كتب : محمد الثريا
سلمت الشرعية اليمنية أمرها للخارج منذ وقت مبكر من حقبة الحرب التي لازالت رحاها دائرة حتى اللحظة فكان بديهيا حينها ان تقع تلك الشرعية بكامل طيفها فريسة للتجاذبات الاقليمية والدولية وان تتحول الى مجرد أداة لضمان مصالح داعمي طيفها المتآكل ذاك.
والنتيجة ان لازال البلد عامة (جغرافيا وانسان)يعيش حالا مآساويا وكارثيا بحق.
ففي الوقت الذي تلقى فيه جغرافيا الشمال سلخا تاريخيا وتجريدا ايديولوجيا ممنهجا لهويتها ودثارها الجمهوري على يد جماعة كهنوتية تدين هي الاخرى بالولاء والتبعية المطلقة لراعيها الاقليمي تقف شرعية البلد المنقلب عليها موقف المتفرج بل والمسلم بهكذا حال، ولاضير هنا كما يبدو لدى القيادات الشرعية في الذهاب نحو اختلاق معارك جانبية تسخينا للمشهد وهروبا من وصمة الفشل بدلا من حسم معركتهم الاساس ودحر الانقلاب (حجة الحرب).
وللانصاف حقيقة ! يظل السؤال حول هكذا تبدل في قواعد الصراع حائرا هنا في توجيهه الى قيادات الشرعية ام الى ممولها وداعمها الاقليمي؟!!
في الجانب الاخر سيبدو ان عجز القوى الجنوبية المترهلة حينها وحالة العدم السياسي الناجمة عن ذلكم العجز والغياب قد شكل سببا مباشرا في سير تلك القوى بنفس خطى الشرعية اليمنية.
بدا ذلك واضحا عقب تحرير عدن عام 2015م حينما ظهرت المقاومة الجنوبية كجسد عسكري منتصر لكنه مشتت كثيرا ويبحث عن رأسه السياسي الضائع.
فكان بديهيا هنا ايضا ان يبدو خيار الاندفاع كليا نحو الحليف الخارجي القادم بقوة طالما انه يمتلك قناعات سياسية مقبولة تتقاطع احيانا مع توجهات تلك القوى وتعزز امكانية اعادة انتاج خطابها السياسي كقوة تستحق تسيد الساحة الجنوبية كخيار جيد يجنبها معاكسة طوفان رغبة الحليف والمغادرة من بوابة تهديد الامن القومي للجار .
ومجددا سيتكرر خطاء حرف البوصلة الذي وقعت به الشرعية حينما تتبنى تلك القوى الجنوبية الحديث عن مزاعم شراكتها مع الحليف واولوية تحقيق اهداف التحالف قبل كل شيئ فيما سيبدو منطقيا هنا ان اولوية انقاذ شعبها المطحون برحى الموت والمرض والجوع هي الاولى فضلا عن تدارك خطر أضمحلال ثقة الشارع بها خصوصا اذا ما تجاهلت اعادة ترتيب سلم اولوليتها فترة اطول.
عزيزي القارئ ان إدراكك عميقا للخلفية التي تحدثنا عنها توا إلى جانب استنباطك جيدا لمغزى احداثها المتسلسلة سيكون كفيلا جدا في فهمك لكثير من طلاسم وخفايا التبعية الكاملة والمستغربة التي يلمسها المتابع اليوم اثناء محاولة قراءته لأداء ودور الاطراف المحلية في تعاطيها مع الازمة والصراع القائم بينها وبخاصة الصراع الحاصل اليوم في الجنوب المحرر .
لقد تمكنت القوى الاقليمية الوصية فعلا من إفراغ الساحة الجنوبية سياسيا قبل ان تحولها لاحقا الى حلبة صراعات عسكرية متعددة وبعناوين مبهمة.
لذا ليس خطاء الحديث عن إرتهان القرار الذاتي لقوى الداخل المتصارعة وانها قد باتت حقا تلعب دور الأداة المنفذة فقط وان لا مجال بات ممكنا في الجزم بانها لازالت تمتلك دور اللاعب السياسي الحقيقي والمستقل او حتى على الاقل احتفاظها ولو بجزء يسير من امكانات ذلك الدور المفترض .
إذ لم يعد خافيا على أحد اليوم الشعور بمدى عجز تلك الاطراف وعدم قدرتها في تقديم ما يتوجب تجاه حاضنتها الشعبية التي ترزح منذ مدة تحت وقع الجائحة المميتة وتدهور احوالها المعيشية دونما مغيث.
بالفعل ان ما يطفو على السطح السياسي الجنوبي اليوم ليس الا ادوات سياسية ولا حقيقة لوجود لاعبين سياسيين بالمعنى الحقيقي للكلمة .
وهي بالمناسبة تظل نتيجة طبيعية وهدفا استراتيجيا سعت له اللجنة الخاصة المكلفة بادارة الملف اليمني ضمن خطة واجندات وضعت منذ بداية اللعبة السياسية هذه، فيما تكفلت اللجنة الرباعية خلالها بمهمة الاشراف والتسويق الدولي لجميع احداثها المتعاقبة . بمعنى ان كل ما حدث ويحدث لم يكن إفرازا طارئا خلفته معطيات مستجدة وآنية كالتي تشهدها الساحة الجنوبية اليوم مثلا .بالعكس تماما فنحن نرى ان كل ما يجري اليوم انما يسير وفق رؤية مدروسة مسبقا تندرج ضمن بنود عقد التفاهمات الاقليمية والدولية المتعلقة بكيفية إدارة الازمة اليمنية والتزام اطراف ذلك العقد بمبدأ حفظ المصالح المشتركة .
فخ المنحدرات السياسية الذي لازال يقع فيه الجميع والذي لطالما كان يؤدي بالنهاية الى مواجهات عسكرية دامية اضرت فعلا بمستوى الثقة التي يحظى بها كل طرف بداخل حاضنته الشعبية إنما يؤكد بشكل قاطع ان أولى خطوات الإفراغ السياسي التي تعرضت لها تلك الاطراف المحلية كان حسب بند خلخلة العلاقة بين المكون السياسي والحاضنة المجتمعية له .
واظن هنا ان لا خلاف في مدى الصعوبة التي سيواجهها المجلس الانتقالي مثلا كطرف ند في الجنوب حال أتى الحديث عن احتفاظه بقدرة التحشيد وإمكانية تسيير المليونيات داخل عدن او غيرها كما كان سابقا وخصوصا بعد المستجدات الاخيرة بإستنثناء عائق الوباء والاحترازات الواجبة تجاهه طبعا.
لن اتحدث عن قدرات طرف الشرعية بهذا الجانب فهي منعدمة أصلا منذ بداية عودتها الى عدن وما قبل ذلك حتى .
إذن وبلا شك سيتبين للجميع هنا فعلا مدى حجم الضرر والتحول السياسي السلبي الذي لحق بتلك الاطراف خلال الاعوام الاخيرة فقط.
للاشارة فقط ! وعند تمعنك عميقا في حقيقة المعطيين الاخيرين وهما معطى قرار الادارة الذاتية الذي أوعز للمجلس الانتقالي إتخاذه والذي تبين انه كان قرارا مستهلكا وشكليا اكثر منه عمليا وذو أثر ملموس وكذا معطى غض الطرف الاقليمي عن تصرف الشرعية في اختلاق معارك شقرة الاخيرة وهما بالمناسبة معطيان دخيلان ويتجاوزان بوضوح اتفاق الرياض ورغبة رعاته سنجد انهما في حقيقة الامر ليسا سوى منحدرين آخرين يؤكدان النية المبيتة لدى صانعهما في اضعاف وافراغ جميع اطراف الداخل الجنوبي سياسيا وشعبيا في سبيل غايات اكبر تتعلق بضمان مصالحه في هذه الجغرافيا الهامة.
يجب التأكيد ان من توانى طيلة اعوام عن التزاماته المفترضة في استنهاض مؤسسات الدولة والمساعدة في انتشال الشعب من مستنقع الفساد وعبث الخدمات قطعا لم يبعث بمنحة نفطية تذهب في غالبها لصالح استمرار آلة الحرب وضمان حركة مجنزراتها العسكرية ثم يسوق لذلك بانه دعما انسانيا.أهكذا ببساطة وكأنما يمتلك المتحاربون في شقرة قرار الحرب والسلام وان لا حيلة لدى رعاة تلك الاطراف سوى اللجؤ الى الدعم الانساني ومحاولة تخفيف تبعات تلك المواجهات العبثية؟..
أيعقل ان فقد الاشقاء تاثيرهم السياسي هنا فجأة وعجزوا حقا عن ايقاف نزيف الدم الجاري على تخوم شقرة؟ ومع ذلك لاتتعجب فثمة في الداخل من لازال يراهن على تلك الخيبات بدعوى انها محطات ما قبل الفرج..
ينبغي معرفة أمرا مهما على خلفية ما ذكر هنا وما نلمسه واقعا كذلك ! وهو ان الحالة السياسية او الواقع السياسي الذي تجسده جميع الاطراف المتحاربة اليوم وكذا التداعيات المؤسفة الناتجة عن ذلكم الواقع اضحت تؤكد ان مسألة الالتزام بادبيات الخطاب السياسي ووعوده قد باتت ضربا من الماضي وان ديدن التكيف مع المتغيرات الجديدة والانصياع للاملاءات المفروضة هو البديل الجديد. وهذا يعني بالضرورة أضطرار كل طرف الى ممارسة مزيدا من التدليس في تفسير أفعاله ودائما تحت مبرر الواقعية السياسية.
آنذاك فقط لايمكن انكار حقيقة ان الجميع فعلا قد أمتهن النفاق السياسي وشرع بممارسته تجاه حاضنته وربما الشعب عامة.
وإلى ذلك سيبدو غير منطقيا ولا سويا انتظار قرار السلام وايقاف الحرب قادما من أفواه قوى الداخل المتصارعة سيما وانها لا تؤمن بمنطق مراجعة الموقف والخطأ.