كريتر نت – العرب
حذر دبلوماسيون ومحللون سياسيون إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من الاستسهال في تحديد موقف من السعودية على أساس الأفكار التقليدية بشأن وضع حقوق الإنسان، والقفز باتجاه إيران مثلما فعل الرئيس الأسبق باراك أوباما، معتبرين أن هذا الاستسهال قد يدفع السعودية إلى مواقف متشددة في ملف حقوق الإنسان كما في السباق نحو التسلح للحفاظ على أمنها القومي وإحداث توازن مع إيران.
وفيما تحث عناصر بارزة في الحزب الديمقراطي الأميركي بايدن على التخلي عن تحالف الولايات المتحدة مع السعودية، ينصح المحللون بايدن بمقاومة هذا الطلب، ولاسيما أنه نادرًا ما يقودهم التخلي عن الحلفاء إلى نتائج أفضل.
وخلال الفترة الثانية من حكم أوباما ثم دونالد ترامب حصلت تغييرات جدية في التفكير السعودي، قوامها الكف عن الاحتماء بالولايات المتحدة بوصفها شريكا عسكريا واقتصاديا وحيدا، والتخطيط لبناء شراكات متعددة مع دول ذات وزن مثل الصين والهند وروسيا وفرنسا، على أن تكون هذه الشراكات قائمة على تبادل المصالح.
وتقول أوساط خليجية إن التغيير الذي حصل في 2015 بوصول العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى العرش وتسلم ابنه الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، جاء ضمن خلاصات سعودية من فترة حكم أوباما، حين راهن على إيران دون مراعاة مصالح الرياض باعتبارها قوة إقليمية متنافسة مع طهران.
وبالنتيجة سيصبح من الصعب على أي إدارة أميركية التعامل مع السعودية على أنها “دولة منبوذة” تحتاج إلى سماع المزيد من الانتقاد والابتزاز، ولا تحرك ساكنا. ومن الواضح أن هذا الزمن قد بات من الماضي، فخلال فترة ترامب تمسكت السعودية في إستراتيجيتها الجديدة بموقف صارم من قطر وقادت حركة المقاطعة بنفسها رغم وساطات وضغوط أميركية ظاهرة وباطنة.
والأمر نفسه بالنسبة إلى حرب اليمن، حيث تحدت الرياض التقارير الحقوقية التي تركز فقط على أخطاء السعودية في الحرب وتتغاضى عن أخطاء أكثر حجما في الطرف المقابل، خاصة ما تعلق باستهداف المدنيين، أو تهديد أمن الطاقة والملاحة. وينظر السعوديون إلى هذه الحرب على أنها نشبت من أجل حماية أمنهم القومي، والحيلولة دون نجاح الإيرانيين في تطويق السعودية من الجنوب بعد أن تمركزوا قبالتها في العراق وسوريا وزاحموا نفوذها التقليدي في لبنان.
وفضلا عن هذا، لا يخفي السعوديون رغبتهم في إحداث توازن عسكري مع إيران، وهم يبحثون عن مصادر مختلفة لتطوير برامجهم العسكرية التقليدية، وربما النووية مثلما تقول تقارير غربية بين الفينة والأخرى.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق هو: كيف تدفع واشنطن الرياض إلى تطوير سجلها في حقوق الإنسان، ووقف طموحها في تطوير أنشطة عسكرية غير تقليدية؟
ويقول جون سباسابان، في تقرير بمجلة “فورين بوليسي”، “إذا كانت واشنطن تريد الإصلاح في الرياض، فعليها أن تفكر في ما هو أكثر إقلاقًا للسعودية، وهو تخلي الولايات المتحدة عن التزاماتها تجاهها وفق ما تقتضيه الشراكة الإستراتيجية بين البلدين، وقياسا بحجم الاستثمارات السعودية الكبرى في الساحة الأميركية اقتصاديا وعسكريا”.
ويعود الحذر السعودي من تخلي واشنطن عن التزاماتها إلى استدارة أوباما نحو إيران ودعم اتفاق نووي يسمح لطهران بأن توظف رفع العقوبات عنها في تهديد الأمن الإقليمي والسيطرة على دول مثل العراق وسوريا، ومحاولة وضع اليد على البحرين ولبنان واليمن. وفي المحصّلة، كانت مخاوف السعودية في محلها وباتت إيران تهدد حركة تصدير النفط كما تهدد الوجود العسكري الأميركي نفسه في العراق، وفي دول الخليج؛ إذ كلما تراجعت الضغوط الأميركية زادت طهران أنشطتَها.
وليس من قبيل المصادفة أن الأمير محمد بن سلمان، الذي يتحمّس لسعودية جديدة غير مرتهنة لأي جهة بما في ذلك واشنطن، هو من يدعم، إلى جانب العديد من النخب السعودية، توسيع العلاقة مع الصين، لاسيما تلك التي تسمح للرياض بشراء أسلحة متطورة وبناء تحالفات أمنية واقتصادية بديلة في حال قرر الأميركيون استعادة إستراتيجية أوباما التي أثارت غضب الخليجيين ككل وليس السعودية وحدها.
أي استدارة نحو إيران ستكون مكلفة
وإذا لم تقم الولايات المتحدة بصياغة نهج جديد فقد يؤدي هذا السيناريو بسهولة إلى مواجهة سباق متزايد نحو التسلح في الشرق الأوسط، بما في ذلك الأسلحة النووية المحظورة، خاصة أن السعودية -ودول خليجية أخرى- بات بإمكانها الرهان على شريك جديد هو إسرائيل من خلال التفاهمات التي تمت أو هي في طريقها إلى التمام، ضمن مسار السلام الجديد القائم على تبادل المصالح.
ويقول سباسابان إن ما يمكن أن يخفف شعور السعودية بعدم الأمان هو تشجيع الرياض على الانضمام إلى رابطة جديدة من الدول الغربية والشرق أوسطية تتعاون بشكل متعدد الأطراف في مسائل الجيش والطاقة والاقتصاد والتنمية الاجتماعية.
وحتى لو بدأ التحالف صغيرًا إلى حد ما -فقط الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والسعودية والدول العربية الأصغر مثل الأردن وعمان والإمارات والبحرين وتونس- فسيثبت أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين لن يتركوا الرياض تحت رحمة إيران أو قوى خارجية أخرى.
ويؤكد سباسابان أن هذا وحده يجب أن يهدئ مخاوف الرياض بما يكفي للتقليل من التفكير في صنع الأسلحة النووية، ومن خلال إنشاء مركز تدريب إقليمي مشترك جديد، ستدرب الاتفاقية وتجهز القوات المسلحة للدول الأعضاء وستجعلها أكثر اكتفاءً ذاتيًا من الناحية العسكرية.