كتب : قادري أحمد حيدر
الإهداء:
إلى ذكرى روح الشهيد البطل/ علي عبدالمغني احد أبرز القادة المؤسسين لتنظيم الضباط الأحرار، والقائد الفعلي للتنظيم.
علي عبدالمغني شخصية مركزية في الثورة اليمنية يمتلك كاريزما القائد بالفعل.. في مرحلة مبكرة 16 يناير/ 1958م كتب في “صحيفة النصر ” الإمامية مقالة سياسية فكرية تقول لنا إننا أمام قائد سياسي منحك يمتلك رؤية وطنية وقومية واضحة. جاء في مقالته التالي: “باسم الحرية التي ثمنها الدماء (…) في هذا اليوم تمر أمامنا أحداث الجريمة المنكرة التي ارتكبها الاستعمار الغاشم بعدوانه الوحشي على أراضي مصر العزيزة، قلب الأمة العربية المتحررة وزعيمة الشرق الاسلامي كله، في هذا اليوم تمر أمامنا ذكرى العدوان الثلاثي بوحشيتها وقساوتها لنرى ما يضمره لنا الاستعمار الغربي الآثم من الحقد… إننا نحتفل إحتفاء بذكرى انتصار القومية العربية، انتصار الروح على المادة، انتصار الإيمان بالحق والمبدأ على القوى الاستعمارية. إننا نحتفل بهذا العيد القومي الشامل فإنما نحتفل بيوم الحرية والسيادة والاستقلال (…) كانت المؤامرات السرية تنوي احتلال قناة السويس من جديد، كانت تعني أن تعيد العملاق العربي في قمقم الفناء .. “فرق تسد”… لقد كان يريد “أيدن” و”مولييه” الأثمان لإسقاط جمال عبدالناصر. وأرادوا أن ينفذوا الخطة بالضغط على شعب مصر الواعي حتى يثور على زعيمه المخلص، ويشكل جهازاً حكومياً جديداً يشرف عليه الاستعمار ويسيره لأغراضه.. ولكنهم خدموا جمال عبدالناصر من حيث لا يشعرون. مسكين الأمير البريطاني، لقد شاخ وتقدمت به السن.. لقد أهرمته هزيمة بور سعيد، وأن هزيمة عدن المقبلة ستكون أدهى وأمر … لقد فتحت مصر أبواب الجهاد لكل الشعوب المستعمرة…إلخ
هذا هو باختصار علي عبدالمغني لأن كل ما سأقوله عنه بعد ذلك فائض عن المعنى ولا يقول شيئاً في حقه.
إن من يمتلك هذه البصيرة الفكرية السياسية الوطنية والقومية الثاقبة، هو ذاته الذي ترك المواقع العليا (مجلس قيادة الثورة) وذهب إلى جبهات القتال مدافعاً عن الثورة والجمهورية .. إنها طهارة الروح وصدق الموقف وعمق الرؤية، إنها المثالية الوطنية والثورية. قال عنه اللواء يحيى المتوكل: “كان بالنسبة لي النموذج والقدوة، واستطاع بشخصيته القوية الاستحواذ على محبة وولاء الجميع”. ومن هنا الخسارة العظيمة للثورة باستشهاده المبكر والوطن في قمة الحاجة إليه.
تحية للقائد البطل الشهيد المثقف والإنسان / علي عبدالمغني في كل حين وإلى جنة الخلد مع الأبرار والأطهار.
يمكننا القول إن سؤال الدولة والقبيلة، أو جدل المشيخة القبلية والدولة، كان حاضراً بعد قيام الثورة مباشرة في التفكير السياسي للنخبة السياسية، والثقافية الحديثة وفي تفكير الضباط الأحرار، ولكنها، كما اتضح في مجرى الصراع ، أنها نخبة غير مؤثرة ولا مقررة في قمة السلطة. إضافة إلى ذلك، فقد جرت عمليات فرز سياسي، وحالات استقطاب واقعية، رغم حضور الدور المصري، الداعم للاتجاه الجمهوري (السلال وتحالفه)، تؤكد تكريس مواقع القوى السياسية الاجتماعية الماضوية (التقليدية). وتركز الدور المصري، ممثلاً في دور الأجهزة المخابراتية والسياسية والعسكرية، منصباً على دعم الرئيس السلال من جانب، ومن جانب آخر عدم التوجه الجدي لبناء الجيش الوطني اليمني المستقل، والأهم هنا، قمع القوى المدنية والسياسية الحديثة وحصارها، ومصادرة الحريات، ومعاداة العمل الحزبي. وكان دعم الأجهزة المصرية (في صورة التدخل العسكري للمشير عبد الحكيم عامر، والتدخل السياسي للسادات) مركزاً على تعزيز مواقع القوى السياسية الاجتماعية التقليدية (1). أما دور الأجهزة المخابراتية المصرية فقد انحصر في مراقبة الحياة السياسية الحزبية، بما في ذلك مراقبة وحصار، وقمع حتى القوى السياسية المناصرة لهم، والدائرة في فلكهم، والذي توج بإصدار القانون المحرم للحزبية، عام 1964م (2)والتضييق على نشاط الأحزاب والقوى السياسية المدنية الديمقراطية. وهو المناخ الذي عملت فيه القوى السياسية التقليدية وتحركت وانتعشت، ونشطت بكل حرية من موقعها في قمة السلطة، لتسهيل تمرير مثل ذلك القانون الذي يحرِّم الحزبية، على صعيد السلوك الممارسي، مما يعني التضييق على القوى السياسية والاجتماعية الحديثة، صاحبة المصلحة في التغيير وفي بناء الدولة الوطنية الحديثة (دولة التمثيل الوطني وليس التمثيل العصبوي المناطقي، والطائفي). وفي تقديرنا، كان أحد أهداف إصدار قانون تحريم الحزبية في حينه، إلى جانب أسباب ثقافية وسياسية عديدة، المساعدة في تغييب دور الضباط الأحرار ودور تنظيمهم السياسي نهائياً، ومنع التفكير بإعادة إحيائه وتنشيط دوره. على أن القرار من حيث المبدأ، في الواقع، قد ضيق الخناق على رموز الدولة الحديثة ومنعهم من النشاط والحركة والفعل، وإن كان أحد أهداف القانون قمع نشاط حزب البعث وحصاره. ومع ذلك كان البعث، قيادة وقواعد، خلال السنوات الأولى للثورة يتحرك بحرية في علاقتة الوطيدة بالجناح القبلي المشيخي في السلطة ومن خلال تواجه الكثيف في الشارع.
ولعبت حالة الصراعات السياسية الحزبية، القومية (البعث/ حركة القوميين العرب) (مصر/ سوريا) دوراً غير مباشر في إضعاف دور القوى السياسية الحديثة في البناء السياسي الديمقراطي وفي قيام الدولة الوطنية الحديثة. وكما يبدو أن توجهات سياسية ، ومصالحية داخلية وخارجية، قد توافقت ضمناً وبصورة غير مباشرة ، على إضعاف الجناح السياسي الثوري في قلب القيادة الجمهورية ، بدءاً من تغيير مجلس قيادة الثورة بعد يوم أو يومين واستبداله بمجلس الرئاسة ، بل والذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك بسرعة قياسية من خلال تسليم كبار المشايخ مقاليد السياسة والسلطة، عبر جملة من القرارات النوعية (سياسياً، واجتماعياً، واقتصادياً) قرارات ومراسيم توالى إصدارها تدريجياً – تحت ضغوط وتحشيدات شعبوية في الشارع – أدت إلى تعزيز مكانة سلطة القبيلة، وترسيخ دور دولة القبيلة والقوى السياسية التقليدية، ورموزها ومكانتها. ففي 28/4/1963م “صدر قانون بشأن مجالس شيوخ القبائل، فكان أول تشريع بهذا الصدد، أن تكونت اللجنة المركزية لشؤون القبائل(…) من ستة عشر شيخاً. وفي ثاني حكومة بعد الثورة عُين القاضي عبدالسلام صبرة وزيراً للأوقاف وشؤون القبائل بتاريخ31/10/1962م. وفي الحكومة الثالثة بعد الثورة بتاريخ 25/4/1963م عُين الشيخ محمد علي عثمان وزيراً لشؤون القبائل(وزارة مستقلة). وفي الحكومة الخامسة بتاريخ 3/5/1964م عُين الشيخ أحمد عبدربه العواضي وزيراً لشؤون القبائل. وفي السادسة بتاريخ 6/1/1965م واصل الشيخ أحمد عبدربه العواضي تولي وزارة شؤون القبائل. وفي الحكومة التاسعة بتاريخ 16/4/ 1966م عُين العميد محمد الرعيني وزيراً لشؤون القبائل، وكذا في الحكومة العاشرة” (3).
وهكذا حين نتحدث عن بناء الدولة والنظام السياسي والمؤسسات والعلاقة بالقبيلة وبالمشيخة القبلية -في ذلك الحين- فإنما نتحدث عن دور قبائل الهضبة الشمالية ومكانتها، وتحديداً عن الطوق القبلي، أو الحزام القبلي المسلح (القبل الخمس أو السَّبع) المحيطة بصنعاء، وهي القبائل التي حولت مدينة صنعاء تاريخياً، وراهناً إلى حالة “فيد”، ومنعت تطورها المدني تاريخياً في مختلف المراحل، منذُ “الهادي إلى الحق” إلى عبدالله بن حمزة إلى المتوكل على الله إسماعيل، إلى بيت حميد الدين، وحتى اليوم. ومنعت أو وضعت نفسها حاجزاً أمام إمكان تطور الدولة وحضورها وتجسيد دورها في الواقع في مختلف مناطق البلاد، بقوة إرادة السلطة العليا التي هيمن كبار المشايخ على زمام مقاليدها، لأن المشيخة القبلية والقبيلة تجاوزت الدور السياسي التقليدي المرسوم للقبيلة ولزعامتها، باعتبارها وسيطاً بين القبيلة والدولة، وتحولت هي ذاتها إلى قمة السلطة العليا للدولة (دولة في ذاتها ولذاتها). وليس في ما نذهب إليه أي انتقاص أو تقليل أو تحقير من شأن القبيلي والقبيلة بل هي محاولة تحليلية موضوعية لكيفية الاستثمار السياسي التاريخي للحالة القبلية المسلحة، لخدمة تكريس واقع الحال (التخلف) وقطع الطريق أمام الاصلاح والتغيير، باتجاه قيام وبناء الدولة الوطنية المدنية الحديثة، وتلكم هي المشكلة سواء في المرحلة الإمامية، أو الجمهورية. ومن المهم هنا إيضاح أن ليس للقبيلة في مناطق جنوب الشمال دوراً سياسياً قيادياً، ولم يكن لها ذلك، لعوامل وأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية وتاريخية لا مجال لبحثها في هذا المقام. إذ لم تتوحد بالسلطة السياسية تاريخيا ولم تكن جزءاً منها، وليس لها مزايا القبيلة في مناطق شمال الشمال (وأصبح مشايخها، بحكم تموضعهم في الاقتصاد “شيوخ أرض”.(4) وليس شيوخ سياسية وسلطة وحكم .. وهي قبائل تفتتت وتفككت صلاتها وعلاقاتها التقليدية لصالح مشروع الدولة بالمعنى التاريخي . ولذلك وجد أبناء مناطق جنوب الشمال أنفسهم يقفون في صف الحركات السياسية الاصلاحية المعارضة، مؤازرين ، ومدعمين لها بالسياسة ، وبالمال، والذي تجسد في دعمهم لحركة الأحرار اليمنيين من أوائل الأربعينيات إلى وقوفهم مع حركة أو انقلاب 1948م. ولذلك وجدوا أنفسهم منذ اللحظات الأولى للثورة مباشرة في صف ثورة 26ثورة 26/سبتمبر 1962م مشكلين قاعدتها الجمهورية وبنيتها الشعبية الثورية من بداية “الحرس الوطني” إلى منتهى صورة وحدات الجيش السبتمبري (الوطني).
وللأسباب ذاتها، وإن باختلافات نسبية محدودة، وجدت قبائل جنوب البلاد نفسها في صف ثورة أكتوبر 1963م، وقبلها في صف ثورة 26سبتمبر 1962م، وأعلنت من أول وهلة وقوفها في صف الثورة اليمنية عموماً (يكفي القول إن انطلاق ثورة أكتوبر ارتبط باسم الشيخ غالب بن راجح لبوزة الذي عاد بعد قتاله في صف ثورة سبتمبر ليستشهد في جبال ردفان معلنا فاتحة ثورة 14 أكتوبر 1963م). وبعد نيل الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م أعلنت القبائل وقوفها إلى صف الثورة ودولة الاستقلال.
وهنا يمكننا القول إن المعالجات السياسية للسلطة الجمهورية –في اتجاهها العام- بعد ثورة 26سبتمبر 1962م، صبت وخدمت تعزيز مكانة الدور السياسي للقبيلة في قمة السلطة بوعي سياسي/ أيديولوجي(نقصد هنا تحديداً مشايخ القبائل) على حساب بناء وقيام مشروع الدولة الوطنية الحديثة. وفي تقديري، أنه كان هناك رأيان في قلب قيادة الصف الجمهوري: الأول، يقول : ليس بالإمكان الاستغناء عن دور سياسي مميز وبارز لمشايخ القبائل في قمة السلطة ويمثل هذا الاتجاه الجناح القبلي المشيخي في البعث ، وغيرهم من كبار المشايخ المعارضين لقضية بناء الدولة، ورأي آخر يقول بضرورة إخضاع القبيلة ، والمشيخة القبلية للدور السياسي المركزي للدولة ، وضبط ايقاع حركتهم ودورهم على ايقاع سمفونية بناء الدولة ، لأن القبيلة ومشايخها بطبيعتهم البنيوية وثقافتهم الشقاقية الانقسامية، يتناقضون مع الدور السياسي المركزي التوحيدي للدولة ، ولديهم منازعهم الذاتية الاستقلالية عن أي دولة مركزية ، أي ممانعة سلبية داخلية للخضوع لدولة المؤسسات، والنظام والقانون .ومن هنا ضرورة الحزم في فرض الدور السياسي للدولة على الجميع ، ووضع القبيلة ومشايخها تحت السيطرة التامة للدولة ، وباستخدام وسائل الاكراه القانونية عند الضرورة . وكان يمثل ويجسد هذا الرأي ، أو التوجه ضمنا دون تصريح خطابي الرئيس السلال ، والقوى السياسية والاجتماعية الديمقراطية. ومن المسار السياسي الذي تم في مجرى الثورة، يبدو أن الرأي الأول هو الذي انتصر بعد أن رفعت أرصدة وأسهم القبيلة ، والمشيخة القبلية إلى ذرى قمة السلطة ، وتكرست قيمها ورموزها وأعرافها إلى مستوى سلطة الدولة، بل أصبحت دولة داخل دولة (صار الشيخ يقول بدلاً من لويس الرابع عشر: أنا الدولة، والدولة أنا)، (دولة) ألغت مشروع الثورة والدولة وأقصتها، مستعيضة عنها بــ ِ”دولة القبيلة” و”الجمهورية القبلية”. وما يشير ويدل على ذلك ما سبق أن أشرنا إليه في سياق هذه القراءة من جملة القوانين والقرارات التي أصدرت لتعزز مواقع بنية دولة القبيلة ومشايخها في جميع مفاصل وهيئات الدولة، والسلطة من القمة إلى القاعدة، حتى أرضية حكم المحليات.
لقد ولدت السلطة الجمهورية حاملة لبذور أزمتها الداخلية، ووجودها التمثيلي الذي ظل يتناقص قياساً مع مضمون اسم الجمهورية. فبدلاً من تقليص الفجوة تدريجياً، لصالح قوى مشروع الجمهورية، والدولة وبنائها، تحركت إجراءات السلطة الجمهورية في الاتجاه المعاكس.
لقد لعبت المثالية الثورية الرومانسية لقيادة تنظيم الضباط الأحرار دوراً سلبياً مباشراً ساهم في إضعاف دور التنظيم وتراجُع مكانته ودوره القيادي، بعد أن تخلوا عن التنظيم ودوره في قيادة العملية السياسية، والثورية وفي بناء السلطة والدولة ومؤسساتها، وهو الدور الذي كان يمكن أن يخفف من الضغوط على الجناح الثوري من القيادة الجمهورية(5). ولم يكن الضباط الأحرار موفقين حين فضلوا خيار المعركة العسكرية، وهو عمل وطني نبيل، على خوض المعركة السياسية في قمة السلطة ومؤسساتها الوليدة، وهذا هو الدور الأخطر على طريق قيامها ورعايتها وتطويرها. وساعد انقسام قيادة التنظيم وقاعدته بين معسكري الصراع، بدءًا من بروز ظاهرة
المؤتمرات(6)”مؤتمر عمران”،(7) إلى “مؤتمر خمر” (8)وحتى المؤتمرات اللاحقة، وصولاً “للطائف”، وهي الثغرة التي استثمرها الآخرون بجدارة لصالح مشروعهم السياسي الخاص. والحديث حول ذلك يطول شرحه وتفسيره وتحليله. ومن هنا يتأكد أن جدل بناء وتشكيل النظام السياسي الجمهوري الوليد، وقضية قيام الدولة الوطنية الحديثة وتكونها، قد تحدد مسبقاً، لصالح “دولة القبيلة”،وهي واحدة من إشكاليات تطور النظام السياسي وبناء الدولة بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م حتى اليوم. وكان من أبرز معوقات وجود وقيام الدولة الوطنية الحديثة ، الجدل الحاد بين القبيلة والمشيخة القبلية من جهة، وقضية بناء الدولة “السلطة” من جهة أخرى.
وهو الجدل الذي، مع الأسف-كما سبقت الإشارة-، حسم باكراً لصالح القبيلة ومشايخها. ونقطة البداية هذه هي التي حددت المسار اللاحق لتطور النظام السياسي وشكل الدولة ومحتواها، -في شمال البلاد- والدي عمل علي عبدالله صالح على محاولة تعميمه على كل البلاد وخاصة من بعد حرب 1994م ونتائجها المأسوية. الأمر الذي لم يخرج عن سيرورة هذه الدائرة المغلقة القاتلة. ودون استعادة مشروع الدولة الوطنية الحديثة (صراع قديم/جديد/ومتجدد)، فإننا سنظل ندور في حلقة مفرغة. ومن هنا تبرز اليوم وغداً أهمية سؤال بناء الدولة .
الهوامش:
1- انظر حول ذلك د. محمد علي الشهاري المسار التاريخي للثورة اليمنية، دار الهمداني للطباعة والنشر/ عدن، ص87-88.
2-هو قانون فعلاً أعلن عنه ونشر في الإعلام ولم يُصَغ في صيغة ودبياجة قانونية، لكن من عاش هذه المرحلة والفترة علم بخبر هذا القانون. وكما هو واضح حينها أن القوى العسكرية والسياسية المصرية المعادية للتوجه السياسي القومي التحرري للرئيس عبدالناصر، (صلاح نصر، عبدالحكيم عامر، السادات)، التي تلاقت وتوافقت مع الأجنحة التقليدية المشيخية القبلية، والجماعات السياسية الدينية، هم من كانوا وراء القبول، بل والتشجيع لإخراج ذلك القانون. وكما يشير د.عبدالملك المقرمي قائلاً : “لم تكن الناصرية تسعى إلى دعم الوجود السياسي المنظم لحركة سياسية مستقلة بذاتها حتى لو كانت دائرة في فلكها” . انظر كتاب “التاريخ الاجتماعي للثورة اليمنية رؤية سوسيولوجية لتحول بناء القوة”، ، دار الفكر العربي بيروت ،ط1 -1991م. ص351 يكفي هنا الاشارة إلى أن مجموعة الطلاب الذي وصلوا بطائرة الاستاذ محسن العيني -أو معه- من القاهرة وجميعهم من الحزبيين، عاد معظمهم قسراً إلى مصر تحت ضغط الأجهزة المصرية وعبدالرحمن البيضاني، ومنهم : يحيي الشامي وسيف أحمد حيدر وقاسم سلام ومحمد أحمد الصايدي وعوض العولقي. ويقول العيني “ويؤسفني أنهم أرغموا على العودة إلى القاهرة بمجرد مغادرتي صنعاء إلى الأمم المتحدة وصدرت تعليمات مشددة بمنع سفر الطلاب إلى اليمن بعد ذلك ” ، طبعاً فقط لمجرد كونهم حزبيين وكان من القادمين من القاهرة إلى صنعاء مع الدفعة الطلابية سلطان أحمد عمر وآخرين. انظر حول ذلك محسن العيني: “خمسون عاماً في الرمال المتحركة قصتي مع بناء الدولة الحديثة “، دار النهار ودار الشروق يناير 2001م ، طبعة مشتركة خاصة بجمهورية مصر العربية، ص48 .
3-انظر كتاب أبرز الأحداث اليمنية في ربع قرن، سبتمبر 1962م -1987م، مطبعة الكاتب العربي / دمشق /شارع خالد بن الوليد ” من أرشيف صحيفة الرأي العام، انظر حول تشكيلات الحكومات، ص 94 + 99 +107 + 109 + 116 + 118وخلت الحكومة السابعة والثامنة من تعيين وزير لشؤون القبائل، ص16 .
4-“مشايخ القبائل” المكرسة تاريخياً هي مشايخ شمال الشمال المسلحة والتي وجدت تاريخياً مرتبطة بالإمامة وبالسلطة. وبعد قيام جمهورية 26 سبتمبر 1962م وما بعدها تشكلت ظاهرة أو واقع الجمهورية القبلية ( على قاعدة سياسية واقتصادية ) وخاصة من بعد انقلاب 5 نوفمبر 1967م. أما اصطلاح أو تعبير “مشايخ الأرض” فالمقصود بهم مشايخ المناطق الجنوبية في كل اليمن، المرتبطين بالأرض ملاك لها ومصدر رزقهم وعيشهم من هذه الأرض ولم يرتبطوا بالسلاح إلا باعتباره زينة، كما أنه لم يدمجوا بالسلطة سواء في المرحلة الامامية أو بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م الا باعتبارهم تجاراً واعياناً لمناطقهم، وأن وجدت بعض الحالات الفردية لبعضهم فهم قد اكتسبوها من فترة الوجود العثماني، مثل “علي عثمان، ومن بعده إبنه محمد علي عثمان، وبعض أفراد بيت النعمان” عبدالوهاب نعمان الذي أعدم بعد انقلاب 1948م.
5- وحول التخلي عن دور تنظيم الضابط الأحرار بعد قيام الثورة، يقول مجموعة من أهم قيادات التنظيم ما يلي: يقول أحمد الرحومي ” إن أكبر خطأ ارتكبته قيادة الثورة ممثلة بقيادة تنظيم الضباط الأحرار يتلخص في ترك القيادة والتخلي عن زمام السيطرة على الوضع بعد نجاح الثورة لعناصر أخرى. لقد تركت غالبية القيادات الإشراف على قيادة الدولة وذهبت إلى محاور القتال، ص307. ويقول المقدم عبداللطيف ضيف الله: “أهم خطأ وقعت فيه الثورة هو الخطأ الذي وقع ثوار سبتمبر فيه أنفسهم. فقد اعتبروا مجرد قيام الثورة إنهاءً لدورهم، فانقطعت صلتهم التنظيمية كما لو كانت الدولة الجديدة بديلاً للتنظيم”، ص311. وحول نفس المعنى يقول المقدم صالح الأشول إن الخطأ: “تصميم ضباط التنظيم على عدم التدخل في الشؤون السياسية وانشغالهم بالشؤون العسكرية .. ناهيك عن عدم وجود خطط تفصيلية لبناء الكيان السياسي الجديد”، ص333. وحول نفس المعنى يقول المقدم عبدالله الراعي: “أول خطأ وقعنا فيه هو تفريغ صنعاء من ضباط الثورة، خاصة القياديين، والمثالية والعفوية التي تحلى بها مفجرو الثورة نحو قضية الحكم والسلطة (..) وعدم مواصلة التنظيم لمهامه”، ص352. ويقول المقدم أحمد ناصر: “بعد قيام الثورة توزع الضباط القياديون في المناطق المهمة للدفاع عن الثورة والجمهورية، فأصبحت القيادة فارغة من الضباط”، ص156. وحول نفس المعنى يقول المقدم علي محمد الشامي: “وقد سلم الثورة للشعب وعاد إلى اختصاصه منذ اليوم الأول. فعندما أعلنت الثورة أصبحت ملكاً للجميع ومن مسؤولية الجميع. فقد ذاب التنظيم داخل الجيش”، ص339. أنظر حول ذلك كتاب “ثورة 26 سبتمبر، دراسات وشهادات للتاريخ”، إعداد وتوثيق مركز الدراسات والبحوث اليمني، صنعاء، ط ثانية، 1/10/1986م، دار العودة / بيروت.
6- تعبير “مؤتمر” هنا يشير إلى الدعوات التي وجهها رموز سياسية ومشيخية قبلية كبيرة وأغلبها تحشيدات قبلية مسلحة من المناطق المحيطة بالعاصمة صنعاء إلى جانب رموز سياسية وحزبية معارضة للوجود المصري وللرئيس السلال، وهكذا بدأت كمؤتمرات سياسية قبلية معارضة وكان مؤتمر عمران هو أول مؤتمر في هذا الاتجاه.
7- مؤتمر عمران دعا لعقده رموز سياسية وقبلية بارزة (الشهيد محمد محمود الزبيري، والنعمان والإرياني والشيخ عبدالله بن حسن الأحمر وآخرين). وكان لحزب البعث ممثل رسمي فيه هو الملازم مثنى الحضيري، كما حضره الملازم عبدالله الراعي وهما من قيادة حزب البعث والملازمان (الحضيري/والراعي) من قيادة تنظيم الضباط الأحرار. وعقد المؤتمر في منطقة (عمران) من الفترة 1-8- سبتمبر 1963م ولم تحتو لغة أدبياته على خطاب سياسي عدائي للوجود المصري، بل دعوة لتصويب مناطق تواجده العسكري بعيداً عن المناطق المدنية، إلى جانب دعوته المثيرة للجدل لتشكيل “جيش شعبي” قوامة (28)ثمانية وعشرون ألف مقاتل تتبع قيادة المؤتمر وكان لرئاسة الشهيد الزبيري لأعمال المؤتمر دوراً في التخفيف من لغة الخطاب السياسي ضد الوجود المصري والسلال .
9-مؤتمر خمر عقد في منطقة (خمر) مقر الحضور السياسي والقبلي للشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في مايو1965م تضمنت قراراته تشكيل سلطة موازية أو بديلة للسلطة الجمهورية القائمة منها “دستور خمر” الذي “تمكن اصحابه من انتزاع قرار جمهوري من رئيس الجمهورية بأنه دستور مؤقت للدولة برقم (37) لسنة1965م نصه يقول :”باسم رئيس الأمة :بناء على القرارات التي أصدرها المؤتمر الشعبي للسلام المنعقد في مدينة “خمر” وعلى ما أقرته لجنة المتابعة الدائمة للقرارات قرر: مادة (1) يصدر الدستور المؤقت للجمهورية العربية اليمنية الذي وضعه المؤتمر الشعبي للسلام مادة (2) ينشر القرار بالجريدة الرسمية ويعمل به من تاريخ صدوره الموافق 8مايو 1965م”. وتحولت السلطة التشريعية والتنفيذية إلى يد لجنة المتابعة المنبثقة عن هذا المؤتمر. انظر قادري أحمد حيدر “المؤتمرات السياسية المعارضة” مصدر سابق، ً106-110. وبعد أن هدأت الأمور، التف الرئيس السلال على مقررات المؤتمر كأن لم تكن حتى كان انقلاب 5 نوفمبر 1967م الذي مهد لكل التطورات السياسية التي شهدتها البلاد . وفي مواجهة مؤتمرات المعارضة السياسية والقبلية كانت هناك تحشدات سياسية وقبلية وجماهيرية ومدنية معارضة لها داعمة لجناح السلال، كانت تقف خلفها القوى السياسية (حركة القوميين العرب، الماركسون، الناصريون والموالون لمصر والسلال، ومنها مؤتمر (الروضة) و(مؤتمر الاتحاد الشعبي الثوري) من 18-20 يناير 1967 وغيرها .