كتب : أيمان خالد
كنت قبل يومين في عدن ( كريتر ) لأشتري بعض الأغراض من السوق أنا وصديقتي هبة الطويلة ، التي ما إن مشيت بجانبها بدأت بالقهقهة والضحك بحجة أننا أصبحنا رقم عشرة هي الواحد وأنا الصفر ، بل أنني مع بطني المنتفخة بسبب الحمل صارت تناديني ( دبة غاز ) وزادت من حدة ضحكها حين مر شاب من جانبنا وقال ” شنغل ومنغل ” أنا اتهمتها فورا بطولها ، وهي تقول أن السبب قصري ، ستظل زيتونة هكذا دائما لا ترى نفسها طويلة وترى الناس أقزاما .
اشترينا بعض الملابس ودخلنا شبس (الهناء ) الذي تسميه هبة شبس السعادة ، وحين خرجنا وجدنا الناس تركض بشكل هستيري , نظرت إلى وجه هبة وأنا أفتح عيني إلى أقصاهما وقلت ” شكله الحلقة الأخيرة ” .
تحركت هبة بشكل سريع وسألت إحدى المارة ” إيش في ؟ ” قالت المرأة : ” في صينين مدري من فين أجوا ” نظرت إلي هبة وقالت : يا بنت امشي هربنا ، ما أشتي أموت بالكورونا على الأقل أموت موتة زي الناس مش يجدلوبي زي الكلاب ”
لم نلبث إلا ثواني واختفت هبة بسرعة البرق ، حاولت الاتصال بها ولكنها تغلق السماعة بوجهي وأرسلت لي رسالة نصية تقول : سأذهب للصلاة ، لاحول ولا قوة إلا بالله .
لم أفهم ماذا تقصد ولكن ما خطر في بالي أن الساعة قامت ، بقيت أمشي بسرعة لا أدري أي درب أسلك ، وأنني في دهليز لانهاية له ، وأنا أمشي اصطدمتُ بغتة برجل ، نظرت إليه من رأسه إلى أخمص قدميه ، فإذا به رجل صيني يرتدي قبعة تشبه قبعات الصيد ، نظراته متعبة ، وعطس بقوة وهو يغطي بيديه وجهه .. ثم قال لي بلهجة متكسرة : أين مطعم مارسيليا ؟
لقد سقط قلبي من شدة خوفي ولم أستطع أن أعيده مكانه .. إنه صيني ولابد أنه يعاني من مرض ” الكورونا ” لهذا الناس كانوا يهربون ، أما أنا فنصيبي أن أصطدم به وأن يعطس أمامي ويسألني أين مطعم مارسيليا !
لقد انتهيت .. سأموت بسبب فايروس لا تراه العين ، بعد أن نجوت من الرصاص والقنابل والقذائف التي كنت أشاهدها تحلق من فوقي ، سأموت من دون أن تقبلني أمي ويحتضنني زوجي ، من دون صلاة ولا اغتسال ولا كفن ، سأدفن كما تدفنُ الكلاب .
ما أقبح هذا الموقف !!
كرر الرجل الصيني السؤال ولكن هذه المرة وهو ينكزني بأصابعه على كتفي ” أين مطعم مارسيليا ”
نظرت إليه بحدة وقلت : هييي لا تلمسني ، ألا يكفيك أنك عطست بوجهي ، هل جئت هنا خبثًا وإجرامًا لتنقل لنا مرضك القاتل ؟! أما رأيت الناس وهي تهرب منك ؟
فهم ما أقول بسهولة ثم ضحك بلطف وقال : لقد رأيت ولكنني ضحكت لأنني لست حاملا للمرض ، أنا هنا منذ عامين تقريبا لأسباب خاصة ، أمكث مع أخي الذي هو طبيب ويعمل هنا , وما أعان منه انفلونزا عادية كالتي تمر بكم .
لم أصدق أبدا ماقال لقد اشتعلت غضبا فجأة وقلت : أنت تكذب .
قال بسرعة لنذهب إلى المشفى حالا لنجري الفحوصات لتتأكدي .. ثم تابع بعد تنهيدة ” اعلمي أنني أمكث في المنزل منذ انتشار المرض خشية هذا الأمر ولولا أنني كنت مضطرا للخروج اليوم للبثت أيضا إلى أن ينتهي المرض ، الله الله لأن شكلي صيني أصبحت وحشا !
قلت بعد أن حاولت تهدئة نفسي : وما هو السبب الذي جعلك تخرج لتسبب كل هذا الرعب والخوف للناس ؟
قال : ابنتي خرجت وأضاعت الطريق واتصلت بي تقول أنها تنتظرني بجانب مطعم اسمه مارسيليا .
قلت بغتة : إذن هي أيضا تسبب مشكلة هناك !؟
قال ضاحكا : لا ، فقد خرجت وهي ترتدي نقابا وحجابا وما تضعونه على رؤوسكن ، ثم أطلق ضحكة قوية وهو يتذكر وتابع كم كان شكلها مضحكا .
أطلقتُ ضحكة كتومة وقلت : مع أنني لم أصدق شيئا مماقلت , وبما أنني سأموت قريبا سأعمل خيرا وأدلك على مكان المطعم .
ثم أخذته إلى المطعم وفعلا وجدنا فتاة ترتدي العباءة والجلباب والنقاب بشكل مضحك جعلتني أضحك بشكل لا إرادي ..
كان لقاؤهما جميلا احتضنته بقوة ويداها ترتجفان ، أما الأب فقد كان كالوحش الكاسر ما من شخص رآه إلا وهرب .
همس الرجل الصيني لابنته فجاءت إلي ومدت يدها تصافحني فمددت يدي على الفور ، ألقت علي السلام وشكرتني جزيل الشكر وأغرورقت عيناها بدموع الامتنان ، شعرت حينها بالذنب والندم ابتسمنا جميعا في نهاية المشوار وودعتهما وعدت إلى البيت ، أرسلت لهبة برسالة نصية ما حدث وأرسلت لي ” عفوا غلطانة يا أختي ”
المشكلة ليست هنا ، المشكلة أنني محبوسة في غرفة مغلقة في منزلنا منذ يومين بعد أن أخبرت أهلي بما حدث حتى الطعام يدخلونه لي بأكياس النايلون وهم يرتدون القفازات والكمامات من تحت الباب خشية العدوى ، علاوة على ذلك قالوا أن الأمر سيستمر لمدة 14 يوما حتى يتأكدوا من أنني مصابة بالمرض أم لا .
عموما.. إذا وجدتم الرجل الصيني قولوا له ” خليك بالبيت ”