كريتر نت – العرب
راهنت الولايات المتحدة على تعايش الدول العربية مع تيار الإسلام السياسي غير العنيف من وجهة نظرها، وعلى رأسه الإخوان المسلمين حينما تفجرت الاحتجاجات الشعبية ضد الأنظمة الحاكمة، لأنها كانت تعتقد أنها الطريقة الوحيدة لإحباط المزيد من التطرف والتهديدات المستقبلية من الجهاديين، لكن آمال التغيير أجهضت بفعل تلك المقاربة التي أثبتت فشلها.
باريس – لم تتمكن القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا، حينما انطلقت شرارة الانتفاضات العربية من تونس قبل عشر سنوات من تحقيق تطلعات الشعوب، بل على العكس، سممت المنطقة بمقاربتها التي تعتمد في أساسها على تيار الإسلام السياسي، والتي جعلت المنطقة تدفع ثمنا باهظا لذلك.
والثابت بعد مضي عقد من الزمن على اندلاع الثورات العربية في العام 2011، والتي شكلت زلزالا جيوسياسيا في المنطقة، أن الغرب وقف في صف المتفرجين وتردد في القيام بأي رد فعل حيال ما يجري، مما دفع شخصيات عربية ومسؤولين غربيين ومحللين وناشطين عايشوا تلك الفترة إلى الإجماع على أن التاريخ كفيل بمحاسبتهم.
وإبان اندلاع الاحتجاجات الشعبية ضد الأنظمة القائمة آنذاك، تشكل لدى المراقبين انطباع وهو أن الحكومات الغربية ولاسيما القوى التي كانت مرتبطة تاريخيا بدول “الربيع العربي” في التقاط زمام المبادرة والمساهمة في تلبية تطلعات شعوب المنطقة إلى الحرية والديمقراطية، فوّتت بهذا التلكؤ فرصة غير مسبوقة لهندسة إصلاحات حقيقية.
ومع أن الكثير من المؤشرات تدل على أن الولايات المتحدة خلال إدارة الرئيس باراك أوباما كانت وراء ما يحدث لقناعتها بأن الإخوان المسلمين يمكن التعويل عليهم لصد موجات التطرف، بيد أن ثمة من يشكك في أن الغرب لم يكن لديه يد في كل الفوضى التي ظهرت في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن والبحرين.
وتبدو مصر من بين الأمثلة البارزة التي فشل فيها تيار الإسلام السياسي، قياسا بما هو عليه الحال في تونس، ويعتقد محمّد البرادعي الحائز على جائزة نوبل للسلام والقيادي البارز في المعارضة المصرية سابقا في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية أن الغرب اختار أن يكون مراقبا صامتا بدلا من أن يكون مؤيدا نشطا ولم يساعد ذلك “الربيع العربي”.
وبعد إسقاط حكم الرئيس الإسلامي محمد مرسي في منتصف عام 2013، الذي سبب توليه السلطة حرجا لواشنطن، أعادت إدارة أوباما صرف المساعدات للقاهرة في عام 2015 بعد أن بات الرئيس عبدالفتاح السيسي حليفا موثوقا للولايات المتحدة في حربها ضد الجماعات المتطرفة في المنطقة.
والبرادعي، الذي عاد إلى مصر عام 2010 بعدما أمضى سنوات على رأس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رأى أن غياب التخطيط لدى المجتمع الدولي أدى إلى ما هي عليه الأوضاع الآن، وقال “كانت هذه فرصة ضائعة للشرق الأوسط من أجل التحديث واتخاذ الخطوات الأولى على طريق الحرية والديمقراطية”.
وشكل غياب الأدوات والمؤسسات التي يمكن أن تستوعب ما حدث النقطة الغائبة في نجاح المشروع الإخواني المدعوم من الولايات المتحدة، وبحسب البرادعي، لم يكن ممكنا بعد ستين عاما من الاستبداد القفز إلى ديمقراطية كاملة، لافتا إلى أن غياب رؤية متوازنة وسياسة طويلة الأمد من الغرب “عاد ليطاردنا”.
لكن ذلك لا يعني أن الغرب لم يحاول، فقد أوفد قبل وقت طويل من اندلاع “الربيع العربي” منظمات غير حكومية وهيئات شبه رسمية إلى المنطقة للعمل على تعزيز الرغبة بالديمقراطية والحريّة.
ومع ذلك وقفت الأنظمة الدكتاتورية لها بالمرصاد، ففي نهاية 2011، اتهمت السلطات المصريّة 43 موظفا أجنبيا ومحليا، أغلبهم أميركيون، يعملون لدى منظمات غير حكومية بالتدخل في شؤون البلاد وتم ترحيلهم.
وعندما زار السفير الأميركي لدى سوريا آنذاك روبرت فورد مدينة حماة السورية في يوليو 2011 أمطره المتظاهرون بالورود الحمراء ما أثار غضب نظام الرئيس بشار الأسد، الذي اتهم واشنطن بالتدخل في التحرك ضد السلطات ومحاولة تصعيد التوتر.
ويتفق الباحثون في تقييمهم لما حصل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على أن الغرب بدا كالأعمى غير آبه بما يجري وافتقد للشجاعة اللازمة لاقتناص زمام المبادرة رغم أن الباحث ستيفان لاكروا من معهد باريس للدراسات السياسية استبعد نظرية “المؤامرة الأجنبية”.
ويرى نديم حوري، المدير التنفيذي لمبادرة الإصلاح العربي ومقرها باريس، أن الغربيين “استغرقوا أشهرا عدّة للتفكير في الأمر، ثم أغلقوا الباب بسرعة في وجه تجربة التغيير الديمقراطي هذه، لكن بين عامي 2012 و2013، رأيناهم يعودون برؤية تستند فقط إلى الأمن الإقليمي”.
وبينما فشلت فرنسا، القوة المستعمرة سابقا، في دعم المحتجين التونسيين مع تصاعد النقمة ضد الرئيس زين العابدين بن علي، خرجت البلاد بعد سنوات من “الربيع العربي” بديمقراطية هشة بسبب التجاذبات السياسية نتيجة بقاء الإسلاميين في السلطة حتى اليوم، ولكنها نجت من فوضى عسكرية قياسا بما يحصل في ليبيا وسوريا واليمن.
وبرزت مع تطور القتال في ليبيا بعد أن شن تحالف يقوده حلف شمال الأطلسي ضربات جوية ضد القوات الموالية للزعيم الراحل معمر القذافي، هشاشة مؤسسات الدولة وانتهى بالدولة إلى نشوء حكومتين واحدة في العاصمة طرابلس، ويسيطر عليها الإسلاميون، وأخرى في الشرق تحاول إنهاء حكم الإسلام السياسي، الذي جعل الدولة تغرق في أتون الصراعات دون أمل في تسوية سلمية.
أما في سوريا وبعد أن كانت إدارة أوباما تحشد المعارضة “المعتدلة” تضم الإسلاميين ضد النظام تراجعت فجأة عن تنفيذ ضربات عقابية على دمشق، إثر مقتل 1400 شخص صيف 2013 قرب العاصمة جراء هجوم بغاز السارين اتهمت قوات الحكومية بتنفيذه، بات بشار الأسد أكثر تيقنا من أن الطائرات الأميركية لن تتدخل ضده خاصة واشنطن كانت حذرة من أنه سيعتبر أي استخدام لأسلحة كيميائية “خطا أحمر” وشكل ذلك الضربة الأخيرة للنفوذ الغربي في المنطقة.
ويشرح المراقبون كيف أن أوباما رفض القيام بعمل عسكري لأنه انتخب على أساس تعهّد بسحب القوات الأميركية من الصراعات في الشرق الأوسط، ولأن القادة الأوروبيين، لاسيما في بريطانيا وألمانيا، عارضوا ذلك.