كريتر نت – العرب
ينشغل قطاع كبير من السودانيين في البحث عن إجابة شافية بشأن مصير حزب الأمة القومي بعد رحيل زعيمه السياسي والروحي الصادق المهدي، ومن سيستلم القيادة بعده وسط أنباء عن صراع داخل بيت المهدي بشأن الخلافة هل تذهب لابنه عبدالرحمن أم لابنته مريم.
وقد تسلّم النائب الأول لرئيس حزب الأمة القومي بالسودان، اللواء فضل الله برمة ناصر، الجمعة، مهام رئاسة الحزب إلى حين انعقاد المؤتمر العام، واختيار رئيس جديد خلفا للصادق المهدي الذي تولى رئاسة الحزب لمدة 56 عاما.
ورسّخت هذه المدة الطويلة ارتباط الحزب بشخصية زعيمه التاريخي، والذي حاول الحفاظ على قدر من التماسك وسط عواصف سياسية مريرة، شطرت الحزب إلى نحو خمسة أحزاب، لكلّ منها رئيس يزعم أنه وريث بيت المهدي الحقيقي.
وقلّلت الانقسامات من الدور المحوري لحزب الأمة في الحياة السياسية، وأثّرت على كثير من حظوظه في خضمّ تطورات عديدة مر بها السودان، لكن قيادة الصادق المهدي حمت الشطر الذي يقوده من زيادة التشرذم، ومع غيابه عادت الغيوم لتخيّم على سماء الحزب الذي تآكلت الكثير من أركانه، بعد أن شاخت قيادته في مقاعدها.
وتحدث فضل الله برمة، عقب تكليفه مباشرة بقيادة الحزب في هذه المرحلة حول فكرة بناء مؤسسات الحزب، مثمّنا دور المهدي في إرساء قواعدها، وجديّة القيادات عقد المؤتمر العام قريبا، قائلا “سيتمّ أوّلا التأكيد على قيام المؤتمرات القاعدية، بدءا من الإداريات ثم المحلّيات ثم الولايات فالتّصعيد للمؤتمر العام وأيضا التّصعيد من الكليّات المختلفة”.
وقال المحلل السياسي السوداني خالد الفكي، لـ”العرب”، إن حزب الأمة سيواجه جملة من التحديات، خاصة فيما يتعلق بالانتقال السلس للسلطة، لأن قيادته استمرت بيد شخص واحد فترة طويلة، وامتلك كاريزما سياسية واجتماعية جعلته قادراً على الإمساك بزمام الأمور داخل الحزب، وأضحت سلطة اتخاذ القرار داخل مستويات عديدة بالحزب متركزة في رأس قيادته.
وحذّر الفكي من تداعيات الانشقاقات التي حدثت في جسم الحزب على مدار تاريخه، وأبرزها انسحاب مبارك الفاضل المهدي (ابن عم الإمام الصادق)، إلى جانب عدد من القيادات المهمة، ولم يؤد ذلك كله إلى انهيار الحزب، وظل هناك إجماع على شخص الصادق ليكون قائداً.
لكن الوضع سيكون مختلفا بعد رحيل هذه الزعامة، لأن شخصية المهدي القوية لم تترك مجالا لوجود شخص يتوافق عليه الحزب حتى الآن، ناهيك عن عدم ممارسته المؤسسية بالطريقة المتعارف عليها في مسيرة الأحزاب التي تدير عملها السياسي بشكل ممنهج، وهو ما يضاعف من صعوبة مهمة اختيار رئيس في هدوء.
واختار المهدي خمسة نواب له، وهم: الطبيبة والناشطة السياسية مريم الصادق (ابنته)، واللواء المتقاعد فضل الله برمة ناصر، وهو وزير دفاع سابق، والدكتور إبراهيم الأمين، ومحمد عبدالله الدومة المحامي، ويشغل منصب والي غرب دارفور حاليا، والفريق معاش صديق إسماعيل.
وكشف إبراهيم الأمين، نائب رئيس حزب الأمة القومي، لـ”العرب”، أن الحزب بدأ مرحلة انتقالية جديدة وشكّل لجنة لإدارته، إلى حين انتخاب رئيس جديد، تضم نواب الرئيس ورئيس المكتب السياسي والأمين العام، وعددا من رموز الحزب التاريخيين.
الصادق المهدي زعيم حزب الأمة السوداني يترجّل تاركاً ألغازاً سياسية تلاحقه
وأضاف أن هذه اللجنة تتولّى عملية عقد مؤتمرات على مستوى الولايات والقواعد الشعبية للتعرّف على توجّهات الأعضاء بشأن القيادة الجديدة قبل عقد مؤتمر عام يسمّي رئيسا جديدا للحزب.
وعلمت “العرب” أن الحزب يسعى لبناء يتماشى مع فيدرالية الدولة في السودان، بحيث تكون قواعد الحزب في الولايات متحكمة في الجزء الأكبر من القرارات التي تخص الولاية ومنح صلاحيات واسعة لقيادته في تلك المناطق لتسيير الأمور.
وأوضح إبراهيم الأمين أن قيادات الحزب تحترم رغبة أبناء الصادق في التطلع لمنصب والدهم، لكنّ هناك توافقا على ألاّ يدخل الأبناء في منافسة واسعة مع آخرين من قيادات الحزب الذين يحق لهم الترشح، وتكون الانتخابات على قدم المساواة بين الجميع، وأن القاعدة الجماهيرية للحزب هي من ستقرّر الرئيس الجديد، تنفيذا لوصية الراحل الذي أكّد على ضرورة حماية المؤسسية داخل الحزب.
وطالب العديد من قيادات الحزب أن يكون اختيار مستويات الحكم والهياكل داخل الحزب بالانتخاب، لكنّ المؤتمر العام للحزب لم يلتزم بتلك التّوصيات، لذلك من المحتمل أن يتفجّر صراع بين قيادات الحزب وأسرة المهدي، في ظل رغبة، كل من عبدالرحمن ومريم، عدم خروج منصب رئيس الحزب من بيتهم.
وغير مستبعد أن تكون هناك حظوظ لعبدالرحمن، والذي شغل منصب مساعد الرئيس المعزول عمر البشير، وتراكمت لديه خبرات جيدة في الحكم، غير أن هذه النقطة قد تمثل جانبا سلبيا له، ويأخذها عليه خصومه كـ”سقطة سياسية” يمكن أن تؤثر على مكانة الحزب في شارع أصبحت غالبيته تبغض فترة البشير ورموزها.
وتملك مريم الصادق المهدي، نائب رئيس الحزب، خبرة تنظيمية تتخطّى شقيقها، وقد تكون الأكثر حظا منه، غير أن سيطرة التركيبة الرجالية داخل الحزب ربما ترفض أن تقوده امرأة، ما يجعل الحزب أمام تباينات حول اختيار الرئيس من جانب الحرس القديم الذي يتزعمه اللواء صديق إسماعيل نائب رئيس الحزب، أو اختيار شخصية شابة تتماشى مع التطورات التي أفرزتها الثورة على البشير في الشارع.
ورجّح متابعون لشؤون حزب الأمّة أن يكون المهدي ترك وصية حدّد فيها من سيخلفه منعا لحدوث المزيد من الانقسامات في جسم الحزب، وهي عادة أخذ بها الحزب منذ تأسيسه عام 1945.
وفتح الكلام عن وصية الباب لجدل طويل في بيت المهدي، فبعد أن توفّي زعيم حزب الأمة والأنصار صديق عبدالرحمن المهدي في أكتوبر 1961، راجت مسألة الوصية، حتى حُسم الأمر في النهاية لصالح ابنه الصادق المهدي.
وحفلت فترة المهدي بالمطبات، وهو في رئاسة الحكومة لمرتين، وخارجها لفترة طويلة، وطغت شخصيته الفكرية على الكثير من الكوادر السياسية، وبدا الرجل مهيمنا على غالبية مفاتيح القرارات في الحزب، ما حمّله جانبا من تكلّسه وتشرذمه.
راودت الصادق المهدي منذ حوالي ثلاث سنوات فكرة ترك رئاسة الحزب وترتيب أوضاعه من الداخل في حياته كي يتمكّن من التفرغ لدوره السياسي والفكري، غير أن الخطوة لم تكتمل معالمها، لأنه ظل قابضا على جمر الزعامة حتى وفاته.
وتم فصل القيادة السياسية عن الروحية حيث تولى السيد عبدالمحمود أبو إمامة طائفة الأنصار حتى موعد انعقاد المؤتمر العام، بعد أن جمع بينهما الصادق المهدي.
وولّد الجمع بين إمامة الأنصار ورئاسة الحزب أزمة مكتومة، قد تظهر تداعياتها في المدى المنظور، فهناك عرف ساد لعقود طويلة بأن جميع من انضمّوا لحزب الأمة هم من التابعين لطائفة الأنصار.
والآن سيكون الحزب أمام اختبار صعب، حيث يميل إلى تفكيك هذه الازدواجية، وهي من التحديات الدقيقة التي تقابله، لأنه من غير المقبول الانتقال إلى دولة مدنية حديثة ويلعب فيها الشباب دورا مهما، في حين أن أكبر الأحزاب متعلّق بطائفة دينية.
وأشار إبراهيم الأمين، لـ”العرب”، إلى أن حزب الأمة أعدّ نفسه لتكون هناك قيادة جديدة للأنصار من خلال الشورى المعلنة والملزمة، أو ما أسماها الراحل “الشورى المبصرة” لاختيار إمام جديد بالانتخاب.