كريتر نت – العرب
من السابق لأوانه بعد عامين من إسقاط أكراد سوريا المدعومين أميركيا لآخر معاقل تنظيم داعش في شرق سوريا معرفة ما إذا كان الجهاديون قد صرفوا النظر عن إقامة “دولة الخلافة” في الشرق الأوسط، لكن الباحثين والمحللين لديهم عدة دلائل تشي بأن الأخطار لا تزال قائمة وهو ما يتناغم تماما مع قلق قوات سوريا الديمقراطية رغم المكاسب التي حققوها.
وأعلنت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة قبل عامين نهاية “الخلافة”، التي أنشأها تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف، لكن بعد مرور كل هذه الفترة لا يزال داعش الأكثر وحشية في التاريخ الحديث ناشطا وخطيرا، ولا يزال يشكل مصدر تهديد لخصومه.
لا يعني القضاء على “الخلافة” حينما أعلنها زعيم التنظيم أبوبكر البغدادي في 2014، الذي قتل في غارة جوية أميركية خلال تواجده في محافظة إدلب في أكتوبر 2019 وخلفه في ما بعد أبوإبراهيم الهاشمي القرشي، بعد سيطرة مقاتليه على مساحات شاسعة في سوريا والعراق المجاور، انكفاءهم عن شن هجمات دامية خصوصا في أقصى شرق سوريا.
وقد وجدت قوات سوريا الديمقراطية وهي ائتلاف فصائل كردية وعربية بعد انتهاء آخر المعارك ضد داعش بقرية الباغوز في الـ23 من مارس 2019، نفسها أمام تحد آخر يتمثل في مصير عشرات الآلاف من مقاتلي التنظيم وأفراد عائلاتهم من جنسيات مختلفة، والمحتجزين في سجونها وفي مخيمات مكتظة تشهد دوما حوادث أمنية.
وكان المقاتلون الأكراد في طليعة من تصدّى للتنظيم المتطرف في سوريا. وخاضوا أولى معاركهم ضده دفاعا عن مدينة كوباني (عين العرب) في أقصى محافظة حلب شمالا، ما أتاح لهم تلقي دعم أميركي مباشر. وفي العام 2015، تأسست قوات سوريا الديمقراطية، وباتت الشريك الأول للتحالف الدولي بقيادة واشنطن في معركة القضاء على التنظيم.
تشارلز ليستر: داعش يحافظ على نسق ثابت عبر اعتماد قيادة لا مركزية
وفي احتفال معنوي لإظهار سيطرتها على المنطقة التي تتواجد فيها، أقامت هذه القوات في حقل العمر النفطي في صحراء دير الزور، عرضا عسكريا الثلاثاء، بحضور ممثلين عن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
وجدّدت القوات في بيان تلاه متحدّث باسمها التحذير من أن “القضاء على آخر رقعة جغرافية لإرهابيي داعش في شمال وشرق سوريا.. لا يعني زواله بشكل تام”، كما نبّهت إلى أن المرحلة الحالية تُعدّ “الأصعب في مواجهة الإرهاب، وأصعب من مرحلة مقارعة داعش وجها لوجه” كما أنّها “الأخطر”.
والقلق ليس وليد الفراغ، فبين سقوط الباغوز ونهاية فبراير الماضي، تبنى داعش 5665 عملية في ثلاثين بلدا بمعدل ثمانية اعتداءات يوميا. وهذا الرقم نشره محلّل مختص في شؤون التنظيم طلب عدم ذكر اسمه خلال حديث مع وكالة الصحافة الفرنسية، وهو ينشر تحليلاته على حساب تويتر باسم “مستر – كيو”.
وتشنّ قوات سوريا الديمقراطية دوريا وبدعم من التحالف، خصوصا في محافظة دير الزور، حملات دهم واعتقال لأشخاص يُشتبه بانتمائهم إلى التنظيم، يستهدفون غالبا عبر عبوات ناسفة أو اغتيالات مقاتلين عربا وأكرادا أو مدنيين يعملون لصالح الإدارة الذاتية الكردية.
وبعد انتهاء سيطرة داعش جغرافيا، انكفأ مقاتلوه بشكل رئيسي إلى البادية الممتدة بين محافظتي حمص وسط سوريا ودير الزور عند الحدود مع العراق، وتحولت المنطقة إلى مسرح اشتباك بين التنظيم وقوات النظام السوري المدعومة من روسيا.
وقدّرت لجنة مجلس الأمن الدولي العاملة بشأن داعش ومجموعات جهادية أخرى الشهر الماضي وجود عشرة آلاف مقاتل من التنظيم “ناشطين” في سوريا والعراق.
وقالت إنه على الرغم من أنّ غالبيتهم في العراق، لكنّ “الضغط الذي تمارسه قوات الأمن العراقية يجعل تنفيذ عمليات تنظيم الدولة الإسلامية (على أراضيها) أكثر صعوبة” مقارنة مع سوريا.
وبحسب التقرير توفّر البادية السورية في دير الزور “ملاذا آمنا لمقاتلي” التنظيم الذين انشأوا “علاقات مع شبكات تهريب تنشط عبر الحدود العراقية”.
ويقول مدير برنامج مكافحة الإرهاب في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر إن “تنظيم داعش المتطرف يحافظ على نسق ثابت والقرار المتخذ قبل أعوام بالتخفّي واعتماد قيادة لا مركزية ما زال ساريا”.
ورغم اختلاف التوزع الجغرافي، تطبّق فروع التنظيم استراتيجية ثابتة، وفق مستر – كيو، الذي يشرح أنها تقوم “أولا على استغلال عدم استقرار الدولة بدفع القوات المسلحة إلى نوع من حرب الاستنزاف، ثم إجبار أعداء الجماعة على الفرار من المنطقة وتقديم نفسها كضامن لأمن السكان”.
أما المرحلة الثالثة، وهي الخلافة، فتأتي لاحقا. لكن هل يحتاج تنظيم داعش حقّا لإدارة أراضٍ وسكّ عملة؟ يجيب تشارلز ليستر أنه “في عقول أعضائه، لا تزال الخلافة قائمة”، موضحا أن “فكرة إلغائها تستند إلى تصوّر غربي، غريب عن الجماعة نفسها”.
ويرى الباحث في قسم الدراسات في جامعة كينغ كوليج في لندن تور هامينغ أن الانقسامات التي برزت داخل التنظيم نهاية 2019 لم تتفاقم عكس ما كان متوقعا. ويقول “لا أعتقد أن الجماعة توافق على أن الخلافة انتهت” إذ “في نهاية المطاف لا يزال زعيمها يدعى الخليفة”، مشيرا إلى قدرة التنظيم الكبيرة على التأقلم.
ومكمن الأخطار الأخرى بالنسبة إلى قوات سوريا الديمقراطية تتمثل “في الآلاف من المعتقلين، ممن تم أسرهم، إلى جانب الآلاف من أسرهم المحتجزين في مخيمي الهول وروج ممن يحملون الذهنية الداعشية المتطرفة، دون أن تشهد الساحة الدولية أي تحرك لحل هذا الملف”.
ويقطن في مخيم الهول وحده أكثر من 60 ألف شخص، 80 في المئة منهم نساء وأطفال وبينهم آلاف الأجانب الذين يقبعون في قسم مخصص لهم قيد حراسة مشددة.
وقدرت منظمة هيومن رايتش ووتش في تقرير الثلاثاء وجود 43 ألف أجنبي، من رجال ونساء وأطفال، محتجزين في السجون والمخيمات. وبين هؤلاء 27 ألف طفل غالبيتهم في المخيمات، فيما يتواجد 300 منهم في السجون وآخرون في مراكز تأهيل.