كريتر نت – العرب
شكلت الأغاني الشعبية المرافقة للمظاهرات عاملا مهما للتعبير عن أحلام المتظاهرين ومثلت نوعا من أنواع الدعاية للحراك مع انتشارها على مواقع التواصل الاجتماعي وتخطيها حدود الدول.
وعرف الجمهور العربي العبارة الأشهر للرئيس الليبي السابق معمر القذافي إثر انتقال عدوى التظاهرات إليها. وتناقلها مستخدمو الإنترنت حول العالم بعدما تحوّلت إلى أغنية بعنوان “زنقة زنقة”، في ريميكس غريب على إيقاع أغنية لمغني الراب الأميركي بيتبول.
وطبعت أغان كثيرة الانتفاضات في عشر دول شهدت احتجاجات كبرى في 2011 امتزج فيها الغضب مع حسّ الفكاهة والإبداع الذي أسكتته أنظمة حكمت لعقود بيد من حديد.
ومثلت أغنية الراب “ريس البلاد” ثورة تونس للمغني الشاب حمادة بن عمر الملقّب بـ”الجنرال”. وهي ترسم صورة قاتمة لتونس في ظل حكم زين العابدين بن علي وتخاطبه في أحد مقاطعها “ريس البلاد شعبك مات”.
وفي مصر شكلت أغنية “ارحل”، التي أداها رامي عصام وهو يعزف على غيتاره بين الحشود في ميدان التحرير في القاهرة، لحظة لا تنسى في الأيام الأولى التي حفلت بالأحلام للتظاهرات في مصر.
وقال عصام عن تلك المرحلة، “لم أعتبر نفسي يوما موسيقيا أو فنانا قبل العام 2011.. كنت متظاهرا يحمل غيتارا”. ورغم أنه لم يكن معروفا حينها من الجمهور، لكن سرعان ما باتت أغنيته “ارحل” الموجّهة إلى الرئيس حسني مبارك بمثابة نشيد الثورة.
وفي الأيام الأولى من ثورة اليمن المنسيّة غالبا، شكّلت أغنية خالد الزاهر “حريّة” نشيدا متفائلا بإيقاعها المميز. فردّدها عشرات الآلاف من المتظاهرين مطلع العام 2011.
ولم تتخط الأغنية التي جاء في مطلعها “حرية حرية نحنا شعب حر”، حدود اليمن، لكنّها اكتسحت منصات الإنترنت آنذاك. وكان الزاهر الذي بدأ الغناء عندما كان على مقاعد الدراسة معروفا بأغانيه الوطنية والثورية في اليمن. واليوم يبدو أن مصير الأغنية وشهرة مغنيها شبيهان بمصير الثورة اليمنية التي باتت ذكرى بعيدة عن لحظة عابرة في تاريخ أمّة مضطربة.
كما حفلت الاحتجاجات الشعبية عند انطلاقها في سوريا بدءا من منتصف مارس 2011 بالعديد من الهتافات والأناشيد والأغاني الوطنية وحتى التراثية. لكنّ أغنية “يلا ارحل يا بشار” عبّرت عن إرادة حقيقية بالتغيير وربما أيضا عن مصير الثورة المأسوي.
وشهد عدد من الدول العربية انتفاضات اعتبرت بمثابة الموجة الثانية من “الربيع العربي”، وكانت لها أيضا هتافاتها وأناشيدها، ففي أكتوبر 2019، خرج مئات الآلاف إلى الشوارع في بغداد ومدن أخرى. وخلقت التحركات مساحة ثقافية وفنية للشباب العراقي. وتصدّرت أغنية “ذيل أعوج” المشهد في إشارة ضمنيّة إلى الأطراف السياسية المدعومة من إيران.
وعرضت الأغنية المصوّرة للمرة الأولى على قناة دوتشيه فيله في البرنامج الكوميدي الساخر “البشير شو” الذي يحظى بشعبية كبيرة في العراق ويقدّمه أحمد البشير المقيم في المنفى منذ سنوات.
وحظي الفيديو بقرابة 15 مليون مشاهدة، ووثّق ما اعتُبر من معالم التظاهرات، كالمطعم التركي الذي بات أشبه بمركز “قيادة الثورة” وعربات التوك-التوك التي تولّت نقل الجرحى.
وفي لبنان حيث خرج مئات الآلاف إلى الشوارع ناقمين على الطبقة السياسية الفاسدة ومطالبين برحيلها بدءا من 17 أكتوبر 2019، ردّد المتظاهرون شعارات وأناشيد وطنية، وأصدر فنانون أغاني جديدة دعما لـ”الثورة”.
وطغى هتاف “هيلا هو” الموجه ضد وزير الخارجية السابق جبران باسيل، صهر الرئيس اللبناني ورئيس التيار الوطني الحر، على ما عداه. وظهرت لاحقا صيغ عدة لهذا الهتاف، إحداها على شكل أغنية أوبرا. لكن كثيرين، بينهم ثوار، انتقدوا الشتيمة التي تضمنتها الأنشودة.
وفي الجزائر، عندما أصدر المغني والراقص الجزائري عبدالرؤوف درّاج المعروف باسم سولكينغ أغنيته “لا ليبرتيه” (الحرية) في مارس 2019، كان الغضب يعتمر قلوب الجزائريين. فحققت نجاحا فوريا مع مطالبة المتظاهرين بالحرية والديمقراطية.
وشكّلت لحظة صعود مغني الراب السوداني أيمن ماو على المنصّة في موقع الاعتصام الرئيسي في وسط الخرطوم في 25 أبريل 2019، فور وصوله من الولايات المتحدة، إحدى أبرز اللحظات الموسيقية في الانتفاضات العربية.
وأمسك ماو بالميكروفون مردّدا إحدى أشهر أغانيه “الدم”. مع كل سطر منها، ردّد الجمهور خلفه “ثورة”، لتصبح الأغنية شعار المرحلة.