كتب : محمد علي محسن
احيانًا اتعمَّد نشر ما يعتبره البعض مستفزًا وموجهًا ضدهم ، فيما آخرون يتعاطون مع تلك الأخبار أو وجهات النظر بكونها كتابات مغردة بعيدا ، أو أنها ملغومة بمضامين لا يجوز نشرها في ظرفية حرجة كهذه .
وايًا يكن موقف هذا أو ذاك مما ينشر ، فينبغي أن نتعلم آداب الاختلاف ، مهما كانت الظروف قاسية أو مؤلمة ، فمثلاً هناك من يقول لك : لا داعي لنشر هذه الأخبار أو الآراء ؛ لأنها من وجهة نظره تؤثر على معنويات وعزائم المقاتلين في جبهات القتال .
حسناً ، إذاعة صوت العرب قبل وأثناء حرب ٥ حزيران ١٩٦٧م ، ظلَّت توهم الشعب العربي بانتصارات ساحقة ضد إسرائيل ، فمن كثرة البيانات العسكرية وارقامها ظنَّ المستمع أن فلسطين تحررت ، وان الدولة الصهيونية فص ملح وذاب في مياه المتوسط .
لكن ما اخفاه هدير المذيع الشهير احمد سعيد ، تجلى مكشوفاً وعارياً ، إذ كانت القوات الإسرائيلية ابتعلت شبه قارة سيناء ، ووصلت لضفة قناة السويس في خمسة أيام .
وبالمقابل لم تتوقف الحريات الصحافية ، أو الانتخابات البرلمانية في اسرائيل ، بدعوى مواجهة جيوش العرب ، فلم اعلم يوماً بتأجيل الحكومات الإسرائيلية لأي انتخابات محلية أو نيابية وطوال سبعة عقود .
ومثال آخر ، حدث في بريطانيا إبَّان الحرب الكونية الثانية،فبينما كان ونستون تشرشل ، رئيس الحكومة مختبئاً في سرداب من قنابل الطيران الألماني ، عرض عليه وزير الحربية حكماً من المحكمة .
طبعا الوزير ربما كان ينتظر من تشرشل وقفاً للحكم والقاضي الذي لم يعط اي اعتبار بكون بلده ” بريطانيا ” في حالة حرب ، ويفترض به أن لا يُحكم بإزالة المطار الحربي وبتعويض السكان الشاكين ..
لكن ونستون الرجل الداهية له وجهة نظر مغايرة ، قرأ الحكم وابتسم ابتسامة عريضة وقال : سننتصر على النازية ، وعلى آلتها الحربية ، ما بقيت العدالة في بلادنا منتصرة وفي اشد الأحوال رهبة وقسوة ..
وعلى العكس من ذلك كان اعلام ادولف هتلر قد أخذ ألباب البشر نتيجة الانتصارات الساحقة ، خاصة مع وصول طلائع الألمان الى تخوم العاصمة الروسية ” موسكو ” شرقاً ، وصحراء شمال افريقيا جنوباً .
وبرغم اجتياح الألمان لمعظم أوروبا ، إلَّا أن النازية هُزمت وسُحقت في عقر دارها ” برلين ” فلم تنفعها العقيدة النازية العنصرية أو هالة الكذب وصاحبه الوزير” جوبلز ” القائل : اكذب ، ثم اكذب ، ثم اكذب ، حتى يصدقك الناس ” .
الكذب ربما أفلح لبعض الوقت ، وليس لكل الوقت ،ومثلما قيل انك قد تستطيع الكذب على بعض الناس ولبعض الوقت ، لكنك لن تستطيع الكذب لكل الوقت وعلى كل الناس .
لا تصدقوا أن الجماعة الحوثية يمكنها السيطرة على كل اليمن ولكل الوقت ، وبذات العقيدة الملوثة والشعار المضلل لملايين اليمنيين ” الموت لأمريكا .. الموت لاسرائيل ” .
وقد قيل بأن الكذَّاب والدجَّال والمُتملِّق يعيشون على حساب من يصغي إليهم ، وعليه لا خوف مما ينشر وان كان صادماً ومستفزاً ، فالخوف الحقيقي مكمنه العيش في الوهم أو الكذب .
فليس هناك أسوأ من التضليل الإعلامي على المجتمعات ، ومن يظنُّ أن الجبهة الداخلية تكون محصنة باشاعة الكذب والتضليل فهو غلطان ، والايام كفيلة باثبات حقيقة أن الانتصار وهزيمة الخصم لا تكون بغير شفافية وغاية عادلة وبمشاركة المجتمعات المعلومة الصحيحة والمسؤولة .
الحوثية لا تختلف كثيرًا عن أي حركة نازية أو فاشية أو كهنوتية ، واذا قدر لها الكذب على اتباع جهله وبطون خاوية ، فذاك لا يعني مجاراتها بعقيدة عنصرية ملوثة أو إعلام دوغماتي يفتقر لمعلومة صادقة أو غاية وطنية حقَّه .