كريتر نت / بقلم /مسعد عكيزان
قارئي العزيز..
لا أدري كيف أفسر لك كل هذا الكم من السوداوية الذي أقحمك على قراءته!
لكن صدقني أني حاولت مرارا أن أخاتلها لأمنحك بعض الضوء، إلا أني أجد نفسي رهينة أنفاق مظلمة لا أستطيع الخروج منها، فكيف بمن لا يبصر ولو بصيصا من ضوء أن يهديه غيره!
بالأمس البعيد كنا ننعم في حياتنا بالوفاق والتوازن، ما سمح لنا في الثمانينات أن نشهد بقايا مشروع دولة كانت تتطلع للنهوض والخروج من ربقة الجهل والتخلف.
في ذلك الزمن الجميل ربطتنا صداقة حميمة مع الريال المعدني والورقي أيضا، فقد كانا يمثلان لكل طفل قسيمة سعادة يومية حين يحظى بأيهما، فيستطيع على أقل تقدير الحصول على قفص من صديق الأجيال (أبو ولد) إضافة إلى علبة عصير أو حتى زجاجة كندا دراي.
شاخت السنوات وأبو ولد لم يشخ بعد إلا أن الفارق بدل السنوات هو ارتفاع ثمنه إلى أربعمائة ضعف عن بدايات ظهوره ليعكس لنا فداحة الواقع الذي وصلنا إليه.
أما الريال كوجود مادي فلم يعد له من أثر، وأصبح في حكم العدم ما عدى ذكر المسمى في الفئات الكبيرة.
نتغنى بالماضي حال المفلسين، ونسفك دم الحاضر لنجهض المستقبل بدم ٍ بارد، لا لشيء إلا أن نرضي أولئك الذين يتصارعون في رأس الهرم دون أن يفقدوا أي امتيازات أو يقدموا تضحيات ملموسة!
الأرقام أصبحت مهولة أينما وليت وجهك، وليس ذلك فقط؛ بل إنها فقدت ميزة الثبات والاستقرار.
الإحصائيات جميعها ارتجالية وغير دقيقة تعكس مدى التخبط الذي نحياه ونعانيه ولا ندري إلى أين يسوقنا!
الخلل لا يكمن في واقعنا، ولكنه داخلنا نحن، وكل ما نحياه ونراه من حولنا ما هو إلا مفرز تعاطينا مع الحياة.
قيمنا هي التي أنتجت الواقع الذي نعانيه ونتلظى نيرانه، ونحاول إيجاد شماعات نعلق عليها أسباب ذلك، للتملص من المسؤولية والظهور في ثوب الضحية.
السياسة فعل بينما القيمة موجّه لذلك الفعل، ولذا فالنظام السياسي لم يحد عن المسار إلا حين تم التلاعب بالقيمة لتتماشى مع توجه السياسة.
أجيال متلاحقة تم القضاء عليها بعشوائية منظمة لا يدرك خطرها إلا من دقق في تفاصيلها وأمعن في أبعادها التي طالت تلك الأجيال، وللأسف ستطال من بعدهم أجيال لم تولد بعد.