كريتر نت / كتب- د.يوسف سعيد احمد
(1)
شخصيا قد لا احتاج الى التوضيح ما اشرت اليه في مقال الامس بمناسبة يوم ال 30 من نوفمبر المجيد وان بنظرة نقدية البعض للاسف اعتقد انني اتعمد تشويه تجربة الجنوب و التقليل من يوم ال 30 من نوفمبر المجيد “عندما عنونت مقالي بذكرى الاستقلال..”.
ثم انني انتقد التجربة من داخلها وتبقى الحقائق ناصعة بكلمات اخرى ليس لدي مآرب اواسعى لخدمة اجندات او اعمل لصالح طرف اواطراف هدفة الاساءة للتجربة الاقتصادية واي تجربة يجب ان تتعرض للنقد فليس هناك ماهو مقدس .
( 2) اجد نفسي في الذكرى مابعد اليوبيلية للاستقلال المجيد ملزما في تصحيح معلق من صورة ذهنية ان الجنوب نجح في انجار تجربة اقصادية والتي يراها البعض ايجابية ولا بد استنساخها هؤلا لايعلمون ان دولة الجنوب بمؤسساتها قامت على اصول ليس اصولها .
انا هنا لا اقارن مع الفترة الحالية سلبا وايجابا .
لقد ورثت حكومة الاستقلال كم هائل من التحديات الاقتصادية.
وفي نفس السياق اوافقكم الراي في انه لايمكن ان يكون التناول منصفا وسليما علميا فيما يتصل بتقييم تجربة دولة الاسقلال في التعامل مع الملف الاقتصادي وبهذه الخفة السرعة وعلى هذا النحو لذلك تظل مرحلة مابعد الاستقلال وحتى ١٩٩٠ تحتاج الى دراسة تقييمية محايدة من كل الجوانب وعمل كهذا لاينهض به إلا مراكز الدراسات و من عاصروا هذه التجربة عن قرب .
لقد جاء استقلال الجنوب 30 نوفمبر 1967 في ظروف زخم ثوري وتوسع النظم الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفيتي بالتزامن مع مرحلة المد الثوري التحرري العربي والافريقي بقيادة مصر عبد الناصر ورواج فكر القوميين العرب وافكار ميشل عفلق في العراق وسوريا وكل هذه المنظومة كانت تنشد في المضمون انتهاج الخط الاشتراكي بالنظر الى رومانسيتة آنذاك في ظروف الانقسام بين الغرب الامبريالي بقيادة الولايات المتحدة والشرق بقيادة الاتحاد السوفيتي . ولهذا اختيار طريق البناء الاشتراكي الذي نشا في الجنوب جاء متاثرا بكل هذه العوامل مجتمعة.
( 3)
لكن في الجنوب كان انتهاج الطريق الاشتراكي عملية جذرية الى درجت التماهي مع المنظومة الاشتراكيةو في ظروف وواقع مختلف تاريخيا وثقافيا وبنيويا.
كانت مصر عبد الناصر تعادي الغرب في ظل حكم الاتحاد الاشتراكي ولكنها رغم اجراءات الاصلاح ابقت على القطاع الخاص وعلى علاقتها مع الغرب الراسمالي بالتوازي مع تطوير علاقتها بالاتحاد السوفيتي وجاء هذا الخيار في ظروف الصراع العربي الاسرائيلي ونفس الحال سوريا والعراق في ظل قيادة حزب البعث حيث لم يمنعهما تطوير علاقتهما مع الاتحاد السوفيتي في الحفاظ على علاقاتهم بالغرب و الابقاء على دور تنموي للمشروع الخاص جنبا الى جنب مع القطاع العام.
سوريا والعراق عمدت في سياساتها الخارجية على تعزيز روابطها بالشرق والغرب لان نخبها الحاكمة اخذت بعين الاعتبار مصالح شعوبها او كانت اقل اندماج مع المنظومة الاشتراكية ولذلك استفادتا من الشرق والغرب على الرغم من الصراع المحتدم .
لكن شبة القطيعة الدوبلماسية التي اختارتها حكومة الاستقلال وخاصة بعد يونيو ١٩٦٩ مع بعض النظم الراسمالية وخاصة مع الولايات المتحدة والتطبيق الحرفي للا فكار و الشعارات الاممية في ظروف البيئة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية المختلفة جذريا كان فاقعا لم ياخذ بعين الاعتبار المصالح الوطنية حد ان اصبحت الوطنية لاتمر إلا عبر الاممية ” الوطني الجيد هو الاممي الجيد ” وفي هذه الاشارة يجب ان يفهم انني اقصد ان حكومة الاستقلال لم تكن تفكر بمصالح شعبها لكنهم كانوا انطلاقا من وعيهم وتوجهاتهم ان تعميق العلاقة مع الاتحاد السوفيتي بشكل خاص يستجيب وهذه المصالح.
في سياق هذه التوجهات جاءت اجراءات التاميم وتم تاسيس بنية الدولة ” مرافقها” على اصول القطاع الخاص وفي ظروف الحصار الاقتصادية لم تستطع دولة الاستقلات خلق اصول اقتصادية جديدة بل لم يتم الاستفادة من المرتفعات الاقتصادية المؤممة والزمت المؤسسات العامة التي انشات على اصول القطاع الخاص التجاري والمالي بتشغيل وتوظيف الناس دون ان تكون هذه المؤسسات بحاجة لهذه العمالة ولذلك كل المؤسسات التسويقية والانتاجية لم تعمل على اسس اقتصادية ولم تولد قيمة مضافة تعزز من الناتج المحلي الاجمالي هذه المؤسسات مجتمعة على رغم انها كانت محتكرة في مجال نشاطها بدون منافس لكنها بقت تعتمد على دعم الموازنة العامة.
(4)
وفي المحصلة توقفت الحياة الاقتصادية وتراجع النمو ولم تجدي السياسات والاجراءات لان لا استثمارات جديدة خاصة مع الاقصاء الجبري للقطاع الخاص وتوقف القروض والمساعدات الخارجية.
وتعمقت التحديات مع عدم مراجعة الحكومة للاجراءات التي اتخذت بحق القطاع الخاص لضمان تنويع مصادر النمو . والمشكلة ان الاتحاد السوفيتي الذي حل محل الانجليز و الذي كان يعلن بين الحين والاخر ” على لسان الزعيم برجنيف ” يمكن لليمن الديمقراطيةالاعتماد على دعم الاتحاد السوفيتي ” لم يستطع تعويض الفراغ الذي تركته بريطانيا المالي والاقتصادي على الجنوب واقتصر على الدعم العسكري وقدم مساعدات في بناء ميناء الاصطياد و المحطة الكهربائية اضافة الى مشروعات الري واستصلاح مزارع الدولة على اراضي الملاك وبناء محطات” ورش” تاجير الاليات الزراعية غير ان هذه المشروعات لم تكن ناجحة او تعمل وفق اسس اقتصادية لتضيف للناتج والدخل .
عدا ان تنفيذ كل مشروع كان يستغرق زمنا يتجاوز العشر سنوات مما رفع من تكلفة القروض المقدمة وقلل من قيمة هذه المشروعات وعوائدها الاقتصادية.
والجدير بالذكر ان بعض هذه المشروعات كان يجري تصميمها دون مراعاة ظروف الواقع” السدود التحويلية مثلا” والمحصلة ان الاقتصاد المعتمد على الملكية العامة” القطاع العام ” فشل انتاج السع التي يحتاجها السوق اوان يخلق وظائف جديدة او يخلق فوائض لانه لم يعمل وفق اسس اقتصادية سليمة بالمقارنة مع ماكان يولده القطاع الخاص من سلع ومايخلقة من وظائف عدا ان العجز المزمن في ميزان المدفوعات لم يتيح للحكومة من توفير حاجات السكان من السلع الكمالية التي يمكن شرائها ومع ذلك لم يكن الدخل المتاح يسمح بشراء اي سلع واعتمد السكان على السلع الغذائية الرئيسية المدعومة من قبل الدولة ماعدا ذلك من السلع كان ينظر اليه كشيء كمالي مع الاشارة و للانصاف انه في ظل فترةعلي ناصر بدأنا نرى تحسن في توفر السلع الكمالية التي كنا لانراها إلا في شهر رمضان وبدا السماح لبعض الانشطة الخاص في العمل .
لكن الدعم العسكري السوفيتي وتاهيل الآلاف من الطلاب في جامعات الاتحاد السوفيتي وبلدان شرق اوروبا في القطاع المدني والعسكري كان فعالا غيران ماقدم في هذا المجال لم يكن مجانا وبدون مقابل ولكنه بقروض وصلت الى نهاية الثمانينات 9 مليار دولار جرى اسقاط ٧٠% في نادي باريس عقب تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية .
واخيرا كان يمكن للجنوب بعد الاستقلال ان ينظم لدول الكومنولث وينوع مصادر كفاءاتة العلمية بتنوع المدارس و التي انحصر تاهيلهم في البلدان الاشتراكية عدا عن الحصول على المساعدات التي يتيحه النظام للدول التي خضعت للاحتلال وكان يمكن بقاء مرافق مهمه باسمائها القديمة كمستشفى الملكة في مديتة خورمكسر ” المستشفى الجمهوري” حاليا لضمان تطويرة وتشغيلة وكان يمكن بقاء بعض المصالح البريطانية قائمة وكان يمكن تطوير ميناء عدن وتحديث مصاف عدن وكان يمكن ان يشكل القطاع الخاص المحلي والاجنبي الذي كان متواجدا رديفا للتنمية الاقتصادية وكان يمكن ان تكون سياستنا الخارجية برجماتية تستفيد من الشرق والغرب ومن دعم الدول النفطية الشقيقة في تعزيز النمو الاقتصادي وتحسين حياة الناس وانجاز تنمية اقتصادية حقيقية فيمالو اخذت المصالح العليا بعين الاعتبار وترك مساحة للنخب الفنية المجربة في ان تقود قطاعات التنمية.