كتب : صالح عبدالله مثنى
للتذكير بروابط القرابة بقرية اخوالي واجدادي – قرية الملحه – التي ينتمي اليها الفقيد عبد الله مانع كان يروق لي ان ادعيه دائماً يا “بن خالي” وهو في الواقع اكثر من ذلك ، فهواخ وصديق ورفيق ولذلك فاني برحيله اشعر وكأن جزأً مني قد توقف عن الحركه، وبحياته المرحه وعلاقاته الوديه مع الجميع تبدو الحياة في بيئته ومحيطه وكانها قد ماتت ، وبادواره النضاليه الكبيرة كأن ركناً في جدار الدفاع عن الوطن قد تهاوى .
في مقتبل شبابه التحق بحرب التحرير وبعدها اصبح احد ابطال الدفاع عن دولة الاستقلال وسيادته وكرامته، في الاعوام ٧٢-٧٩-١٩٩٤ وماقبل وبعد كان عبد الله مانع في الصفوف الامامية مقاتلاً باسلاً وفي بعضها تعرض لاصابات قاتله ، مزقت احداها جسده حتى تدلت احشائه على جسمه ولكن ذلك لم يكن يثنيه عن استئناف المشاركه حتى قبل ان يكتمل مشافاته من الجروح الاولى ، لم يكن احد يتوقع انه سيعيش بعدها ، ولكن الله كان يكتب له عمراً جديداً بعدكل مرّة يصاب بها ، كنت انضر اليه كالشهيد الحي ، لم اصدق انه لازال على قيد الحياة الا عندما كنت اسمعه يضحك مع كل جملة نتداولها في الحديث ، وكأن شيئاً لم يحدث ، لقد استمر على طبيعته محتفضاً بروح المرح والسكينة كالعاده لايشعر احداً بمعاناته وبأنه يحمل تلك الجروح العميقة في داخله والتي ضلت تجدد الامه بين الحين والاخر حتى وفاته .
الفقيد عبدالله مانع مناضل في اسرة ال مانع المجيدة التي لم يكن يخيف الموت اوالشهادة احداً فيها، يتسابقون على تسجيل البطولات والانتصارات ، ليتميز كل فرد فيها عن الاخر بعطاء التضحية اكثر في سبيل حرية الشعب والدفاع عن الوطن ، يتوارثون حمل راية المقاومة والثورة اباً عن جد ، فهو والداول شهيد في معارك المواجهة مع قوات ضبعان العفاشية -الشهيد عادل عبد الله مانع ، وهو شقيق المناضل محمد مانع احد قادة حررب التحرير الاولى التي ارغمت الاستعمار البريطاني على الرحيل وتحقيق الاستقلال الوطني الاول ، وهو عم الشهيد البطل بركان محمد مانع احد قادة حرب التحرير الثانية التي اندلعت ضد الاحتلال الجديد والذي ارغم هو الاخر على الرحيل في اخر المطاف .
ان تضحيات هذه الاسرة المناضله مثل غيرها على طول وعرض الضالع الباسله وكل الجنوب العظيم هي من تمنح الجيل الجديد عنفوان المقاومة والصمود دفاعاً عن حرية الشعب وكرامته وتقدمه ، الجيل الذي يقاتل اليوم بكل بسالة وشرف ويلحقون بجيوش الغزو كل يوم هزائم جديده ويقدمون خلالها الشهداء بدون حساب وهم يحملون امل شعب بمستقبل حر امن ومزدهر .
ان الذين يعتقدون ان الامعان في العدوان على الوطن وقتل ابنائه وتدمير مكونات حياته سيجعلهم ينتصرون وينعمون بخيراته هم واهمون لأنهم لا يعرفون من التاريخ شيئاً ، فالمناضل عبد الله مانع صالح واسرته المكافحة هم ورثة قيادات وطنية مجيده وامتداد طويل لمقاومة متواصله ضد كل اشكال الغزو والعدوان والاستعمار بقت شواهده قائمة مع الزمن ، فاطلال الخراب والدمار الذي الحقه الاستعمار بكل دور وبيوت قريتة الملحه لازالت معالمها ماثلة للعيان ، ومنها ضل الاباء والاجداديتوارثون حمل راية الثورة الواحد تلو الاخر ، لم يكن يخيفهم ان يسقط الاول منهم شهيداً ليواصل ابنائه من بعده دون وهن او خوف او توقف ، فمن هذه القرية وفي العام ١٨٧٠م تصداجدنا الاول الشيخ سالم عبد الله الشاعري لحملة الغزو التركي الامامي في الغالمية احد وديان قرية الملحه والحق فيها هزيمةً نكرا وهي التي قال عنها قائد تلك الحملة قولته الشهيرة “والله لوكان هناك سالم بجانب سالم ما خرج احداً منا سالم ” ، وبعده قاد ابنه الشيخ صالح سالم المقاومة ضد الاحتلال البريطاني منذ وطأة اقدامهم ارض الضالع وعلى مدار عقود من الزمن ، وقد تضامنت معه الكثير من مناطق الجنوب ، عندما سقط شهيداً قالت عنه قبائل ربيز الباسله زاملها الشهير كما رواه لي الاخ ابوبكر التينه الذي تزاملنا معاً العمل في سفارتنا بلندن .
” ياشيخ صالح يابطل ياجيد تبكي عليك المحاجي والكنيد السود
وبعداستشهاده واصل ابنه الشيخ علي صالح سالم قيادة المقاومه والذي جرى اعتقاله بعملية غادره دبرها امام اليمن مع سلطات الاستعمار البريطاني حين توسط للتفاوض مع الانجليز من اجل الخروج من الضالع ومنحها حكماً ذاتياً ، وما ان وصل من تعز الى عدن حتى جرى اعتقاله وسجنه في تريم حضرموت استمر لمدة سبعة عشر عاماً لم يخرج منه الا بعد الاستقلال ، بعد اعتقاله لم تتوقف قبائل الشاعري والضالع في المطالبة باطلاق سراحه ، وعندما كثرة مماطلة سلطات الاستعمار بوعودها اطلاقه قاد الشيخ البطل مساعد علي البيشي تلك القبائل الى امام دار الضابط السياسي بالضالع ووجه له انذاره الشهيرحين تفل على حجر على بوابة مقره وقال له “شيخ ولا شيخ قبل ان تجف هذه التفله ” ، ومعها اندلعت انتفاضة شامله في الضالع واستمرت على مدار ثلاث سنوات من العام ١٩٥٦حتى العام ١٩٥٨م وتجاوبت معها في انتفاضات مماثله في شبوه او ماكانت تسمى حينها بارض الكازمي وبلاد العوالق ومناطق اخرى في الجنوب .
واجهت سلطات الاحتلال تلك الانتفاضة بقصف الطائرات للقرى وتشريد المواطنين وهدم المنازل التي نالت منها قرية الجليلة والخريبة والملحة النصيب الاكبر ، وكنت شاهداً على ذلك ، فقد عرفت نفسي طفلاً على قيد الحياة في ذلك اليوم الذي كنت ارى فيه دار جدي الشيخ صالح سالم يسقط حجراً على حجر على اثر تفجيره بعبوات الديناميت الناسفه من قبل حملة عسكرية امرت فيه جميع سكان قرية الملحه والكثيرمن قرى بلاد الشاعري بالرحيل واعتبارها منطقة عسكريه يمنع المواطنين البقاء فيها ، شعرت بالحزن لأني بذلك الدار قد قضيت جزءً من طفولتي حين اضطر والدي للهجهرة الى اميركا لتفادي اعتقاله مع كثيرين غيره بعد اغتيال الشيخ صالح سالم .
كانت تلك هي قرية ال مانع ايضاً والتي احتفظ بذكراها بان ادعوهم باخوالي ، وبالتضحيات التي ضلوا يقدمونها منذ انتفاضة ١٩٥٦وحتى ثورة اكتوبر وفي الدفاع عن الوطن امام الحروب العدوانية منذو مابعد الاستقلال وحتى اليوم برهن عبد الله مانع واخوانه وابنائهم بانهم جديرين بصيانة ذلك الارث التاريخي لأولئك الاباء والاجداد الابطال ومواصلة حمل الراية مع كل ابناء الضالع والجنوب قاطبةً وحتى تحقيق النصر النهائي باذنه تعالى وما النصر الامن عند الله .