كريتر نت – فرانس24
اعترف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن الزعيم الوطني الجزائري علي بومنجل، الذي قُتل في 23 آذار/مارس 1957، قد “تعرض للتعذيب والقتل” على أيدي الجيش الفرنسي خلال حرب التحرير الجزائرية، وأنه لم ينتحر كما حاولت باريس التغطية على الجريمة في حينه. وقال الإليزيه إن ماكرون أدلى بنفسه بهذا الاعتراف “باسم فرنسا” وأمام أحفاد بومنجل الذين استقبلهم الثلاثاء.
وأعلنت الرئاسة الفرنسية في بيان أن رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون اعترف الثلاثاء بأن المحامي والزعيم الوطني الجزائري علي بومنجل “تعرض للتعذيب والقتل” على أيدي الجيش الفرنسي خلال حرب التحرير الجزائرية وأنه لم ينتحر كما حاولت باريس التغطية على الجريمة في حينه. وجاء في البيان أن بومنجل “اعتقله الجيش الفرنسي في خضم معركة الجزائر ووُضع في الحبس الانفرادي وتعرض للتعذيب ثم قُتل في 23 آذار/مارس 1957”.
وبذلك أصبح إيمانويل ماكرون أول رئيس فرنسي ولد بعد حرب الجزائر (1954-1962)، يعترف “باسم فرنسا” بأنّ علي بومنجل قتل على أيدي الجيش الفرنسي خلال حرب الجزائر في 1957، في بادرة تهدئة أوصى بها تقرير المؤرخ بنجامان ستورا حول مصالحة الذاكرة بين البلدين.
اعتراف “باسم فرنسا” أمام أربعة من أحفاد بومنجل
وحسب البيان، فإن الرئيس ماكرون أدلى بنفسه بهذا الاعتراف “باسم فرنسا” وأمام أحفاد بومنجل الذين استقبلهم الثلاثاء، وذلك في إطار مبادرات أوصى بها المؤرخ بنجامان ستورا في تقريره حول ذاكرة الاستعمار وحرب الجزائر التي وضعت أوزارها في 1962 وما زالت حلقة مؤلمة للغاية في ذاكرة عائلات ملايين من الفرنسيين والجزائريين.
فيصل مطاوي من الجزائر عن قضية بومنجل
وأضاف بيان الرئاسة الفرنسية أن بومنجل “اعتقله الجيش الفرنسي في خضمّ معركة الجزائر ووُضع في الحبس الانفرادي وتعرض للتعذيب ثم قُتل في 23 آذار/مارس 1957”. وتابع الإليزيه أنه في العام 2000 “اعترف بول أوساريس (الرئيس السابق للاستخبارات الفرنسية في الجزائر العاصمة) بنفسه بأنه أمر أحد مرؤوسيه بقتله وإخفاء الجريمة على أنها انتحار”.
وأضاف البيان أن “رئيس الجمهورية استقبل اليوم في قصر الإليزيه أربعة من أحفاد علي بومنجل ليخبرهم، باسم فرنسا، بما كانت (أرملة الراحل) مليكة بومنجل تود أن تسمعه: علي بومنجل لم ينتحر، لقد تعرض للتعذيب ثم قُتل”.
ولفت البيان إلى أنّ ماكرون “أبلغهم أيضا باستعداده لمواصلة العمل الذي بدأ منذ سنوات عديدة لجمع الشهادات وتشجيع عمل المؤرخين من خلال فتح الأرشيف، من أجل إعطاء عائلات جميع المفقودين على ضفتي البحر الأبيض المتوسط الوسائل لمعرفة الحقيقة”.
ماكرون: “لا يمكن التسامح أو التغطية على أي جريمة أو فظاعة…”
وشدّد الرئيس الفرنسي في بيان أصدره قصر الإليزيه على أن هذه المبادرة “ليست عملا منعزلا”، مؤكدا أنه “لا يمكن التسامح أو التغطية على أي جريمة أو فظاعة ارتكبها أي كان خلال الحرب الجزائرية”. وتعهد بالقيام “باعمال رمزية” في محاولة للمصالحة بين البلدين لكنه استبعد تقديم “أي اعتذارات أو توبة”.
ووعد ماكرون في البيان بأن “هذا العمل سيتوسع ويتعمق خلال الأشهر المقبلة، حتى نتمكن من المضي قدما نحو التهدئة والمصالحة”، داعيا إلى “النظر إلى التاريخ في وجهه، والاعتراف بحقيقة الوقائع” من أجل “مصالحة الذاكرة”.
وتابع قصر الإليزيه في بيانه “يجب أن يتمكن جيل أحفاد علي بومنجل من بناء مصيره بعيدا عن نسيان الذكرى وعن الضغينة. من أجلهم، ومن أجل الشباب الفرنسي والجزائري بات علينا التقدم على طريق الحقيقة وهو الطريق الوحيد الذي يمكن أن يقودنا إلى مصالحة الذاكرة”.
وكانت ابنة أخ علي بومنجل، أستاذة الطب والناشطة في مجال حقوق الإنسان فضيلة بومنجل شيتور، قد نددت الشهر الماضي بمحاولة باريس التغطية على جريمة قتل عمها، واصفة ما جرى بـ”كذب الدولة (الفرنسية) الهدام”.
“لا إنكار”
جاء اعتراف فرنسا بهذه الجريمة في إطار مبادرات أوصى بها المؤرّخ بنجامان ستورا في تقريره حول ذاكرة الاستعمار وحرب الجزائر التي وضعت أوزارها في 1962 وما زالت حلقة مؤلمة للغاية في ذاكرة عائلات ملايين من الفرنسيين والجزائريين.
وهذه الوثيقة التي سلمها في 20 كانون الثاني/يناير أثارت انتقادات واسعة في فرنسا كما في الجزائر لا سيما لأنها لم تصدر توصية بأن تقدم باريس “اعتذارات” عن حقبة الاستعمار. واتهمت المنظمة الوطنية للمجاهدين، قدامى المحاربين في حرب الاستقلال (1954-1962)، بنجامان ستورا بانه “أغفل جرائم الاستعمار” الفرنسي في الجزائر.
من جهتها نددت اللجنة الوطنية للحركيين، قدامى المحاربين التابعين للجيش الفرنسي خلال الحرب، بتقرير جاء “بالحد الأدنى” وطالبت بأن تعترف فرنسا “بالتخلي عن الحركيين وقتلهم، بعد اتفاقات إيفيان ووقف إطلاق النار في 19 آذار/مارس 1962”.
وطالبت الحكومة الجزائرية عدة مرات باعتراف فرنسا “بجرائم الاستعمار”. وقال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مساء الاثنين إن مواطنيه “لن يتخلوا أبدا عن ذاكرتهم”. وأضاف تبون “لن تكون هناك علاقات حسنة على حساب التاريخ أو على حساب الذاكرة، لكن الأمور تُحل بذكاء وهدوء وليس بالشعارات”. وأضاف “لن نتخلى أبدا عن ذاكرتنا ولكن لن نستخدمها في المتاجرة (السياسية)”.
من جهته قال السفير الفرنسي في الجزائر فرانسوا غوييت في مقابلة مع صحيفة “ليكسبريسيون” الجزائرية الثلاثاء إن مصالحة الذاكرة بين باريس والجزائر يجب أن تكون جزءا من اعتراف متبادل لا يكون “لا إنكارا ولا توبة”. وأضاف أن “حوارا بين بلدينا يمكن أن يثمر تدابير رمزية وأعمالا ملموسة تجسد هذه الرغبة الجديدة في المصالحة بين الشعبين الفرنسي والجزائري”.
ومع اقتراب الذكرى الستين لانتهاء الحرب واستقلال الجزائر في عام 2022، جعلت باريس والجزائر من “مصالحة الذاكرة” هذه ملفا يحظى بأولوية، وتعهد الرئيسان ماكرون وتبون بالعمل معا على هذا الملف.