواقفها العدائية تجاه المملكة العربية السعودية، أو تصمت عن شتائمها الموجهة لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، بمجرد أن تطلب منهم إيران ذلك، وهذا تصور غير دقيق، لأن العلاقات لا تسير على هذا النحو”، مضيفا “هنالك مجموعات مسلحة العلاقة معها معقدة، وباتت أكثر صعوبة مع تشعب الخلايا التي تعلن عن نفسها بين وقت وآخر”.
من جهته، يعتقد الباحث المختص في الشأن الإيراني، حسن فحص، أن “علاقة إيران بمعظم الفصائل العراقية تقوم على المصالح النفعية والتبادلية المشتركة”، شارحاً ذلك بقوله “إيران تريد نفوذاً لها في العراق، وتلك الفصائل تريد أن تستقوي ويكون لها حصة في الساحة الداخلية، ولذا هي تستفيد من الإيرانيين في تحقيق مكاسب مادية واجتماعية، والإيرانيون يستفيدون منهم في توطيد حضورهم عراقياً”.
هذه العلاقة القائمة على “المصلحة” أكثر من بنائها على “الولاء”، تجعل الساحة العراقية أكثر وعورة على “الحرس الثوري” من الساحتين اللبنانية واليمنية، خصوصاً مع عدم وجود حكومة مركزية قوية تستطيع نزع سلاح المليشيات، على الأقل منها تلك التي باتت تعرف بـ”خلايا الكاتيوشا”، وهي مجاميع رغم حداثتها في الساحة، ومحدودية تأثيرها، إلا أنها تحدث شغباً مزعجاً.
الخلايا المطيعة!
هنالك تنظيمات لا ترتقي لأن تكون علاقة إيران بها، ذات طبيعة “شراكة” أو “منافع متبادلة”، مثل تلك التشكيلات الصغيرة، والخلايا التي يتم دعمها أو زرعها في عدد من البلدان، كـ”حزب الله الحجاز”، أو “حزب الله الكويت”، أو الخلايا العنقودية المدعومة من “الحرس الثوري” في البحرين.. وهذه التشكيلات العلاقة معها ذات طبيعة “فوقية”، أي أن هنالك أوامر تصدر من جهات عُليا في “الحرس”، فيما أفراد هذه الخلايا يقومون بالتنفيذ!
بيعة هذه الخلايا “استخدامية”، يمكن التضحية بها في أي وقت، والانتفاع منها لتحقيق أهداف محددة، عسكرية أو أمنية أو استخبارية. وأحياناً كثيرة تكون حلقة الوصل أشخاص محدودون جداً، مع قيادات في “الحرس” يعرفون بـ”الكنية”، دون الاسم الكامل أو الحقيقي، ما يجعل العلاقة خصوصاً من “التشكيلات الصغيرة” غير تامة الوثوقية، ومن الممكن أن تفقد الاتصال بالشخص المُكلف في أي وقت، عند تعرضها للانكشاف!
هي علاقة معقدة بين إيران وشركائها ومليشياتها وخلاياها في الشرق الأوسط، علاقة محكومة بمستويات عدة، يخشى كثيرون أن تنفلت من عقالها أكثر وأكثر، لتكون “المارد” الذي لا يمكن السيطرة عليه، ما يعني زيادة في العنف والإرهاب والفوضى!