كريتر نت – العرب
بعد سلسلة من التحذيرات الأميركية حول المساعي الروسية المستمرة لتطوير ترسانتها العسكرية المستخدمة في أعماق البحار، اتجهت الولايات المتحدة نحو تعزيز غواصاتها بالطائرات المُسيرة لغايات الاستطلاع والمراقبة لمواجهة تمدد سلاح الغواصات النووية الروسية، في تحول اعتبره محللون عسكريون نقلة نوعية في سباق التسلح.
واشنطن – يشكل الردع مفهوما أساسيا في أي سباق للتسلح، لأن الهدف الرئيسي هو أن يعلم العدو قدرات خصمه ومهاراته لإجباره على إعادة حساباته، ورغم أن العالم يعيش أصلا حربا باردة جديدة، إلا أن القوى الكبرى تعمل على تعزيز ترساناتها بكل الوسائل الحديثة المتطورة دون التفكير في خوض حرب محتملة.
والفصل الجديد في سباق التسلح اليوم هو انضمام الطائرات دون طيار إلى الحروب في البحار، وقد بدأت الولايات المتحدة بالفعل في الاستفادة من تلك الأداة رخيصة التكلفة، والتي يبدو أنها أثبتت جدواها خاصة في ما يتعلق بعمليات المراقبة والاستطلاع المبكر.
ويعتبر ديفيد ب. لارتر، مراسل شؤون الحرب البحرية في موقع “ديفنس نيوز” الأميركي، أن اللعبة بمنطقة المحيط الهادئ تتلخص في نطاق المواجهة، ولكن مع وجود طوربيدات طويلة المدى وصواريخ مضادة للسفن في الترسانة البحرية، تتطلع الغواصات إلى مجال جديد يساعدها على توسيع مدى انتشارها ألا وهو الهواء، وبذلك ستكون لها أعين في السماء.
وكان مكتب برنامج مكافحة الغواصات ومراقبة الأسلحة التابع لقيادة أنظمة البحار البحرية الأميركية قد طلب في أكتوبر الماضي إجراء مدخلات في “نظام جوي دون طيار يتم إطلاقه من الغواصات” المعروف اختصارا “سلواس”، وهو الآن قيد التطوير.
ومنذ فترة أظهرت البحرية الأميركية اهتمامها بالطائرات دون طيار لبعض الوقت، وتقوم باختبار نماذج أولية، لكن النموذج المستخدم يظهر أن الخدمة أصبحت جادة بشأن الفكرة لأنها تضيف طوربيدات طويلة المدى وصواريخ كروز مضادة للسفن إلى ترسانة هجومها من الغواصات.
ويفترض أن تنطلق الطائرة دون طيار من غواصة مغمورة من أنبوب قاذف يبلغ قطره ثلاث بوصات يستخدم لعوامات السونوبو والمشاعل والإجراءات المضادة، وستنشر هذه المسيرات التي تعمل بالبطارية أجنحتها وتعمل لمدة ساعة، بعيدا عن النطاق المرئي من المنظار المنخفض في الماء فقط.
وبالإضافة إلى ذلك، يؤكد المختصون العسكريون أنه يجب أن يكون لدى أنظمة الطائرات دون طيار قدرة كهربائية بصرية مع تحليل موثوق للحل المستهدف، كما أنه يجب أن تكون الطائرة دون طيار قادرة على العمل في نطاقات خارج أفق راديو خط البصر، واستخدام عرض نطاق متغير برابط بيانات مشفر بقوة تشفير 256 بت على الأقل.
ويفترض أن تتمتع الطائرة دون طيار أيضًا بدرجة من الاستقلالية وتتضمن القدرة على العمل في بيئة يتم التحكم فيها بالانبعاثات والعمل دون روابط اتصالات لاسلكية ثابتة.
ويقول بريان كلارك، ضابط غواصة متقاعد، إن كل غواصة بها قاذفة ثلاث بوصات، لذلك من الناحية النظرية، يمكن لكل غواصة أن تعمل مع أنظمة الطائرات دون طيار.
ويؤكد كلارك، وهو زميل أول في معهد هدسون أن الفكرة هي “أنك ستكون بحجم عوامة سونوبوي – قد تكون طويلة جدا – وأن تضعها داخل علبة. ثم تطلق هذا في علبة تطفو على السطح ومن هناك تصبح للغواصات أعين في السماء”.
ويأتي حصول البحرية الأميركية على طائرات مسيرة جديدة، والتي يتم إطلاقها من الغواصات ما سيسمح بحل المهام المتعلقة بالاستهداف خارج نطاق رؤية الغواصات، في وقت يحتدم فيه السباق بين القوى العظمى على تعزيز ترساناتها العسكرية.
وفي سبتمبر الماضي، نقل موقع “سي باور” الأميركي المتخصص في الشؤون العسكرية عن الأميرال ديفيد جوجينز أن نظام إطلاق طائرات الدرون يوفر إمكانيات مدهشة للغواصات، حيث يمكن إرسالها إلى مسافات تكتيكية مهمة.
وبمساعدة الطائرات دون طيار، تمكنت البحرية الأميركية أثناء عرض لقدرات النظام أقيم قبل أشهر ضمن تجارب الغواصة النووية أس.أس.أن 760 لوس أنجلس، من تنفيذ هجوم على سفينة وهدف أرضي. والآن تم تزويد خمس غواصات بنظام سلواس ولديها 21 طائرة مسيرة.
ويقول المراقبون إن روسيا والصين في تنافس مستمر لإنتاج جيل جديد من نظم القتال البحري لتلبية احتياجات الدفاع عن مصالحهما البحرية، وهذا الأمر دفع الولايات المتحدة إلى الدخول على خط المنافسة بالتعاون مع حلفائها الأوروبيين.
وكانت موسكو قد كشفت العام الماضي عن الغواصة المسيرة الجديدة “بوسيدون”، وهي تحاكي غواصات “كانيون” التي طورتها مصانع دول الاتحاد الأوروبي بصورة مشتركة بالتعاون مع المصانع الأميركية، وهي الأولى من نوعها في العالم، وقالت وزارة الدفاع الروسية حينها إن فكرة إنتاجها مستلهمة من الطائرات التي تعمل دون طيار.
وبمقدور الغواصات الروسية الجديدة المسيرة الاشتباك مع عناصر الضفادع البشرية من خلال منظومة كاميرات للبث المباشر مرتبطة بقواعد الإدارة والتحكم البحرية التي تقوم بتشغيلها.
كما يمكن لهذا الجيل من الغواصات توفير الحماية للأهداف البحرية الطافية والشاطئية من الهجمات المعادية التي تقوم بها الغواصات أو الزوارق الطافية وغيرها.
ويتوقع أن تثمر جهود التطوير الصينية إنتاج غواصات ذاتية التسيير قادرة على الاشتباك بنجاعة أكبر، وتعتمد بكين في ذلك على الذكاء الاصطناعي، بحسب ما ذكرته صحيفة “تشاينا مورنينغ” في يوليو 2018، لكن برنامج إنتاج هذا النوع من الغواصات لا يزال محاطا بتكتم شديد.