كتب : عبدالستار سيف الشميري
ليس من الصعب جمع كل تفاصيل خسائر سنوات الحرب الخمس الماضية حيث أن مراكز الدراسات والتقارير الدولية وجهود المنظمات قد وثقت أرقاما هامة من ذلك لاسيما في الجانب الاقتصادي والإنساني وكثير من الفواتير الباهضة للحرب تم توثيقها بشكل ما.
لكن الدراسات المكثفة حول حجم الكارثة وتقديرات امتدادها القادم وتاثيراتها العميقة ربما مثل هذه الدراسات لم تبداء بعد كون الحرب لاتزال مستمرة اولا . وثانيا .غالبا مايتم التركيز على الخسائر الاقتصادية والانسانية ومؤشرات الارقام والتقارير التي صدرت وتناولت جوانب وزوايا من هذه الخسائر الفادحة والتي أشارت بعضها بأن الخسائر المادية للدولة بلغت مائة وثمانون مليار دولار والرقم في ازدياد يقابله رقم مشابه فيما يتعلق بخسائر مادية تخص المواطنين . ناهيك عن ثمانية مليون غادروا البلاد أو نزحوا داخليا . ومليون شهيد ومثله معاق وجريح ناهيك عن الجوائج الصحية والبيئية الفتاكة.
وتتعدد الخسائر وحصاد سنيين الحرب إلى مالا نهاية لدولة أصبح توصيفها في أدبيات السياسة (منهارة) لكني في هذه الأسطر اود لفت الإنتباه إلى ماهو اهم وأعظم من هذه الخسائر المادية والبشرية .. طبعا لا أقصد هنا اغفال الفشل الذريع للحكومة الشرعية في الإمساك بالخدمات وتلافي الفساد ورغم أن ذلك يشكل كارثة كبرى وخسارة فادحة لكن ليس هو بيت القصيد.
كما أن الإخفاق العسكري عن أي إنجاز خلال السنوات الأخيرة وتوقف الجبهات كما كانت في السنة الأولى مع فشل وشلل في جبهة نهم وتعز . لاشك أن هذا يشكل خسارة كبيرة وفشل اضافي
لكن أيضا ليس هو الأهم ، كما أن توصيف اليمن بحسب أدبيات السياسة دولة منهارة مثلها مثل الصومال ولهذا التعريف دلالة الخروج من الدولة للعصابات والجماعات وهو أمر يطول باي دولة تصل لهذا المستوى لعشرات السنين حتى تتعافى وتكتسب مفهوم واسم الدولة من جديد، ولاشك أن هذا الأمر يشكل أسواء كارثة ، ولكن وللأسف هناك ماهو اسوى من ذلك.
وهو كارثة الكوارث من حصاد هذة الحرب التي تعد الأطول والاعنف في التاريخ اليمني وربما العربي .
لعل أكبر كارثة خلفتها سنوات الحرب في اليمن يتجلى في نقطتين
النقطة الاولى : هذا الكم الكبير من الاضغان والثارات وتشبع الجيل الجديد بكم هائل من الكراهية وتشرب الدم واستسهال القتل وسفك الأرواح وتبلد الاحساس.
والنقطةالثانية : كسر الرمزية اليمنية للشعب اليمني كشعب مكافح يحب العمل والإنتاج الى شعب حاضن لجماعات العنف والإرهاب وبكل الوانها .
أصبح الحديث عن اليمن هو حديث عن الحوثي والقاعدة والاخوان .
وأصبحت هذه الصورة النمطية هي الحاضرة عند شعوب الأرض عن اليمن السعيد . أغلقت الدول ابوابها عن استقبال اليمنيين ومن استقبلتهم تنظر إليهم بخيفة وحذر شديد.
ليس من السهل تغيير الصورة القبيحة التي تلبسها اليمنيون شعبا . بفعل هذه الحرب الابعد عشرات السنيين من التعافي والبناء والعمل ومعالجة آثار الحرب.
ذلك أن المشروع اليمني المدني انهزم وتوارت الأحزاب المدنية ليحل محلها جماعات تخلط الدين والسياسية والمال بطريقتها الخاصة ولمشاريعها الخاصة
الاصطفاف الذي تشكل مع الشرعية لم يستطيع التعبير عن اليمن كمقابل ضد المرض الحوثي . بحيث يشكل نمطا لشعب به طائفة ضاله ما تحتاج إلى استئصال ومقاومة من اصطفاف نوعي تعبر عنه الشرعية .
لقد قدمت الشرعية نفسها في ثوب من الفساد والفوضى والضعف . خدم الحوثي وافقد الناظر عن بعد اي تمايز بين الطرفين ولعل السبب في ذلك هو اختطاف الشرعية ومؤسساتها من تنظيم الاخوان والذي قزم الشرعية ونافس الحوثيين في ابشع الجرائم في المناطق المحررة وهزمت الشرعية أخلاقيا قبل أن تتأخر عسكريا ، وكما هو معروف أنه عبر تاريخنا اليمني كانت الثورات والحروب التي يصطف معها الإخوان تنهزم عسكريا ؛ أو أخلاقيا ابتداء من ثورة 48 وحتى حرب اليوم.
لقد خسرنا الكثير في اليمن بسبب هذا الجماعة التي تعمل لحسابها الخاص وليس لليمن ، لكن المصيبة الكبرى اليوم أن مايسمى بالشرعية هي مؤسسات ومعسكرات إخوانية يراد لليمنيين أن يقفوا الى جوارها ويعترفوا بها ، أن خطيئة عبدربه الرئيسية هي تسليم كل مقاليد الحكم والإدارة العسكرية والمدنية لهم مع بعض هوامش للآخرين لا تسمن ولا تغني ، أن الغضب الشعبي الذي نلحظة اليوم على الشرعية هو في جوهره غضب من تصرفات الإخوان وعبثهم باسم الشرعية ويبدوا الامر ماثلا في القضية الجنوبية حيث وجد الجنوبيون أنفسهم في مواجهه حقيقية مع الإخوان ومعسكراتهم ومؤسساتهم باسم الشرعية ، وكذلك هو الوضع في تعز ومأرب وكل المناطق المحررة .
أن انفصال الرئيس والمؤسسات عن الجماعة أصبح ضرورة لاستعادة شي من الثقة بالشرعية من جديد ،ومالم يتم ذلك فإن الخسارات المتوالية ستنهمر كالمطر على الشرعية تباعا ،
وسوف تزداد فاتورة حصاد الحرب تباعا وذلك يشكل مكاسب إضافية لجماعة الحوثي والمشروع الإيراني القطري في اليمن ،
أن تغييب الرئيس واختطافه بهذا الشكل كارثة إضافية لكوارثنا العديدة. واحد حصاد سنوات الحرب المريرة
تبدوا اليمن اليوم أشبه بدويلات جديدة لجماعات إرهابية قفزت إلى الجغرافيا في غفلة التاريخ والشعب
واقتطعت حيزا من قلب الوطن تحكمه وتنهبه وتسفك فيه الدماء بطريقتها وعلى طريقة ونماذج داعش في العراق والشام . وطالبان أفغانستان .
لايجب المكابرة والإنكار ويجب الاعتراف ليس في اليمن غير جسد موهوم اسمه الشرعية والدولة . ليس له حضور فعلي على الأرض بتاتا .
أما الحضور والواقع فيقول ن هناك عصابتين مدعومتين خارجيا تتحكمان بمعظم الجغرافيا والموارد وتتنافسان في الفتك والدمار وتتكاملان في نفس الوقت مع وجود راعي خارجي واحد أو يكاد يكون كذلك بتقادم الايام.
الإخوان والحوثي وجماعات العنف هي اليوم من تقرر وهي التي تتغلغل في كل فراغات الشرعية المتخمة بالفوضى والضعف والفساد.
وهي أحد ابرز ما خلفته الحرب في جغرافية اليمن السياسية وما بعد انهيار الدولة . ومنهما تأتي كل روافد الحرب وكوارث اليمن المتعاقبة
حصاد سنوات الحرب الثقيلة ستجعلنا كشعب وأمة في اخر سلم الدول والشعوب لأجل غير مسمى.
وبداية تفكيك هذه الجماعات عبر جيل جديد، بوعي جديد هو اول الخطوات لاستعادة الأنفاس والحياة .
يبدوا حصاد السنوات الماضية مرا ومهلكا ؛ وتبدوا كثيرا من الدماء والتضحيات ذهبت ادراج الرياح ولصالح تجار الحروب ولاتزال تذهب الى اليوم للاسف الشديد.