كريتر نت – متابعات
نجح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتخلي عن الأرمن خلال مواجهات الأسابيع الأخيرة بين أذربيجان وأرمينيا، ثم الدخول كحكم، لاحقا، لرعاية اتفاق مذل للأرمن الذين يفترض أنهم حلفاء إستراتيجيون لموسكو. الأمر الذي دفع أردوغان إلى عدم إخفاء إحساسه بالنصر.
ووقّعت أرمينيا وأذربيجان برعاية روسيا اتّفاقًا لوقف إطلاق النار في ناغورني قره باغ يكرّس الانتصارات العسكرية التي حقّقتها قوات أذرية في الإقليم الانفصالي بعد ستّة أسابيع من المعارك الدامية.
وأفاد بيان صادر عن الرئاسة الأذرية بأن أردوغان والرئيس الأذري إلهام علييف أجريا مكالمة هاتفية، الثلاثاء، تبادلا فيها التهاني بـ”الانتصار”.
وجدد علييف شكره لأردوغان على الدعم السياسي والمعنوي الذي قدمته تركيا لأذربيجان خلال المعارك.
وينبئ الاتفاق، وقبله الصمت الروسي على جريان معارك غير متكافئة في الإقليم، بوجود تفاهمات تركية روسية تضع المصالح الثنائية والتنسيق في ملفات أخرى -سواء في ليبيا وسوريا أو في شرق المتوسط- كأولوية، فضلا عن صفقة منظومة صواريخ أس – 400 التي يعتقد الروس أنها تمثل اختراقا لحلف شمال الأطلسي.
وتساءل مراقبون عن حدود التوافق الروسي التركي ومخاطره على نفوذ موسكو في محيطها الجغرافي، مشيرين إلى أن روسيا استخدمت المخاوف من تركيا لتثبيت نفوذها في سوريا وليبيا، لكن ذلك فتح الباب لتعاظم آمال أردوغان وخططه التي صارت تهدد روسيا نفسها من خلال وضع اليد على فنائها الخلفي في القوقاز وآسيا الوسطى، حيث التمركز التاريخي للعرق التركي، فضلا عن كونه مركزا مهما للطاقة الدولية.
ونجح أردوغان كذلك في تحييد الإيرانيين عن التدخل للحفاظ على الوضع القائم في الإقليم المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان، وتركهم في وضع صعب في ظل تنامي المطالب الانفصالية للأذريين في إيران.
وحثت وزارة الخارجية الإيرانية في بيان لها، الثلاثاء، على “ضرورة إنهاء احتلال المناطق في ناغورني قره باغ واحترام حقوق الأقليات وخروج المقاتلين الأجانب”.
ولا يخفي البيان مخاوف إيران من تزايد النفوذ التركي على حدودها خاصة إثر امتلاك المرتزقة قوةً بدأت تتعاظم وتلقى تطبيعا دوليا مع وجودها، ما قد يدفع تركيا إلى توظيفها في مناطق نفوذ إيرانية في سوريا والعراق واليمن لتنافس الميليشيات المدعومة إيرانيا في تلك المناطق.
من جانبها، لم تخف فرنسا مخاوفها من هشاشة الاتفاق الجديد الذي جاء مراعيا لحسابات تركيا، وحثت على التوصل إلى “تسوية سياسية طويلة الأمد تمكِّن السكان الأرمن من البقاء في منطقة ناغورني قره باغ”.
الرئاسة الفرنسية: فرنسا ملتزمة بضمان أن يعطي أي اتفاق الشعب الأرمني ضمانات قوية
وقالت الرئاسة الفرنسية (قصر الإليزيه) إن باريس ملتزمة بضمان أن يعطي أي اتفاقٍ الشعبَ الأرمني “ضمانات قوية بشأن السكان المدنيين وأمنهم وتطلعاتهم”، حاثة تركيا -الداعم الرئيسي لأذربيجان- على أن “تضع حدا لاستفزازاتها” و”ألا تفعل شيئا للتنازل عن إمكانية التوصل إلى اتفاق دائم يجري التفاوض عليه بين الأطراف في إطار مجموعة مينسك”.
ومنذ نهاية سبتمبر، اندلعت أكثر الاشتباكات دموية منذ ما يقرب من ثلاثين عاما بين الانفصاليين الأرمن في قره باغ والجيش الأذري، وهي معارك تحولت إلى صالح باكو.
ووقع الاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ مساء الاثنين، كل من الرئيس الأذري إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان وكذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وقال بوتين إن الطرفين المتنازعين سيحتفظان “بالمواقع التي يسيطران عليها”، ما يعني خسارة الانفصاليين الأرمن السيطرة على أنحاء واسعة من الإقليم بعدما دحرتهم منها القوات الأذرية، ما أدى إلى اندلاع تظاهرات غضب في أرمينيا حيث اقتحم المتظاهرون مقري الحكومة والبرلمان ليلا إلا أن قوات مكافحة الشغب استعادت السيطرة عليهما صباح الثلاثاء.
وأتى تصريح الرئيس الروسي بعد دقائق من إعلان رئيس الوزراء الأرمني أنّه وقّع اتفاقا “مؤلمًا” مع كلّ من أذربيجان وروسيا لإنهاء الحرب في الإقليم المتنازع عليه.
وقال باشينيان في بيان على صفحته في فيسبوك “لقد وقّعت إعلانًا مع الرئيسين الروسي والأذري لإنهاء الحرب في قره باغ”، واصفا هذه الخطوة بأنّها “مؤلمة بشكل لا يوصف، لي شخصيّا كما لشعبنا”.
وتابع أنّه اتّخذ قرار التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار “بعد تحليل معمّق للوضع العسكري”، في إشارة إلى التقدّم الذي حقّقته القوات الأذرية على مدى الأسابيع الستّة الماضية، مشدّدا على أنّ هذا الاتّفاق هو “أفضل الحلول المتاحة في الوضع الراهن”.
وأتى توقيع هذا الاتفاق بعيد إعلان القوات الأذرية أنّها سيطرت على مدينة شوشة الإستراتيجية الواقعة على بُعد 15 كيلومترا من عاصمة الإقليم الانفصالي ستيباناكرت.
لكنّ الرئيس علييف تحدّث عن “وثيقة استسلام” أُرغمت يريفان على توقيعها بعد ستّة أسابيع من المعارك.
وقال علييف في خطاب عبر التلفزيون “لقد أجبرنا نيكول باشينيان على توقيع الوثيقة، إنها بالأساس وثيقة استسلام”.
وأضاف “لقد قلت إنّنا سنطردهم (الأرمن) من أراضينا طرد الكلاب، وقد فعلنا”.
واعتبر أن اتفاق وقف إطلاق النار يكتسي “أهمية تاريخية”، مشيرا إلى أنّه ينصّ على أن تسحب أرمينيا قواتها من الإقليم خلال مهلة زمنية قصيرة، وعلى أن تشارك روسيا وكذلك تركيا، حليفة أذربيجان، في تطبيق بنود الاتفاق.
ونعت علييف رئيس الوزراء الأرمني بـ”الجبان” لأنّه لم يوقّع الاتّفاق أمام عدسات وسائل الإعلام.
وينصّ الاتفاق خصوصا على استعادة أذربيجان السيطرة على العديد من المناطق التي كان يسيطر عليها الانفصاليون ودُحِروا منها، كما يبقي على ممرّ برّي يربط بين الأراضي التي لا تزال تحت سيطرة الانفصاليين وأرمينيا.