كريتر نت – متابعات
تعد تقنيات الشاشات من المكونات الأساسية في العديد من الصناعات الحيوية وتشهد هذه السوق العالمية تزايدا في النفوذ الصيني، ما يسلط الضوء على تحولات كبرى في سلاسل الإمداد والتكنولوجيا المتقدمة.
وقال الباحث مارك مونتغمري، مدير مركز الابتكار السيبراني والتقني في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، والباحث كريغ سينغلتون، مدير أول برنامج الصين في المؤسسة نفسها ودبلوماسي أميركي سابق، في تقرير نشرته مجلة ناشونيال إنتريست الأميركية إن هيمنة الصين في تقنيات الشاشات تشكل تهديدا خطيرا للأمن القومي، ما يستدعي تحركا عاجلا من الولايات المتحدة لتأمين سلاسل الإمداد.
وفي الشهر الماضي، كشف خبراء طاقة أميركيون عن وجود أجهزة إرسال خلوية مخفية داخل محولات طاقة شمسية صينية الصنع، وهي مكونات حيوية تربط بين الألواح الشمسية والبطاريات وشواحن المركبات الكهربائية بالشبكة الكهربائية. هذه الأجهزة الخارجة عن السيطرة تتجاوز أنظمة الحماية المثبتة، ما يمنح الصين على الأرجح “مفتاح قتل” سري يمكنه تعطيل أجزاء من البنية التحتية للطاقة الأميركية.
ومع إنتاج الصين الآن لأكثر من 70 في المئة من شاشات العرض في العالم وتصدرها للإنتاج في مجال شاشات “أو إل إي دي”، فإن كل شاشة صينية في أنظمة التحكم وعرض البيانات، من شاشات خوذ الطيارين المقاتلين إلى شاشات السونار في الغواصات، تواجه خطرا مماثلا بتعطيل غير معلن من خلال باب خلفي.
وتماما كما استخدمت الشركات الصينية تمويلا ضخما مدعوما من الدولة لإغراق الأسواق الدفاعية العالمية بطائرات مسيّرة وبطاريات رخيصة، ضخت بكين المليارات من الدولارات في شكل دعم حكومي وإعفاءات ضريبية وقروض منخفضة التكلفة لبناء أكبر مصانع شاشات عرض في العالم.
ومكنت هذه الاستثمارات الصين من الاستحواذ على صناعة تبلغ قيمتها 182 مليار دولار، من المتوقع أن تتضاعف بحلول عام 2034، ما أدى إلى خفض أسعار اللوحات إلى مستويات متدنية للغاية بحيث لم يعد بإمكان أيّ منافس أميركي أو أيّ من الدول الحليفة دخول السوق بشكل له جدوى.
واليوم، تنفق وزارة الدفاع الأميركية أكثر من 300 مليون دولار سنويا على شاشات العرض الحيوية للمهام، وهو رقم مرشح ليتجاوز 600 مليون دولار بحلول عام 2034. ومع اختفاء الموردين غير الصينيين تقريبا، أصبحت سلاسل إمداد الشاشات العالمية، بما في ذلك تلك التي تدعم الأنظمة الدفاعية الأميركية ، معرضة لخطر أن تصبح رهينة لأهواء بكين الإستراتيجية في المستقبل.
ويقول الباحثان إن المشكلة هي أن الشاشات في الحروب الحديثة باتت ضرورية مثل الذخيرة.
فمراكز المعلومات القتالية البحرية، وأبراج مراقبة الملاحة الجوية الدولية، ومراكز القيادة المتنقلة في الميدان، ووحدات العناية المركزة في مستشفيات الطوارئ، جميعها تعتمد على شاشات العرض، والكثير منها مصنع أو مصدّر من الصين.
وتشكل الشاشات أيضا العمود الفقري لأجهزة الرؤية الليلية من الجيل الجديد، وشاشات الخوذ المثبتة، ومخططي المهام المحمولة، ما يعني أن الاعتماد على شاشات صينية في هذه الأنظمة قد يعرض المشغلين الأفراد لخطر انقطاع مفاجئ.
وقد يكون من الصعب تخيل مدى ما يمكن أن تفعله بكين، لكن واشنطن يجب أن تستعد لأسوأ السيناريوهات.
ففي أوقات الأزمات أو التوترات المتصاعدة، يمكن للصين أن تدفع تحديثات خبيثة عبر الهواء تتسبب في تعطيل الشاشات المتصلة بالإنترنت، أو تجميد شاشات قمرة القيادة أثناء الطيران، أو تعطيل الشاشات الحيوية في مناطق القتال.
وحتى الأعطال المتقطعة يمكن أن تقوض ثقة القادة بهذه الأنظمة، ما قد يمنعهم من اتخاذ قرارات حاسمة في لحظات مفصلية.
ويمكن تطبيق الشيء نفسه على الشاشات المستخدمة في مراقبة وتشغيل البنى التحتية الحيوية مثل شبكات الكهرباء وأنظمة المياه والسكك الحديدية والمطارات.
ورغم أن هذه السيناريوهات تبدو متطرفة، فإنها تؤكد لماذا لا يمكن اعتبار أمن الشاشات مسألة ثانوية بعد الآن.
وحتى في غياب الأبواب الخلفية، فإن هيمنة بكين على سوق الشاشات وسلاسل الإمداد المرتبطة بها تعد ثغرة في الأمن القومي.
فالشركات الصينية المدعومة والمسيطر عليها من قبل الدولة، مثل “بي أو إي” و”سي إس أو تي” و”إتش كي سي”، تهيمن على تصنيع لوحات الشاشات،
كما تسيطر الصين على المدخلات الحيوية في صناعة الشاشات، من الزجاج المتخصص وأكسيد الإنديوم القصديري إلى الفوسفورات الأرضية النادرة والغازات المتخصصة.
وسبق أن حولت بكين مثل هذه التبعيات إلى سلاح.
ففي عام 2010، أوقفت فجأة صادرات العناصر الأرضية النادرة إلى اليابان، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار العالمية واندلاع أزمة دبلوماسية.
وفي أبريل الماضي، وفي ظل تصاعد الحرب التجارية مع واشنطن، أعلنت الصين قيودا على تصدير مغناطيسات النيوديميوم، الضرورية لصناعة السيارات والدفاع الأميركية، ما أجبر خطوط إنتاج أميركية على التوقف.
وفي مارس حظرت تصدير الجاليوم إلى الولايات المتحدة، وهو معدن أساسي في أجهزة الرادار التي تتعقب الصواريخ الفرط صوتية.
وبدأ بعض أعضاء الكونغرس بالفعل في قرع ناقوس الخطر. ففي خريف العام الماضي، كتب النائب جون مولينار (جمهوري عن ولاية ميشيغان)، رئيس اللجنة المختارة في مجلس النواب الخاصة بالحزب الشيوعي الصيني، رسالة إلى وزير الدفاع حينها لويد أوستن، حذر فيها من أن هيمنة الصين على صناعة الشاشات العالمية تشكل تهديدا واضحا للأمن القومي.
ودعا مولينار وزارة الدفاع إلى التحقيق في علاقات محتملة بين كبرى شركات تصنيع الشاشات الصينية وجيش التحرير الشعبي، والنظر في تصنيفها كشركات عسكرية صينية ضمن القائمة “إتش 1260” الخاصة بالبنتاغون، والتي تحظر التعاقد مع تلك الشركات.
وعلى وزير الدفاع الجديد بيت هيجسث أن يتخذ إجراءات طال انتظارها بشأن هذه الرسالة.
ويقول الباحثان إنه يمكن فعل المزيد. فعلى وزارة التجارة الأميركية تقييم كبرى شركات تصنيع الشاشات الصينية للنظر في إدراجها ضمن قائمة الكيانات، ما يؤدي إلى قطع نقل التكنولوجيا الأميركية الحيوية ومبيعات المعدات لتلك الشركات.
وفي الوقت ذاته، يمكن لمكتب الممثل التجاري الأميركي إطلاق تحقيق بموجب المادة 301 بشأن الممارسات التجارية غير العادلة، أو يمكن لوزارة التجارة إطلاق تحقيق بموجب المادة 232 الخاصة بالأمن القومي ضد شاشات وأجزاء الشاشات الصينية، ما يمهد الطريق لفرض رسوم جمركية انتقائية.
ويرى الباحثان أن هذه الإجراءات المتكاملة على مستوى الحكومة سترسل رسالة واضحة مفادها أن الولايات المتحدة لن تتسامح بعد الآن مع تبعيات إستراتيجية تتخفى في شكل “سلع استهلاكية رخيصة،” وستوفر هامشا حاسما من الوقت لصالح الموردين الموثوقين في قطاع الدفاع.
وعلى المدى البعيد، يجب على الولايات المتحدة إطلاق نهضة صناعية محلية وتحالفية لإنتاج الشاشات من أجل استعادة السيطرة على سلاسل الإمداد الدفاعية.
وهذا يتطلب تهيئة بيئة تنافسية عادلة. ويمكن للكونغرس القيام بذلك عبر تمديد الحوافز الضريبية الموجهة وغيرها من الحوافز لإعادة توطين صناعة الشاشات داخل الولايات المتحدة.
كما يتطلب الأمر فرض سياسة “الشراكة الموثوقة” في مجالي الدفاع والبنية التحتية الحيوية، وتوجيه المشتريات إلى شركاء موثوقين تضررت صناعاتهم بسبب ممارسات بكين المدعومة من الدولة.
وإذا نفذت هذه الخطوات بالشكل الصحيح، فإنها ستسهم في بناء نظام بيئي قوي ومتنوع لشاشات العرض يتفوق على الصين.
وفي نهاية المطاف، ومع احتدام المنافسة بين القوى العظمى، آن الأوان للتعامل مع الشاشات ليس كسلع استهلاكية، بل كأصول إستراتيجية، لأنه حين تظلم الشاشات، قد تكون المعركة قد حسمت بالفعل.