كتب : محمد الثريا
وأنت تستعرض شريط الاحداث وفيما تحاول جاهدا تفسير منحنى الازمة اليمنية صعودا ونزولا طيلة السنوات الخمس الماضية فأنك لامحالة ستكون في النهاية على موعد مع أحد أبشع مشاهد الخذلان والصفع السياسي التي قد يتلقاها شعب كريم ووطن عزيز على مدى تاريخه الطويل والعريق .
وقبل ان تنهي مشاهدتك وعرضك الوجداني المؤلم ذاك لربما سيجول ايضا في خاطرك ساعتها الذهاب في جولة استدراكية ربما في محاولة لفهم حالة التخبط السياسي والتيه الدراماتيكي الذي اضحى مؤخرا السمة الابرز في وصف واقع المناطق المحررة ومشهد الازمة جنوبا، وهنا بالفعل اظنك حينها لن تجد أفضل من أبيات الشاعر الكبير أحمد مطر لتحاكي لك ذلك الواقع التعيس والآمال التي ارتبطت به عن حسن نية.
قال أحمد مطر :
أمس اتصلت بالامل
قلت له : هل ممكن ان يخرج العطر لنا
من الفسيخ والبصل؟
قال : أجل.
قلت : وهل يمكن ان تشعل نار بالبلل؟
قال : أجل.
قلت : وهل من الحنظل،يمكن تقطير العسل؟
قال : أجل.
قلت : وهل يمكن وضع الارض في جيب زحل؟
قال : نعم، بلى، أجل.
فكل شيئ محتمل.
قلت : إذن حكام العرب سيشعرون يوما بالخجل؟
قال : تعال ابصق على وجهي،
اذا هذا حصل .
في اليمن المأزوم وفي شقه المحرر تحديدا ثمة مشروعان اتصلا او قل أجبرا على الاتصال مباشرة بحبل الامل الذي رماه الاشقاء .
رفع كلا المشروعين السقف عاليا فأحدهما قد امتلك شرعية دستورية معترفا بها دوليا فيما الاخر امتلك تفويضيا شعبيا وتعاطفا دوليا ملحوظا معه، ليبدو حينها حقا ان كلا المشروعين قد بات مؤهلا بما فيه الكفاية لإدراك حدود سقفه العليا وربمارالمطالبة بأكثر من ذلك، عدا ان الاثنين في نهاية المطاف استفاقا فجأة على صراع حقائب وفي جغرافيا محصورة ايضا .
فهل كانت تلك هي ضريبة التعلق طويلا بحبال الامل التي تحدث عنها احمد مطر؟
ـ ستة أعوام تحولت خلالها شرعية الرئيس هادي من صاحبة الكلمة الاولى في المشهد اليمني عامة الى مجرد فصيل وصوت سياسي شأنه شأن الاصوات الاخرى الباحثة عن استحقاق وحضور قادم.
ـ ثلاثة اعوام تحول خلالها المجلس الانتقالي من صاحب الكلمة الاولى في الداخل الجنوبي الى مجرد مكون سياسي شأنه شأن المكونات الاخرى الباحثة عن تمثيل رسمي او بضع حقائب وزارية يقنع بها جمهوره .
ـ (إستعادة الشرعية، فك الارتباط) لاجرم انهما العنونان الابرز للمشروعين اللذين تم تقطيعهما بدهاء على طاولة الملوك فيما كان الاولى محو عنوان الحرب الاستنزافية التي استحسنها الرعاة كما يبدو والعودة سريعا الى اولوية تقطيع اوصال مشروع الانقلاب الحوثي .
والحقيقة ان ما من وصف يمكنه تبيان ما حدث لحلفاء الداخل خلال فترة اعلانهم الولاء والطاعة للمغيث الاقليمي سوى انها كانت حقا أسوأ عملية غسيل إعلامي وتمييع سياسي تعرضت لها تلك الأطراف الحليفة عبر الالتفاف على قضاياها الجوهرية وجرها الى مستنقع صراع التفاصيل المصطنعة.
غدا يقف الحوثيون الانقلابيون امام طاولة المفاوضات أقوياء متماسكين فيما سيقف خصومهم الشرعيون المتناقضون ضعافا مهزوزين .
كيف تبدلت الموازين؟ ومن عبث بمعادلة الصراع حتى غدت الصورة اليوم مقلوبة ومختلفة عما كانت عليه قبل اعوام؟هل لعفوية الامل والارتماء الكامل في حضن الجار علاقة بذلك؟
ـ قامت الحرب المفروضة فشيعت على أثر ذلك قوافل الشهداء ونزف خلالها الآف الجرحى وقيل يومها أصمدوا ! فثمة عاصفة حزم من بعدها أمل.
ـ شردت جموع النازحين ودمرت كثيرا من القرى والمدن ونودي هنالك امل.
ـ انهار اقتصاد البلد بكامله وركعت عملتها واعمالها، فهيمن شبح الجوع والمرض وايضا عادوا ليحدثونا عن الامل.
ـ كنا قبلها نصف تحته ونصف فوقه واليوم بات الجميع تحت خط الفقر والعوز ومع ذلك لايزالون يهمسون بأذنك ! تمسك بالامل .
ـ مضت اعوام والناس تنتظر الموعود وجنة دبي الثانية وامست اليوم بلا كهرباء، بلا ماء، وحتى بلا ماوى؛ يالها من جرأة لازلت اسمع ترانيم الامل رفقة احاديث الدجل.
لقد ذبح الشعب بسكينة الامل وهو ينظر مستكينا جهة الشقيق الاكبر وزينبية الانقلاب يتبادلان الغزل .
(نحرت الدولة، هلكت الامة، عاش الامل).
تلك حقائق لم يعد بالامكان تجاوزها اليوم وقد تبين انها ايضا مخرجات الإيمان المطلق بديدن الزعماء والقادة العرب (ديدن وئد قضايا الشعوب العادلة بلا خجل) رحم الله احمد مطر.