كتب : د.عبد العليم محمد باعباد
هكذا بعد هزة عنيفة تستعيد الروح عافيتها وتعاود ألقها، فتعلو بنورها الرباني إلى حيث معراج الحقيقة .
حين تتمرغ البشرية في وحل العبودية لكل ما سوى الله تتصحر الضمائر وتتصخر العلاقات وتظهر مكونات الطبيعة في هذا المخلوق كأصدق ما تكون في صورتها غلظة وحدّة وسماكة، حينها يقال لا شيئ يفل الحديد سوى الحديد، كما لا شيئ يتفوق على هذا الكائن كالنار التي تصهره فتفرزه.
ولا عجب إذ ذاك من تفوق القوة على الحق، وسيادة حق القوة، وخفوت قوة الحق.
لكن هذه القوة رغم الهالة التي ملأت بها أسماع المقهورين والمغرورين بها على حد سواء؛ ورغم القفزة التي أحدثتها في عالم المادة، هذه القوة التي تغطرست في عالم أصغر مكونات المادة وسخرته في نفع الإنسان، والإضرار به – سرعان ما كشفت عن زيفها بنفسها وهي تشكو من أصغر الكائنات الذي لا تراه أعين الخلق، وحيث لا يجدي معه توجيه القوة بقدر ما يجدي معه العودة إلى الحق.
كأن العالم اليوم يصحو بعد غفلة مريعة، ساد فيها المنطق المادي حد جعل الإنسان سلعة أو في خدمتها أو وسيلة لها.
عالم سادت فيه شريعة الغاب حيث يقف الرأسمال على الجهة الأخرى من معادلة القوة فحيث تجنح القوة العسكرية إلى السلام الظاهر، يقوم عالم الرأسمال بقوة أشد فتكا من تلك القوة الظاهرة، إن تلك القوة تقتل مباشرة، بينما الرأسمال يسوّق الموت إلى شعوب ومجتمعات المعمورة بالعرض البطيئ.
ندرك جيدا أن التغيير في هذا العالم سيكون في كل الأحوال لمصلحة القوي من وجهة أخرى.
ولكن التغيير لا يمكن أن يستصحب معه تلك المادية المفرطة.
لربما يفهم العالم أن الإفراط في ظلم الإنسان لأخيه الإنسان والتفاوت الكبير بين الشعوب والمجتمعات، و التركيز الشديد للمال بيد حفنة قليلة تسحق فيها الأكثرية الكاثرة، هي حالة شذ فيها رأس المال كثيرا عن قواعد اللعبة التي ينبغي أن يحتكم إليها.
ما بعد كورونا سيكون مختلفا بكل تأكيد، وعلى الأقل من الناحية الفكرية والنظرية ستكون نظرة الإنسان إلى هذا الوجود نظرة محفوفة بالحذر تقوم على استخدام المعرفة لاستجلاب القوة والشعور بالقوة المطلقة التي وراء هذه القوة النسبية، لا نظرة الاستعلاء بالمعرفة لاستخدام القوة المفرطة في سحق الإنسان وقتله.
فبعد أن حلت المدرسة الوضعية والمدرسة النفعية في كل شيئ، ستكون العودة إلى عالم المثل أمر غير مستنكر ، هذا بالنسبة للعالم الآخر، أما بالنسبة لنا كمسلمين فإن انطلاقتنا نحو التقدم مرهونة بمدى أخذنا بالقوانين والسنن الكونية والاجتماعية.
فسنن الله لا تحابي أحدا.