سالم فرتوت
أبكم اطرش احسب أنه آت من أزمان سحيقة ،ولو أنه عاش مع أسلافنا الأول الذين كانوا يتفاهمون بالإشارة لما واجه مشكلة!
ضغط الرجل الغريب على فرامل سيارته بشدة فأحدث احتكاك إطارات سيارته صوتا صارخا بالاسفلت ..فتح باب السيارة الفخمة مغضبا ،وتناول مسدسة اتجه صوب الفتى اللامبالي به ،ومن على بعد خطوات هرع كهل قصير وهو يهتف به:(يأخ ،ياخ هذا مجنون،يأخ مجنون اعجم اطرش لايفهم).
وكان الأعجم قد رمى السيارة غير الآبهة بمهمته بحصاة كانت بيده لتجاهلها له فأصابت زجاجها عند بابها الجانبي ،فقد اعتاد منذ أيام الوقوف في عرض الطريق العام وبيده مجرفة ليصلح مطيا تخلف عن حفر عمال المياه لاستبدال ماسورة انفجرت تحت الأسفلت،ولم تقم مصلحة الطرق بواجبها .فاضطلع هو بدورها طمعا في عطايا أصحاب السيارات الذين سبب لهم ذلك الشق في الأسفلت مشكلة خفف الأعجم من حدتها! إذ راح يعالج المطب،كما يعالج طبيب العظام الكسور، بالأتربة وبالماء يرشه عليه من قربة صدئة ..فمر السيارات بسلاسة.
استحسن السائقون منه ذلك فنفحوه العطايا بدءاً من عشرة الريال وانتهاءً بخمسمائة وأكثر أحيانا، ولاسيما من قبل أولئك المقتدرين ممن يلمون بالطريق لأول مرة،وهو ماجعله يستفز آخرهم برميه بالحصاة احتجاجا على تجاهله .
لقد عثر الفتى ذو الخامسة والعشرين على عمل أسهل من تلك الأعمال التي استغل فيها أهالي قريته قوته بحمل حاجاتهم الثقيلة او فى العمل في الحقول والبناء بأجور زهيد. كان يدخرها في صندوق حديدي اشترى له قفلا كبيراكيلا يتمكن اي من أقاربه من كسره!
ارتاح لعمله الجديد الذي كسب منه الكثير دون عناء يذكر. .فماهي إلا لحظات حتى اصلح المطب ،وما ان تقدم سيارة إلا ورمى عليه بشئ من الثرى او رش الماء عليه .
فيتلقى العطايا. .
حتى إذا حان الظهر عاد إلى بيت ذويه. .وراح يعد حصاد يومه،ويلقى به في صندوقه .ويساله الذين يجيدون التفاهم معه بلغته:(ماذا ستفعل بمالك)؟
ويجيبهم :(سأبني عمارة أكبر من تلك التي انتصبت هناك).
ويسأله آخر بعقد سبابتي كفيه التي المقصود بها الزواج. .فيشير الأعجم جهة الغرب هناك حيث النساء بيضاوات كاللبن فيتزوج واحدة كتلك التي عاد بها ابن عمه الذي درس هناك حيث تغرب الشمس كما اشاروا .
صار حرا بعمله الجديد فما عاد يقبل أية اجرة تقدم له .ففي عصر أحد الأيام حمل حوالي ثلاثين كيس ارز ودقيق وسكر إلى مستودع الحاج فرج ،فأعطاه هذا ثلاثمائة ريال وهو يثني عليه كالعادة،لكن الاعجم أشار إليه طالبا ثلاثة ألف فوصفه بأنه مجنون احمروجهه امتدت بده تطوق التاجر العجوز من نصفه الأسفل وكاد يلقيه ارضا ،لولا تدخل بعض الحاضرين،وقال أحدهم:(اعطه الف ياحاج)!
ولم يرض هو إلا بألفين وهو يهمهم ويشير بيديه شاتما ومهددا بأنه لن يحمل مع فرج البخيل بعد.مشيرا إلى أنه صار يكسب أضعاف وهو يشير بحركة يديه إلى شغله غير المجهد في المطب .هناك حيث يقف منذ الصبح حتى الظهر فيمده ويشير بيديه لحركة يدي سائقي السيارات على عجلة القيادة يمدونه ب:( ويفرك انملة بهامه بالسبابة وهو يهمهم ويضحك بفخر). فكم هم كبار في نظره ! حتى إذا تضاءل اهتمامهم به راح يستفز كل من تجاهله برميه بالحصي التي يلتقظها من رصيف الطريق العام.الامر الذي قلب تعاطف كثيرين منهم معه إلى غضب عليه!
فرآه بعض الأولاد منتصف إحدى الليالي وهو يعيد المطب إلى حالته السابقة
فعادت العطايا إليه. وينكر انه هو من يقوم بذلك ويده تمر بذقنه لائما نفسه إن كان هو أو من اتهمه.
عادت العطايا إليه ..ومامن أحد تجاهله إلا رماه بحصاة غير قاصد سوى لفت نظره كما فعل مع الرجل الغريب. .الذي كان من سوء حظ الأعجم أن حصاته أصابت زجاج باب الرجل المهم. .فكاد يقتله لولا انه عرف انه متخلف عقليا صحته ظروف مستجدة.فوجد في هذاالمطب رزقا-والرازق الله-
كفاه الأعمال العضلية التي كان تستنزف قواه من الصباح حتى المساء باجرة تقل اضعاف عما يكسبه من مطبه الذي جاء عمال مصلحة الطرق ذات عصر فاصلحوه .
جاء الأعجم في صباح اليوم التالي بعدته مجرفة وحجنة وقربة الماء يحملهن في شوال عتيق. .
بحث عن مصدر رزقه ..هل أخطأ المكان. .راح يحوم ويرسل النظر على امتداد الطريق كالسبع اشتد عليه الجوع يبحث عن فريسة كانت في متناوله .كذلك كان حاله الأعجم فاهوى حجنته على الأسفلت الجديد ليستعيد مصدر رزقه.