كريتر نت – العرب
مع اتساع حركة الاحتجاجات ضد العنصرية في أنحاء العالم وتوسع قائمة أهدافها وبرامج عملها يبدو أن مسار هذه الاحتجاجات يتجه نحو إعادة كتابة التاريخ من جديد، وهو ما يشكل معضلة للرواية الرسمية البريطانية.
وأفاد تقرير طلبت الحكومة البريطانية إعداده في أعقاب احتجاجات “حياة السود مهمة” بأن المملكة المتحدة ليست مجتمع “ما بعد العنصرية”، لكن القضايا المتعلقة بالعرق والعنصرية أصبحت أقل أهمية نظرا لأن التحصيل التعليمي للأقليات العرقية قد خلق المزيد من الفرص للجميع.
وبعد وفاة جورج فلويد التي أثارت أعمال شغب في الولايات المتحدة العام الماضي، اندلعت احتجاجات مماثلة في أنحاء المملكة المتحدة ضد ما تم اعتباره عنصرية من الشرطة وفرص الحياة الأسوأ للأقليات العرقية. لكن التقرير الصادر الأربعاء عن اللجنة المعنية بالفوارق العرقية والعنصرية يرفض فكرة أن المملكة المتحدة عنصرية بشكل هيكلي.
وجاء في التقرير أن “المثالية حسنة النية للعديد من الشباب الذين يقولون إن البلاد لا تزال عنصرية بشكل مؤسسي لا تؤكدها أدلة”. ويشير التقرير إلى أنه مع ذلك فإن “العنصرية الواضحة والصريحة مستمرة”، لاسيما عبر الإنترنت.
وقال وزير شؤون مجلس الوزراء روبرت جينريك “كلف رئيس الوزراء بوريس جونسون بإعداد هذا التقرير لأنه يعتقد أن هذه مسألة بالغة الأهمية للبلاد وأننا نريد معالجة هذا الأمر والمضي قدما إلى أبعد من ذلك (…) نحن نعمل بشكل جيد كدولة على الطريق إلى مجتمع ما بعد العنصرية”، فيما انتقد حزب العمال المعارض التقرير ووصفه بأنه “مخيب للآمال”.
ليزا ناندي: التقرير يقلل من أهمية التحديات التي تواجه الأقليات
وقالت المتحدثة باسم الشؤون الخارجية في الحزب ليزا ناندي إن التقرير “يسعى إلى التقليل من أهمية بعض أشكال الطبيعة الهيكلية للتحديات التي تواجه الأقليات العرقية في المملكة المتحدة”.
ورسمت دراسة مسحية نشرت في يوليو الماضي صورة قاتمة عن التمييز العنصري في المملكة المتحدة. وكشفت أن ثلثي البريطانيين يعتقدون بوجود “درجة” أو “وضع متفاقم” من العنصرية داخل المجتمع البريطاني، لكن المشاركين السود في الدراسة كانوا أكثر توصيفا من البيض عندما قالوا إن العنصرية مستشرية في بريطانيا.
وعندما سئلوا عن تجاربهم الخاصة قال عدد من المشاركين السود والآسيويين وبقية الأقليات إنهم عانوا من انتهاكات عنصرية لفظية وجسدية، في وقت عانى فيه الكثيرون من هجمات مستمرة.
وقال سوندر كاتوالا مسؤول مركز “بريتش فيوتشر” والخبير بالعنصرية في المجتمع البريطاني إن الأمور تحسنت ولكن الناس يريدون رؤية تحولات أسرع.
وأضاف متحدثا بعد أسابيع من تظاهرات حياة السود مهمة التي راح ضحيتها فلويد على يد رجل شرطة “من الواضح وجود تغيرات اجتماعية مهمة بشأن العرق في الربع الأول من القرن الحالي ولكن ما سجله الاستطلاع هو زيادة سريعة في التوقعات”.
وتابع “إن العنصرية الواضحة لم تعد منتشرة بشكل واسع مقارنة بالثمانينات من القرن الماضي، فيما أصبحت للأقليات أصوات في الحياة العامة، وما قدمه الاستطلاع هو حالة إحباط من السياسيين الذين يواصلون الحديث عندما يقومون بمقارنة المشهد في 2020 بـ’الأيام السيئة’ التي كان فيها بلطجية الجبهة القومية يضربون الناس”.
وبالنسبة إلى فكرة اعتبار بريطانيا دولة غير عنصرية ترى نادين وايت المتخصّصة في النّزاعات العرقية بأنها مثل آخر على استثنائية بريطانية تعجز عن الاعتراف بتفاعل التاريخ مع الحاضر.
وتضيف “تشكّل العنصرية في المملكة المتحدة مشكلة مستمرة وغالباً ما تكون مستترة خلف قشرة رقيقة من الاحترام”.
صورة
وتتابع “بشأن حقيقة أن المملكة المتحدة أكثر دولة متسامحة في أوروبا وأقل دولة عنصرية فإنها غير مهمة، ذلك أن العنصرية عنصرية وتمثّل مشكلة مستمرة في المملكة المتحدة”.
وخلال مظاهرة مناهضة للعنصرية في مدينة بريستول أسقط المتظاهرون تمثال تاجر الرقيق المحلي إدوارد كولستون. وفي لندن تم تشويه تمثال رئيس الوزراء إبان الحرب العالمية الثانية ونستون تشرشل.
ودفع إسقاط تمثال كولستون المؤسسات في جميع أنحاء البلاد لإزالة أو مراجعة النصب التذكارية المرتبطة بالماضي الاستعماري البريطاني، لكنه أثار أيضا إدانة من السياسيين وكذلك غضبا عاما، لاسيما بعد تغطية تمثال تشرشل خارج البرلمان حتى لا تطاله أيادي المحتجين.
وعلى رغم تراجع هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة نظراً إلى حملات التوعية التي تُقام في هذا المجال، إلّا أنّ الأدلة البحثية وفقاً لمقالة بعنوان “العرق والقانون والشرطة: تأملات في قانون العلاقات العرقية” التي أعدّت عام 2015، تظهر أنّ الشرطة عموماً لم تفشل في توفير الحماية المتساوية بموجب القانون فحسب، بل هي متّهمة أيضاً أكثر من أي مؤسسة أخرى بالتمييز العنصري بشكل متكرّر ومستمر ضدّ المواطنين السود والمقيمين في الجزر البريطانية.
وبعدما اتّهمت ميغان ماركل زوجة الأمير هاري في مقابلة تلفزيونيّة في مارس 2021 العائلة الملكيّة البريطانيّة بالعنصريّة، أعيد فُتح هذا النقاش على مصراعيه في المملكة المتّحدة.
ويرى مراقبون أن المملكة المتحدة قطعت شوطا في ما يخص مواجهة العنصرية والتعصّب القائم على العرق أو اللون أو الديانة، لكن المعركة لا تزال في منتصف الطريق وقد تكون في مراحل أكثر تعقيدا.