كتب : مراد حسن بليم
كل الرزايا تهون الا رزيئة فقدان قائد استثنائي كالشوبجي ، وكل التضحيات تهون الا تلك التي قدمها الرجل في مسارات الدفاع عن الضالع والجنوب امام مليشيات الحوثي الدموية وفي كل الكفاحات لانتصار القضايا الوطنية العادلة ، وان خسارته لا تعادلها اي خسارة على الاطلاق ، وهي خسارة وطنية فادحة لا تقاس بالايام ولا بالسنوات ولا بالاحزان ، ولا يمكن ان تعبر عنها الكلمات والمراثي مهما تعددت ، فبعض الخسارات لا تعوض ولا توصف .
هذا القائد الاشتراكي النبيل الذي كان منذ ان عركته المراحل قبل الوحدة وبعدها وفي خضم ثورة الحراك السلمي الجنوبي ، كريما بكل شيء ، بعطائاته لرفاقه ، بقدرته على التسامح ، بأخلاقه الوارفة ، بشجاعته ونبله ، والمزايا التي أهلته لحل كثير من قضايا الناس واصلاح ذات بينهم وعلى امتداد المراحل العصيبة التي خلفتها حرب 94 الظالمة ،ثم كان كريما بلا حدود في تقديم التضحيات الجسيمة التي لا يقوى على تقديمها سوى الشوبجي وحده ، هذا الرجل الذي اختزل المعنى الكبير للتضحيات الجسام وقدم صورة واضحة الملامح عن ماهية الصمود والانتصارات التي تنحتها الضالع في صميم التاريخ ، وجسد قولا وفعلا ماذا يعني الايمان المكثف بعدالة القضية التي دافع عنها حتى اخر قطرة دم دفعها على اقساط من دماء ابناءه الشهداء ثم عززها بكل كبرياء من دمائه القانية .
لقد وضع الشوبجي مفاهيم جديدة لمعنى النضال ، وأسس لقواعد لم تعرف قبله ، بل لم تعرفها كل المراحل الكفاحية ، وصار الشوبجي هو المعيار الذي تقاس عليه الوطنية وتقاس عليه التضحيات وتقاس عليه مصداقية الانتماء الوطني ، واصبح مضرب مثل حصري في تقديم التضحيات لن يبلغه احد لا اليوم ولا غدا والى اخر الدهر .
لم يمن الشوبجي بعد استشهاد انجاله الثلاثة ، فالتضحيات الجسيمة لا يقوم بها الا اولئك الانقياء المؤمنين أشد الإيمان بالقضية التي يناضلون من اجلها ، ولم يكل في شحذ همم من تبقى من ابناءه ودفعهم الى ساحة المعركة ، ولم يسعى للمناصب والمصالح مزايدا باسم الشهداء ، ولم يتاجر او يقتني العقارات ويبني الفلل ، بل ذهب للصفوف الامامية مدافعا ذائدا عن ذرات التراب التي اودع ثلاثة من فلذات اكباده في مساماتها ، الارض التي سقاها بعرقه ودمه حتى ارتوت ، ذهب شامخا ليموت واقفا على قدميه شهيدا خالدا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ، مكللا بالامجاد وشرف الخلود الابدي الذي لن ينازعه عليه احد .
سيدون التاريخ بأحرف من ذهب اسم الشهيد الجسور يحيى الشوبجي كواحد من اولئك الذين لن يتكررون ولن يجود الزمان بهم ، وكمدرسة نضالية نادرة العطاء والبذل ، الاستثنائي في حياته والاستثنائي في رحيله ، وسيقرأ الاجيال قصة هذا الرجل كواحدة من تلك الاساطير التي ترتقي الى مستوى الخيال ، وسيغدو نشيدا هادرا في الحناجر ، نردده في كل الملمات العصيبة وفي كل دورة مواجهة من اجل الكرامة والحرية .