كتب : عبدالستار سيف الشميري
أسئلة كثيرة طرحها البعض حول علاقة المجلس الانتقالي بالمملكة العربية السعودية، من خلال الأحداث الأخيرة في عدن، وحجم الثقة بين الطرفين لا سيما والعلاقة عمرها هو سنوات الحرب الخمس فلم تكن للمملكة علاقة راسخة قبل ذلك مع الحراك الجنوبي دعما أو رفضا، رغم أنها احتفظت بعلاقات جيدة مع بعض قيادات الجنوب التاريخية والسياسية، وكانت المملكة موطن الكثير منهم.
ومن نافلة القول إن المملكة لا تضمر عداء للمجلس الانتقالي، لكنها ترغب في صياغة علاقة ناظمة لعلاقتها والتزاماتها مع الشرعية وفق المبادرة الخليجية وبين إفساح المجال للانتقالي في لعب دور سياسي وعسكري، دونما الوصول إلى انفصال في هذه الفترة، التي تعتبر المملكة هي الضامن العسكري والسياسي للوضع في اليمن لا سيما وقد رمت بكل أسهمها في معركة تعتبرها معركة وجود وليس معركة مصالح عابرة.
كما أن قيادة الانتقالي تدرك حجم أي شطط في علاقتها بالمملكة، وتحاول عقد معادلة وازنة بين طموحات الجنوب وعدم استعداء المملكة، وتلعب الإمارات دورا حيويا في هذه المعادلة، وتضبط إيقاعها من خلال تنفيس اي إشكالات قد تؤدي إلى إحراق المراكب أو إلى أي اختناق سياسي يقفل باب التعاون والتشارك في إدارة وتطبيع الأمور في عدن والجنوب عموما.
تعلمت قيادة الانتقالي بعضا من فنون إدارة الأزمات والصراع وفنون الاشتباك كي يحققوا بعض مكاسب تراكم لما سبقها وتؤسس لمسارات جديدة.
ولذا لن يستعجلوا الحصاد لما لم يحن قطافه بعد، لا سيما وقد أصبحت القضية الجنوبية حاضرة في المحفل الدولي والإقليمي والمحلي بعد أن كانت تسمى حركة تمرد أو انفصال، صحيح أنه قد تحدث أحيانا تجاوزات وأفكار ذات طابع حماسي لا عقلاني سرعان ما يتم استدراكها وعقلنتها، وخاصة عندما يكون الأمر متعلقا بالتحالف العربي..
جوهر مشكلة الانتقالي مع المملكة هو مطلب الانتقالي تضييق الخناق على أي تواجد لحزب الإصلاح وعلي محسن باسم الشرعية الخاملة، والتي تدار من الخفاء في ظل ظروف صحية للرئيس غير معلنة، وتتفهم المملكة هذا الأمر لكنها لا تريد أن يتم ذلك دفعة واحدة أو بصورة كاملة، كانت السياسة السعودية في اليمن منذ خمسين عاما هي إدارة التوازنات والمتناقضات ومن الصعب تغيير نمط هذه العلاقة تقريبا، رغم أنها لا تثق بالإصلاح ومحسن ولكن من باب الحفاظ على شعيرات معاوية والإمساك بكل الأطراف.
كان الانتقالي يناور دائما بالشارع وأتباعه عند أي مشكلة، ولكن سيكون من الصعب أن يكون ذلك السلوك مجديا مع المملكة. صحيح أن الشارع الجنوبي سيتلقف أي توجيه من الانتقالي، وسيذهب إليه، لا سيما والنضال في الجنوب أصبح نشاطاً يومياً وقهوة يومية منذ أكثر من عشرين عاماً، في عدن والضالع تحديدا حيث مخزون الانتقالي الشعبي وثقله الجماهيري ورمزية الحراك الجنوبي والمجلس الانتقالي. لكن هذا الخيار لن يكون مناسبا لأسباب عديدة لا متسع هنا لذكرها تفصيلاً.
ولذا لن تذهب قيادات المجلس الانتقالي والقيادات الجنوبية الفاعلة في هذا الاتجاه الشائك. وستحاول الوصول إلى منتصف الطريق مع المملكة في حل معظم الإشكالات العالقة.
وربما أن هذا أنسب الخيارات للجنوب وقضيته، وأي خيار آخر سيفقدهم الكثير مما اكتسبوه من مكاسب وأوراق، أهمها تعاطف العالم معهم وموقف التحالف ودعمه، ومشروعية وشرعية القضية، ولذا لن يذهب بهم الشطط نحو أي اتجاه متسرع وغير محسوب لعواقبه السياسية والعسكرية.
كما أن المملكة تدرك حجم الوجود وحجم التضحية للجنوب التي يعتبر الانتقالي أكبر معبر عنه، ولن تذهب بعيدا في إدارة الخلاف، وستعمل على تسوية ما تبقي الانتقالي حجر زاوية الجنوب مع إعطاء مساحة للحكومة والرئيس للتواجد والعمل وممارسة دور مع تقنيين التواجد الإخواني الذي هو أس المشكلة وجوهرها الحقيقي وإن كان هناك أسباب أخرى، وقادم الأيام ربما ستؤكد هذه الفرضية التي نحاول التدليل على منطقيتها وواقعيتها.