كتب : قادري أحمد حيدر
*كلمة لا بد منها:
وجدت من المناسب بل والمفيد أن يكون المدخل في صورة فقرة أخصصها للدور التخريبي والتدميري للسعودية في اليمن .. الدور العدواني على قاعدة الضم والإلحاق التدريجي (على مراحل)للأرض اليمنية، والذي بدا باكراً في تاريخنا السياسي المعاصر، متوافقاً ومتزامناً مع الخطوات الأولى لصناعة مداميك الدولة السعودية، بدعم ومساعدة من الاستعمار البريطاني، وبعدها الإمريكي.
الدور السياسي- ولا أتحدث عن الوهابية كأيديولوجية تكفيرية – الذي تبدى معلنا عن نفسه مع مقولة، أو وصية مؤسس الدولة السعودية الملك عبدالعزيز لأبنائه وأحفاده “إن شركم وخيركم من اليمن”، أو في تعبير آخر حسب بعض المصادر التاريخية: “عز السعوديين في ذل اليمن، وذلهم في عز اليمنيين”، بما يعني أن تقدم وازدهار اليمن، شر ماحق لكم، وتدهوره – اليمن – وتخلفه واحترابه فيما بينه البين مصدر أساسي لقوتكم، ومن حينها والدور السعودي السلبي تجاه اليمن لم يتوقف حتى اللحظة.. دورهم في تعويق أي حركة لليمنيين للأمام.
ولذلك عنونتُ الموضوع بالعنوان التالي:
1-انقلابان للسعودية في اليمن:
أقصد بالانقلابين في العنوان المشار إليه، هو الدور السعودي في إفشال انقلاب 1948م – أو المساهمة السياسية واللوجستية الكبيرة في إفشاله – في المرحلة الإمامية (1) ودورهم السياسي في الإنقلاب على الحركة التصحيحية 13 يونيو 1974م، في صورة التآمر الأمني المباشر في اغتيال رمز الدولة / رئيس الجمهورية الشهيد ابراهيم محمد الحمدي.
وأنا هنا لن أغوص أو أدخل في تفاصيل خصوصيات، أو عموميات دورهم السياسي في الانقلابين، ولكن فقط للإشارة والتذكير، لأن الذكرى (الذاكرة) ضد النسيان كما هي في عقول البعض.. وكمقدمة وخلفية للدور السياسي التخريبي والتدميري للسعودية تجاه اليمن..، الدور الذي ما يزال مستمراً حتى اللحظة: من حروب عشرينيات القرن الماضي –ضد الأدارسة 1924م – لابتلاع واحتلال الأرض اليمنية، إلى حرب 1934م، إلى “اتفاقية الطائف” 1934م، إلى دورهم السياسي المعوق في انقلاب 1948م، إلى حربهم ضد ثورة 26 سبتمبر من 62-1970م، حتى الانقلاب المضاد على حركة 13 يونيو التصحيحية 1974م، حتى الحرب الجارية.
كل هذه عناوين سياسية كارثية لنا على المستوى الوطني كيمنيين، وليست مطروحة هنا للنقاش والبحث فيها، فذلك يحتاج إلى كتب مستقلة خاصة بكل عنوان منها .
إن ما يهمني ويعنيني في هذا الاستطراد العابر، ولكنه الضروري في هذا المقام، هو فقط للتذكير فحسب لمن يتمتعون بذاكرة مثقوبة. صحيح أن النسيان نعمة، ولكن ليس في هذا المقام والحال من القول الذي لا يحق بل ولا يجوز لنا فيه التسامح والنسيان.
إن المحطات السياسية التاريخية التي ألمحنا إليها لماماً من تاريخ التدخل، والعدوان السعودي على اليمن، كان – في تقديري- لا بد من التوطئة السريعة والعابرة له في ما احتوته السطور السابقة.
2-إنقلابان : الاتفاق، والاختلاف.
سأبدأ حديثي عن وحول الانقلابين في الإشارة إلى جوانب الاتفاق والاختلاف فيما بينهما، من خلال ذلك لإدراك حقيقة الدور السياسي السلبي (العدواني)، لنا كيمنيين.
إن الاتفاق والاختلاف بين انقلاب 1948م، والانقلاب الدموي المضاد على حركة 13 يونيو 1974م ، والدور السعودي فيهما تحديداً، يتمثل في النقاط التي سيتم إيرادها. ولا أدري، حقيقة، كيف داهمتني فكرة هذه المقاربة، أو المقارنة بين انقلاب 1948م على الإمام يحيى حميد الدين، وبين الانقلاب المضاد على حركة 13 يونيو 1974م، في 11 اكتوبر 1977م. فأين هو الاتفاق والاختلاف ، بين الانقلابيين، أو الحركتين؟ علماً أن هناك بعض الكتابات التي تتعاطى مع انقلاب 1948م، باعتباره اصطلاحياً “ثورة”. والمقاربة أو المقارنة بين الحركتين، لا تلغي خصوصية كل منهما، كما لا يتجاهل ويقفز على الفارق النوعي السياسي/ التاريخي بين الانقلابين أو الحركتين.
إن أول أوجه الاتفاق أن الحركتين / الانقلابين، جاءا ثمرة لتاريخ طويل من تراكم حالة الجمود والتحجر السياسي التاريخي، ومن تأخر زمن الإصلاح السياسي لقرون كانت البلاد فيه في حاجة ماسة للإصلاح والتغيير في المرحلة الإمامية، وبعد أن قطع انقلاب 5 نوفمير 1967م الطريق على إقامة الدولة الوطنية الحديثة، كثمرة ونتاج لثورة 26 سبتمبر 1962م ، وجاء الانقلاب السعودي/ المشائخي، في 11 اكتوبر 1977م ليستكمل طريق القطع العبثي مع تاريخ الاصلاح السياسي في بنية النظام الجمهوري الذي كان قد بدأت خطواته السياسية الأولى بحركة 13 يونيو 1974م، بقيادة الرئيس الشهيد/ إبراهيم الحمدي. وهذا هو وجه الاتفاق الأول بين الحركتين 1948م ، و13يونيو 1974.
أي أنهما معا: الانقلاب والحركة، كانا ينشدان الاصلاح السياسي من داخل بنية النظام القائم، وليس بالانقلاب الجذري عليه: الأول بالحفاظ على الإمامة لكن في صيغة سياسية دستورية، والثاني في الحفاظ على المضمون السياسي والاجتماعي والديمقراطي للجمهورية ، الذي جرى افراغه من مضمونه مع انقلاب 5 نوفمبر 1967م .
والأمر الآخر، أو الإتفاق الثاني: هو أن الجمود والتحجر السياسي والمعاندة التاريخية لأي اصلاح أو تغيير، واحتكار طبقة سياسية معينة، أسرة، أو جماعة، قد ضيق نطاق القاعدة الاجتماعية للحكم في كل منهما: الإمامة قبل الثورة، والمشيخة القبلية العسكرية، بعد انقلاب 5 نوفمبر 1967م، وصولاً للانقلاب المضاد على حركة 13 يونيو 1974م، مما أفرز وأنتج بالضرورة حالة صراعات داخل بنية طبقة الحكم في كل منهما، الإمامة و”الأطراف المعنية” حسب تعبير الأستاذ الشهيد/ محمد أحمد نعمان، بعد أن ظهرت بوادر الصراع في بنية نظام الحكم الإمامي (بيت الوزير وغيرها من الأسر الهاشمية).. ومن جانب آخر، بعد أن عجزت صيغة “المجلس الجمهوري” في أن تقدم حلاً سياسياً، ووطنياً، ولو بالحدود الدنيا لمشاكل البلاد المتراكمة. ومن هنا كان انقلاب 1948م، وحركة 13 يونيو، 1974، وخاصة بعد أن قدم الرموز السياسيون الفعليون، لـــِ5 نوفمبر 1967م أنفسهم كورثة للإمامة.
ومن هنا كان أو جاء الانقلابان كضرورة سياسية تاريخية، لتجاوز أو نفي ما كان، ومن هنا كذلك يأتي الاتفاق الثاني بين الانقلابين أو الانقلاب والحركة، كما صار متعارفاً عليه كاصطلاحين.
إن النموذجين الإمامي والجمهوري (الجمهورية القبلية)، مأساتهما أنهما لم يدركا الضرورة التاريخية للإصلاح والتغيير، معولان على قدراتهما الذاتية على معاندة التاريخ: الإمامة استمرت في فرض منطقها الخاص في حقها بالولاية (حق الهي)، وجاء رموز الجمهورية القبلية، ليطرحوا أنفسهم “كورثة جدد للإمامة” ، تغيير الإمام مع بقاء كامل منظومة الحكم كما هي، باستثناء الشكل الجمهوري للزينة، في صورة تثبيت وتكريس مشروعهم الخاص “دولة القبيلة”، في صيغة مذهبية/ طائفية ، هي استمرار متطور حديث، لما كان. وكأننا أمام إمامة جديدة ، تم فيها استبدال الإمامة بالمشيخة القبلية، جمهورية صباحاً، إمامية/ ملكية مساءاً، على قاعدة “إمام المذهب وإمام الذهب”. ومن هنا كانت الضرورة السياسية التاريخية لإعلان حركة 13 يونيو 1974م عن نفسها ، وهي الحركة السياسية الوطنية التي استدعت التدخل السعودي لفرض استمرار ما كان بقوة المال والدم.
ذلك هو ما جعل مشروع بناء الدولة خياراً مستحيلاً، أو مرحَّلاً إلى زمن مجهول. وليست الحرب الجارية من أحد وجوهها سوى واحدة من تمظهرات تلك المقدمات التي تشكل جوهر مما أسميه “المشكلة اليمنية” المستدامة بالانقلابات والحروب الاعتباطية والعبثية طيلة عقود، إن لم أقل قرون، وهو الاتفاق الثالث.
إن انقلاب 1948م، وحركة 13 يونيو 1974م كلاهما، كان يحملان هم الاصلاح والتجديد في قمة البناء السياسي السلطوي، على طريق إحداث تعديلات وتغييرات لا تقبل التأجيل ، على طريق بناء دولة شبه “ملكية دستورية”، في حالة انقلاب 1948م أو هي خطوة في هذا الاتجاه، وهو ما رأينا بعض ملامحها الجنينية، وإن جاءت على استحياء في بعض نصوص “الميثاق الوطني المقدس”، وبهدف توسيع دائرة أو قاعدة الحكم في نطاق الأسرة الواسعة وحلفائهم من القوى السياسية الاجتماعية الجديدة (رموز حركة الأحرار اليمنيين)، وكحل وخيار سياسي وحيد (استثنائي) كخطوة أولى لمعالجة “المشكلة اليمنية”. ولو لم تساهم السعودية في قطع الطريق على انقلاب 1948م، وتعويق نجاحه، وتسهيل مهمة إفشاله، لكان – في تقديري – حال اليمن أفضل، ولرأينا بعض الاصلاحات النسبية ولو المحدودة في البنية الفوقية للنظام الإمامي، ولما كنا نشهد “مصرع الإبتسامة”، حسب تعبير الشاعر/ محمد محمود الزبيري. ذلك أن العودة القهقرى لم تكن ممكنة وسهلة بتلك الصورة الدامية والوحشية “الدارماتيكية” التي رأيناها في صورة الإعدامات الواسعة لرجال الأحرار، دون المساهمة السعودية في دعم إفشال الانقلاب خوفاً من انتقال العدوى الانقلابية إليها.. ونفس الأمر ينطبق وبصورة أوضح وأعمق في الانقلاب الدموي الذي تم على حركة 13 يونيو 1974م. وهنا نرى ونقرأ الاتفاق الرابع.
وفي كلتي الحركتين 1948م و13 يونيو 1974م، ستجد أن الطرف السعودي كان حاضراً ، وفاعلاً أساسياً في إجهاضهما، لإدراكه أن شبه الملكية الدستورية، بل ومجرد الحديث عن الدستور، أو أي اصلاح سياسي في بنية النظام الإمامي، بقدر ما كان يزعج بيت حميد الدين، فإنه وبالقدر نفسه كان يخيف ولا يخدم مصالح السعودية السياسية والتاريخية، مع ملكية ولدت وبصورة اصطناعية، ملكية ناشئة بدون تقاليد ملكية، أو هي ملكية وجدت من العدم، وكل قوتها مستمدة من إرتباطها وتوحدها بالمشروع السياسي الاستعماري(الراسمالي)، البريطاني في البداية والأمريكي بعد ذلك.
وهو ذات الدور السياسي العدواني والتخريبي، بل والإجرامي في تدبيرهم الانقلاب المضاد على حركة 13 يوينو 1974م، وخاصة حين تأكد للسعودية بالملموس ، الخطوات السياسية الجدية لمجلس القيادة لحركة 13 يونيو ليس في التوجه نحو بناء الدولة الوطنية الحديثة المستقلة، بل وفي التنسيق السياسي على طريق إقامة الوحدة اليمنية مع الدولة في جنوب اليمن.
ومن هنا كان التنسيق السريع مع ورثة الإمامة الجدد (رموز المشيخة القبلية/ والعكفة الجدد)، على تدبير عملية الانقلاب في البدء باغتيال رئيس الدولة وهو الاتفاق الخامس.
ذلك أن هناك قضيتين تؤرقان السعودية تجاه اليمن: الأولى : قضية دولة وطنية حديثة وقوية. ولذلك ظلت السعودية تدعم الوجود القبلي المستقل في صورة زعماء المشايخ، وتدعيم مراكز القوى السياسية والاجتماعية والعسكرية في البلاد على حساب وجود قيام الدولة الوطنية الحديثة . ومن هنا حرصها على عدم قيام علاقة ندية بين دولتين :اليمن، والسعودية، فقد استمرت السعودية تدير علاقتها باليمن عبر”اللجنة السعودية الخاصة”، ومن خلال مراكز القوى القبلية/ المشيخية، والعسكرية، والتعاطي معها كند للدولة اليمنية المحتملة، وفقا لمصالحها.
والثانية: العداء السعودي الصريح لقيام دولة وطنية يمنية موحدة تجمع شطري البلاد، ولذلك وقفت ضد خيار الوحدة، وتدعيمها لجميع مبادرات الانفصال قديماً، وحديثاً، وفي صورة ما يجري اليوم.
أما الاختلاف بين الانقلابين فيتمثل في أمر واحد وأساسي، فعلى الرغم من أن حركة 13 يونيو 1974م، هي حركة سياسية بقيادة عسكرية (ضباط كبار)، إلا أن الانقلاب تميز بالطابع السياسي السلمي، فلم ترق قطرة دم واحدة على طريق إنجاح الإنقلاب السياسي، الذي لم يتدخل فيه البعد العسكري نهائياً حتى في المراحل اللاحقة لنجاح الانقلاب. والسبب أن المجتمع، وجزءاً هاماً من الطبقة السياسية كانت لديهم رغبة دفينة مكبوتة في ضرورة إحداث إصلاحات سياسية جدية وحقيقية في بنية النظام الذي عجز من بعد الانقلاب النوفمبري 1967م، في إحداث أو إنجاز أي اصلاحات أو تغييرات ولو بسيطة حقيقية في بنية النظام السياسي المتحجرة، بعد أن هيمنت القوى السياسية الاجتماعية التقليدية المتخلفة “الماضوية”، على الحكم وقطعت الطريق أمام بناء دولة وطنية حديثة. هذا، بعد أن تفشت ظاهرة مراكز القوى العسكرية والقبلية ، والأمنية المختلفة في كل البلاد، وعمت الفوضى، وغابت هيبة الدولة، وصار الفساد السياسي والمالي الإداري هو العنوان البارز للنظام. والأخطر هو إرتهان البلاد لمشيئة القوى الخارجية بصورة كلية، وفقدان البلاد لقرارها السياسي والوطني على كافة المستويات. ومن هنا جاء الاستعداد السياسي والشعبي والوطني للتعاطي الإيجابي مع حركة 13 يونيو 1974م ، بالاستقبال الطيب لها من جميع أطراف المعادلة السياسية في البلاد –إذا استثنينا بعض القوى التقليدية – ، ومن معظم رموز وقوى المجتمع الواسعة التي وجدت ورأت في الحركة فسحة أمل، في رؤية شيء جديد مغاير لما كان طيلة فترة نوفمبر 1967م يونيو 1974م. ومن نتائج الحركة جرى إزاحة مراكز القوى القبلية، والعسكرية بطريقة سلسة، وبعيدة عن العنف. والأهم، أن القيادة السياسية (مجلس القيادة) تعامل بروح المسؤولية السياسية والوطنية ، مع رئيس الدولة السابق القاضي العلامة/ الرئيس عبدالرحمن الإرياني، حيث تم التعامل معه كرئيس دولة في الاستقبال والتوديع ، ومع غيره من الرموز السياسية لتلك المرحلة .
لقد تأكد بداية التوجه السياسي الجدي – ولو بحذر أو عدم ثقة كاملة – في الانفتاح على الفضاء السياسي الوطني الذي كان قائماً حيث دخلت أطراف / أسماء عديدة مشاركة في قلب قيادة النظام السياسي الجديد في رأس (مجلس القيادة)، وفي تشكيلة الحكومة، حيث دخلت في تشكيلة الحكومة رموز سياسية محسوبة على الحركة السياسية الديمقراطية في البلاد. ومن هنا الخوف السعودي من مصير ومستقبل اليمن في حال السماح باستمرار مثل ذلك النهج السياسي، الذي قد يعني خروجاً كلياً للنظام في صنعاء من قبضة الهيمنة السعودية. ومن هنا أيضاً اتسام الانقلاب المضاد على حركة يونيو 1974م بذلك العنف والوحشية كما رأينا. أما انقلاب 1948، فقد بدأ خطواته باغتيال رأس النظام الإمامي، (وهو ما عارضه الاستاذ النعمان) لأنه في تقديري لم يكن من أصل خطة الانقلاب كما رسمها الأحرار، في صورة إغتيال إمام طاعن في السن، على عتبة الثمانيين من عمره، ودون تمهيد سياسي وأيديولوجي. وقد رافق وصاحب ذلك حالة اضطراب في الرؤية العسكرية للإنقلاب، ولما بعد الانقلاب ، والذي جوبه بمقاومة قبلية مسلحة من قبائل “طوق صنعاء”، بعد أن أعلن ولي العهد أحمد، ترك صنعاء نهباً للقبائل المسلحة. هذا، مع أن الظروف الموضوعية كانت متوفرة لقيام الانقلاب ، بل وحتى لاحتمالية نجاحه.
مع أن من يقف خلف الانقلاب من الناحية الحزبية والسياسية، هم رموز وقوى حركة المعارضة المدنيين، بقيادة الأحرار اليمنيين ، وبالتنسيق مع بيت الوزير، وبعض الأسر الداعمة للإنقلاب (سادة، وقضاة، عسكرين). وهنا يكون أول إختلاف جوهري بين الانقلابين.
وفي الانقلابين –وما قبلها وما بعدهما – ستجد الهراوة السعودية، حاضرة وفاعلة ومشاركة في كل ما يطال اليمن من دمار وخراب ، وصولاً إلى ما يجرى اليوم، دون تجاهل أو اغفال دور أعوانها في الداخل ، أو دور العوامل الداخلية المساعدة لها في اختزاق داخلنا ، وفي تسهيل تمرير مشاريعها العدوانية ضدنا، فالحبة –كما يقولون- لا تؤكل إلاَّ من داخلها.
خلاصة القول،وصفوت الحل :
علينا كيمنين أن ندرك ونفهم إن السعودية، أضعف بكثير مما يتصوره البعض وليست مؤهلة حتى لقيادة نفسها،ناهيك عن قيادة المنطقة العربية،فالمال(النفط)،لايصنع قيادة، ولادور تاريخي..إن قوتها في تفككنا وضعفنا، وفي احترابنا الداخلي،يكفي عبرة ودرس لذلك، انتصارنا العظيم في حرب السبعين يوما،يكفي عبرة ودرسا،السنوات الثلاث وعدة اشهر لفترة الحمدي التي قطعت من قبل السعودية، والقوى الرجعية المتخلفة في داخلنا، بالدم والقتل، لتقول لنا من نحن وماذا يمكننا أن نفعل ونقدم لانفسنا وللمنطقة، وللعالم من حولنا.
والعبرة الاخطر هي حرب الخمس السنوات الماضية،التي لانريد الالتفات لها ، من زاوية تحليلية مختلفة، فقط لاستخلاص الدروس والعبر،وهي الحرب التي دخلتها السعودية تحت شعار العزم والحزم،وتحت غطاء استعادة الدولة،وكل ما تمكنت منه ليس سوى تدمير البنية التحتية الإستراتيجية للبلاد ،وتدمير واضعاف الانسان،ولاشيئ من أهدافهم المعلنة،ووضعنا كيمنين على حافة هاوية احتلالات متعددة، (داخلية،وخارجية)،وعلى شفير التدمير والتمزق إلى جملة من ،الدويلات القزمة التي تحركها وتتحكم هي بها مع حليفها الإماراتي .
اليمن برجاله، وارضه، وتاريخه،قوة جيوسياسية/استراتيجية،ممنوعة من الصرف، أي ممنوع استثمار تلك القوة، وجعلها دائما في حالة جمود وكمون في واقع الممارسة الواقعية،وهو ما يقوله الدور السعودي ،منذ أولى خطوات اقتضامه للارض اليمنية،من تسعين سنة .
هل نعي ونستوعب الدرس؟
هل ندرك مما كان مصادر ومكامن قوتنا لنذهب معا باتجاه خلق وبناء الدولة الوطنية المدنية الديمقراطية الحديثة والموحدة ؟ على قاعدة دولة المواطنة والمساواة والحقوق .
حينها فقط سنتمكن من قطع سيل دابر الانقلابات والتدخلات السعودية في شئوننا كيمنين .
البداية عندنا وفينا،في داخلنا،في وحدتنا،على قاعدة الإقرار بالتعدد والتنوع، والحق في الاختلاف .
من هنا نبدأ كما قالها،خالد محمد خالد.
والسؤال العملي متى نبدأ؟
هوامش:
1-يشير عبدالله الشماحي في كتابه “اليمن: الإنسان والحضارة”، إلى الدور السعودي في إفشال إنقلاب 1948، ودعمهم السياسي والمالي واللوجستي للسيف أحمد ولي العهد حين أمر أمير جيزان بضرورة نجدة (ولي العهد أحمد) وتزويده بكل ما يطلب، مشيراً إلى أنه لم يصل “السيف” أحمد إلى حجة ويستقر بها “إلاَّ وأرسل إليه أمير جيزان بأوائل النجدة، ذخيرة ومالاً وجهاز لاسلكي” مرفقة برسالة من الملك عبدالعزيز مؤكداً ومعلنا له بالمؤازة وحاثا له على خوض المعركة في استبسال موعداً إياه بالمساعدة إلى آخر نفس وريال”(ص250). مع العلم أن عداء المملكة السعودية لملوك اليمن بلا حدود، أي أن العلاقة بينهما ليست طيبة وغير ودية، ومع ذلك ساهمت المملكة السعودية بدور أساسي في اسقاط إنقلاب 1948م . ورسالة السيف أحمد بن يحيى حميد الدين إلى الملك السعودي قائلاً له “الأحرار خطر على العروش والملوك” أنظر ، حميد شحرة “مصرع الابتسامة” ، (ص158)، نقلاً عن كتاب القاضي عبدالله الشماحي (اليمن: الإنسان والحضارة)