كريتر/ وكالات
يتفق الكثير من اليمنيين على “فشل وعجر” حكومة بلادهم، في التصدي لأبرز المشاكل الاقتصادية والخدمية، التي باتت تعصف بالبلاد التي تشهد حربًا منذ قرابة 4 أعوام.
غير أن القرار الرئاسي الصادر أمس الاثنين، بإعفاء رئيس الحكومة، أحمد عبيد بن دغر، وإحالته إلى التحقيق، دون الإطاحة بجميع أعضاء الحكومة، خلق مزيدًا من التساؤلات لدى الشارع اليمني.
ووفقًا لقرار الرئيس، عبدربه منصور هادي، فإن أمر إعفاء بن دغر من منصبه وإحالته للتحقيق، يأتي كـ “نتيجة للإهمال الذي رافق أداء الحكومة خلال الفترة الماضية في المجالات الاقتصادية والخدمية”.
وأضاف القرار أن الإقالة جاءت لـ “تعثّر الأداء الحكومي في تخفيف معاناة الشعب وحلحلة مشكلاته وتوفير احتياجاته وعدم قدرتها (الحكومة) على اتخاذ إجراءات حقيقية لوقف التدهور الاقتصادي في البلد، وخصوصًا انهيار العملة المحلية، ولفشلها في اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة كارثة إعصار لبان بمحافظة المهرة، وما أصاب أبناء المهرة جرّاء هذه الكارثة دون تحرّك فعلي من الحكومة، ولتحقيق ما يصبو إليه شعبنا من استعادة الدولة واستتباب الأمن والاستقرار، وللمصلحة الوطنية العليا للبلاد”.
فترة حافلة بالإخفاقات
المحلل السياسي، منصور صالح، قال لـ “إرم نيوز” إن فترة بقاء بن دغر رئيسًا للحكومة اليمنية، هي “فترة حافلة بالإخفاقات”، انهارت فيها العملة المحلية بشكل غير مسبوق، وصاحبها الفشل في التنمية، والإعمار وتوفير الخدمات، إلى جانب اخفاقات في المعركة ضد مشروع الانقلاب.
وأضاف أن الحكومة تحوَّلت في عهده إلى “حكومة عائلية، احتكرت فيها الوظيفة الوسطى على المقربين منه ومن أعضاء حكومته”، مشيرًا إلى أن عملية طباعة العملة بشكل مستمر دون غطاء مرتبطة بالفساد بشكل أساس.
وأوضح أن حكومة بن دغر، مارست استفزازات في الجبهة الداخلية، بما فيها استفزاز الجنوب وقوات المقاومة الجنوبية والمجلس الانتقالي الجنوبي؛ ما أسهم في خلق حالة من العداء ما بين القوى الجنوبية المؤثرة وفي مقدمتها الانتقالي الجنوبي، وجبهة الشرعية ممثلة بالرئيس هادي.
لماذا بن دغر فقط؟
أصبح بن دغر ثاني مسؤول يمني تتم إقالته وإحالته إلى التحقيق، بعد وزير الدولة السابق، نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي حاليًّا، هاني بن بريك، العام الماضي، وهو أيضًا ثالث رؤساء الحكومة اليمنية المتعاقبين في عهد الرئيس هادي.
وخلال الخلاف الشهير بين بن دغر، ومحافظ عدن المستقيل، عبدالعزيز المفلحي، أواخر العام الماضي، وصف الأخير بن دغر بـ”رئيس حكومة يخطف الماء من أفواه الناس، والضوء من عيونهم”، وقال في بيان استقالته إن “الفساد المتفشّي في حكومة بن دغر، ملأت روائحه الكريهة أجواء اليمن ومدنٍ شتى في العالم، وقد أصاب البلاءُ البلادَ”.
وأثار قرار إعفاء بن دغر وحده من منصبه، دون إعفاء جميع وزراء الحكومة، جملة من تساؤلات اليمنيين على مواقع التواصل الاجتماعي، حول سرّ الإبقاء على أعضاء الحكومة منذ عهد رئيس الحكومة الأسبق، خالد بحاح، خصوصًا وأن سبب الإعفاء هو السبب ذاته الذي أقيل بسببه بحاح، والمتمثل في “إخفاق الحكومة”، على الرغم من التعديلات الطفيفة التي أجريت على بعض الحقائب الوزارية.
يقول المحلل السياسي منصور صالح إن “بن دغر، حرص على إيجاد منظومة متكاملة من الوسائل والمطابخ الإعلامية للترويج له واستهداف خصومه، والانفاق عليها بشكل مهول، وأوصل البلد إلى حافة الانهيار، وفي عهده باتت الأوضاع الاقتصادية تسير بصورة سريعة نحو الانهيار الكلي”.
وأشار إلى أنه “تظاهر بكونه رجل موقف أو صاحب مبدأ، وأكثر من الحديث عن السيادة ويحاول الإساءة واستهداف الأشقاء في التحالف، كما أسهم في وجود فجوة كبيرة ما بين التحالف والرئيس هادي؛ ما أضعف دور الرئيس وتسبب في عرقلة جهود التحالف في إطار حسم المعركة”.
حسابات حزبية
الكاتب صلاح السقلدي يقول إن قرار إقالة بن دغر “لا يخلو من الحسابات الحزبية، خصوصًا مساعيه الأخيرة لجمع قيادات حزبه (المؤتمر الشعبي العام) في الداخل والخارج، وهي مساعٍ استهدف بها هادي بدرجة أساسية – أو هكذا فهمها هادي وجماعته المؤتمرية”.
ويضيف في منشور على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” أن الإقالة هي “رسالة تصالحية من هادي للانتقالي والإمارات”، ويقصد المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي سبق وأن طالب بإقالة الحكومة نتيجة لـ”فسادها”.
ويرى القيادي السابق في جماعة الحوثيين، علي البخيتي، أن قرار إقالة رئيس حكومة وتعيين غيره أمرٌ اعتيادي، “لو لم يكن هناك ديباجة حاقدة في القرار وإحالة للتحقيق؛ هذا ما يجعل قرار هادي فضيحة، فقد حمّل الحكومة المسؤولية ثم نصّ على بقاء أعضائها”.
مستقبل الحكومة
مصادر في الحكومة اليمنية، قالت لـ “إرم نيوز” إن أولى المهام التي سيواجهها رئيس الحكومة اليمنية الجديد، معين عبدالملك، هي تقليص الحكومة وتشكيل حكومة أشبه بـ”حكومة حرب”، مكونة من بضع عشرة وزارة فقط، بدلاً عن الحقائب الوزارية الحاليّة، البالغ عددها 36 حقيبة.
وتضيف المصادر التي فضّلت عدم الكشف عن هوياتها؛ لأنها غير مخولة للحديث لوسائل الإعلام، أن من المفترض الإعلان عن “الحكومة المصغّرة” المناسبة لوضع البلد والحرب التي يشهدها ضد الانقلابيين الحوثيين، سيكون خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، على أن تشرع هذه الحكومة في تنفيذ خطة معينة، محددة سلفًا.
ويعتقد الصحفي اليمني، عبدالرحمن أنيس، أن الملف الاقتصادي سيكون في قائمة التحديات التي تنتظر رئيس الوزراء الجديد، لا سيما إيقاف تدهور العملة المحلية، باعتباره القضية الأكثر إلحاحاً الآن، لأن ضرره يمسّ المواطن بدرجة رئيسة، إذ أصبح الدولار الأمريكي اليوم، يعادل 710 ريالات، بعد أن كان سعره يساوي 215 ريالًا يمنيًّا في عام 2015م.
ودعا أنيس خلال حديثه لـ “إرم نيوز”، رئيس الحكومة الجديد، إلى ايقاف العبث الجاري في استنزاف العملة الصعبة، وخصوصًا فيما يتعلق بصرف مرتبات المسؤولين بالدولار، “وهي بدعة انفردت بها حكومة بن دغر عن كل الحكومات السابقة التي حكمت اليمن، فلم يحصل من قبلُ أن تقاضى المسؤولون في الحكومة من درجة وزير إلى درجة وكيل مساعد مرتبات بالدولار بمن فيهم المسؤولون المقيمون داخل اليمن”.
وإلى جوار مهمة إنقاذ الوضع الاقتصادي في اليمن، تبرز الأوضاع الإنسانية والأمنية والخدمية وإعادة الإعمار واستعادة المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين، كأبرز التحديات الأخرى التي تنتظر رئيس الحكومة اليمنية الجديد.