كريتر نت / كتب- جهاد عوض
كم كان حظها تعيساَ وحزينا تلك المرآة الكبيرة أم الثلاثة المعاقين, عندما تعرضت لكسر في الحوض وتم اسعافها لمستوصف بابل, لتلقي الرعاية والعلاج الذي لو علمت وعلم أبناءها ومسعفوها بالمجهول والمصير الذي وصلت اليه, لما اوصلوها اليه ولو تقطعت السبل أمامهم, لم تعلم ويعلم أصحابها أن الجانب المادي ولا سواه, مقدما وفي أولى الأولويات عند الطاقم الإداري والطبي في مستوصف بابل, عن الجانب العلاجي والرعاية والعناية المطلوبة للمريض,
دخلت بكسر في الحوض وخرجت بعملية فاشلة بزراعة رمانه لها بالإضافة الى جلطة خفيفة ونزيف مستمر ومتكرر, كادا أن يوصلاها الى الموت من أوسع أبوابه وفي غير موعده, كان مناها واملها أن تقوم على قدميها لتستمر بخدمة أبناءها المعاقين بشلل رباعي, كما رباتهم ورعتهم خلال عشرات السنين, كان يحدوها الأمل بعد ما تقدم العمر بها وعدم قدرتها على حملهما ورعايتهما كما تعودت من سابق, في أن تبقى ولو بتقديم كوب ماء لهما الذينَّ لا يستطيعان أن يسقيان نفسيهما منه,
وبنفس الكاس كانت معاناة أبناءها المعاقين كبيرة ومؤلمة, وهم يتابعون حالة والدتهم الصحية وهي في عد تنازلي صحيا ونفسيا, الام التي كانت أحن القلوب عليهما وارحم الناس بهما, عاجزان فوق صفة عجز الإعاقة الملازمة لهما, لا يملكان شيئا يستطيعان تقديمه لها, مكتوفي الأيدي لعدم قدرتهم لمساعدتها غير دعاء الله سبحانه وتعالى, في صلواتهم واوقاتهم بالشفاء العاجل لها — تمنياي أن كان مرضها وعلتها في قلبها لتبرعا بقلبيهما لإنقاذها وعلاجها, وأن كان هذا لا يوفيها حقها وفضلها برعايتها وتعبها عليهما فيما مضى كما قالا ويرددا لمن حولهما,
كم كانت حسرة وحزن أبناءها المعاقين نفسياً مؤثرا وعظيما, عندما طال غياب والدتهما عن المنزل وتأخر علاجها في المستوصف, فقرر أحدهم زيارتها – – وتفاجا أن عليه البقاء خارج المبنى لعدم توفر أسنسير فيه !! يا للعجب لما يسمى مستشفى يجري عمليات وفيه غرف رقود المرضى بالدور الثاني بلا أسنسير ! أي مهزلة وأي اهمال من الجهات المشرفة على تلك المرافق بمنح تراخيص مزاولة المهنة, وعدم اشتراط مثل هذه المعدات والمستلزمات المساعدة خاصة التي تجري عمليات جراحية كبرى وتجنى الملايين من عملها,
كم كان وجعهما والمهما شديدان, وهم ينتظران أمام بوابة المستوصف وآنين وانات أمهما يصلان الى مسامعهما, وهما محرومان وممنوعان من زيارتها والنظر اليها ومشاهدتها وأن كانت على سرير المرض, والوجع والالم يعتصران كل عضو في جسدها ويحيطان ويملان المكان كأبةً وياساَ, أي قسوةَ يمران بها ويعيشانها !! وما ذنبهما حتى لا يرون أقرب وأعز الناس اليهما !! وحين وصلت حالتها الى مرحلة تهدد حياتها وبقاءها — قرر ابناءها بيع ما خف وزنه وغلاء ثمنه ونقلها للخارج وإنقاذ حياتها,
حينها لم يجد احد أبناءها المعاقين مفرا وحولا, ولخوفه وعدم تقبله أن لا يمكن أن يراها مرة أخرى,. قرر أن يلتقي بها مهما كان الضرف والمانع, ويأخذ منها نظرة وداع أخيرة ولو على قارعة الطريق حين يتم نقلها الى مطار عدن, وذات مساء بقي لساعة وأكثر أمام مسجد البيحاني, يحدق بالسيارات والمارة التي لا يبالي أحد به ويسأل نفسه ما سر وحكاية المعاق منتظرا وحزينا في المكان والزمان وقتها ؟ حتى توقفت بجانبه سيارة تحمل والدته وحين رآها, اخذت العبرة مآخذه منهُ وتثاقلت الكلمات على لسانه كتثاقل حركة كرسيه المتحرك وهو يقترب لرويتها وهي مسجاه بداخل السيارة ملفوفه بلحاف وردي,
قائلا لها : أتمنى لك الشفاء والعودة بالسلامة يا أمي, اختنقت الكلمات في صدره وعوضا عن قولها, تمنى وحاول جاهدا أن لو يضع يده على يدها او راسها, يتحسس ويلمس حرارة جسدها الذي يا ما وضعت الزيت والثلج على جسمه واطرافه, واسقته الدواء حين تكتسيه الحُماء والمرض, عجزت يداه المشلوله عن فعل هذا وكأن عقارب الساعة توقفت عندهما, نظرت اليه والدته سريعا مع صوت خفيف يكاد لا يسمعه من بجانبها, وكأنها لا تتمنى أن يراها وهي بهذه الصورة الضعيفة, بعد ما كانت لهما السند القوي, والمظلة الكبيرة التي تحميهما من عواصف الحياة وقسوتها,
أما أخيه الآخر ففضل البقاء في البيت بعيدا عن روئت والدته وهي بتلك الحالة المزرية بفعل فاعل, لم يستسيق روئت حمامة السلام والدف والحنان, وجناحيها مكسورة لا يسعفاها ويمكناها من التحليق والطيران في فظاء دارها الواسع كما كانت دوما, قرر يربط على قلبه وعينيه حتى لا يرى الحقيقة القاسية — بمثل رباط شاش وبرودة الدكتور الروسي, الذي فشل في أجراء عملية لها وفشل بوقف نزيفها وجرحها الدامي, سوى بتضميده بالشاش تارة ورتقه بالخيط تارةَ أخرى, كضم همه وغيضه في صدره وأن كان جسده وقواه لا يحتملان ذلك ويطيقانه,
أنها ماساه ووجع نفسي وصحي يكتنف الطرفين الآم وأولادها المعاقين, من يتحمل مسؤليته ووزر ذلك ؟ — صحيح أنه قدرهما ومكتوبهما – إلا أن هذه رسالة لمن يعنيه ويهمه الأمر !