قادري أحمد حيدر
الإهداء: إلى رؤساء دولة الاستقلال: الفدائيين في قلب الكفاح السياسي والوطني للتحرير، بالسلاح، وبالكلمة.. رموز الفداء والتضحية، والدولة الوطنية.
الرؤساء: قحطان محمد الشعبي، سالم ربيع علي، عبدالفتاح إسماعيل، علي ناصر محمد، علي سالم البيض.
دخلوا إلى الرئاسة عبر الكفاح السياسي، والنضال المسلح، وخرجوا منها فقراء كما دخلوها إلا من طهارة الروح ونظافة اليد.
إليهم جميعاً مع خالص المحبة والتقدير.
– نماذج من الكتابة المعلوماتية:
لم يرَ أبناء الجنوب اليمني العظيم – حسب تعبير جحاف – أي حظوة ولا أي تعويض للكثير مما فاتهم إبان الاشتراكية!! والعجيب أن الأستاذ جحاف يتحدث عن أنه “صار حضور اليمن وإسهامها أعلى وأكبر وأعظم في حفظ السلام والاستقرار إقليمياً وعالمياً” – كما ورد في الحلقة الثالثة – وهو الذي لم يحافظ على سلامه الداخلي ولا على استقراره السياسي الوطني.
وجدت نفسي وأنا أقرأ ما كتبه الأستاذ جحاف في النص الذي أمامكم وكأنه يتحدث عن دولة تقع في مكان آخر، “واق الواق”، وليس في اليمن الذي نعرفه ونعيش فيه، أسوأ المآسي من بعد سنة على قيام الوحدة وحتى عام 1994م، التي كان حظ الجنوب فيها أنهم شاهدوا أهوال بروفة يوم القيامة.. شاهدوا وعايشوا جحيم المعاناة وليس المنجزات الوهمية التي لا وجود لها إلا في عقل الأستاذ جحاف، وأمثاله.
فعن أي عملاق يمني انطلق يتحدث؟! وأين هو ذلك الحجم الكبير من المنجزات الكبرى – حسب تعبيره – فلم يحظَ جنوبُنا العظيم إلا بالنهب والفيد وتحويله إلى غنيمة حرب، ليس للاقتصاد والشركات والمصانع التي فُكِّكت وحُمِّلت إلى مناطق الشمال بالقاطرات، والمزارع التي نُهبت، والأراضي بالآلاف الكيلومترات التي تم اغتصابها ونهبها من قبل عسكر ومشايخ علي عبدالله صالح، ومشايخ الشمال عامة، حتى التاريخ والثقافة تم تفييدها أيديولوجياً “الفيد الأيديولوجي للتاريخ”، بعد أن تم تغيير أسماء الرموز السياسية والوطنية والثقافية والتعليمية والتاريخية في جنوب البلاد، في صورة المدارس والشوارع وحتى أسماء الشهداء… إلخ، لتتوافق مع التاريخ الأيديولوجي والسياسي لمشايخ القبيلة والدين السياسي، على خلفية عودة “الفرع” إلى “الأصل” والثورة الأم، والثورة البنت!!
ثم يتحدث الأستاذ جحاف عن “تدفق الغاز من صافر ليغطي كل اليمن جنوباً وشمالاً”، مديح عالٍ لمستنقع هابط تفوح منه رائحة كريهة تزكم الأنف الوطنية النظيفة. هكذا كتب الأستاذ جحاف، مع أن ما شهدناه وعشناه في الواقع وبالأرقام – التي لا يتسع لها المقام في هذه الملاحظات السريعة – هو بيع بلوكات وقطاعات ومواقع نفطية لرموز النظام السياسي ولأبناء المشايخ، وهي معروفة ومعلومة بالاسم.
لم يعرف لا الجنوب ولا الشمال بعدها أي تنمية، صارت معه مكانة اليمن السياسية والاقتصادية والاعتبارية في الحضيض. تم توليد طبقة اقتصادية وتجارية ومالية وتجار مقاولات وتجار مصارف من العدم، من خلال علاقاتهم واقترابهم من رموز السلطة، وهو ما نسميه “رأس المال السياسي”، الذي استولى على ما تبقى من رأس المال الاقتصادي الرسمي للدولة “القطاع العام” الذي تم بيعه للمقربين، باسم إعادة الهيكلة الاقتصادية.
حوصِر القطاع الخاص الذي يتباكى عليه الأستاذ جحاف أيام الاستعمار البريطاني، بل إن رأس المال السياسي فرض نفسه وشروطه السياسية عليهم بمشاركتهم في مشاريعهم المالية والاقتصادية والاستثمارية باسم الحماية (شراكة بالحماية). رموز دولة يتحدثون هكذا مع رجال رأس المال الاستثماري القادمين من الخارج للاستثمار في اليمن، يطالبون على الأقل بمحاصصتهم في أموالهم وفي شركاتهم. فعن أي عملاق اقتصادي يتحدث؟ ولا يتسع المقام لإيراد الأرقام والأسماء وكيف كان يتم نهب اليمن واقتصاده وثرواته.
في السياق ذاته يستمر الأستاذ جحاف في الكتابة عن تجربة جنوب البلاد بقوله: “تبنّي دولة الاستقلال في جنوبنا الحبيب للنظام الاشتراكي الماركسي الشيوعي كان كارثة كبرى، ومصيبة عظمى محلياً وإقليمياً ودولياً”. فمتى كانت الاشتراكية كرؤية في التاريخ السياسي العالمي ظالمة، إلا في عقل قوى الاستعمار الرأسمالية العالمية، وفي عقل الإمام أحمد حميد الدين، حين وصف تجربة ثورة 23 يوليو 1952م، بعد خروجه من “اتحاد الدول العربية” مع مصر وسوريا، وهجائه للاشتراكية بقصيدته المشهورة ضد عبدالناصر والاشتراكية، أو في فتوى عبدالمجيد الزنداني، وعبدالوهاب الديلمي، في تبرير وشرعنة قتال الكفار الاشتراكيين والشيوعيين من أبناء الجنوب جميعاً باعتبار أن من “يتمترس” خلفهم الاشتراكي الشيوعي الكافر، فالحرب عليهم وقتلهم ليس جائزاً فحسب، بل هو واجب ديني. وعلى ذات الطريق الأيديولوجي/السياسي، رأينا ووجدنا الأستاذ جحاف يكتب ضمن هذا الاتجاه من التفكير في العداء والكراهية للاشتراكية العالمية الظالمة، وفي قدحه وذمه لتجربة جنوب اليمن التي شكلت كارثة كبرى، حسب تعبيره.
مع أن التجربة الاشتراكية العالمية لم تكن ظالمة، ولم يعرف عنها العالم أنها كانت ظالمة أو تحولت إلى ظاهرة استعمارية في أي وقت من الأوقات. إن لم يكن معنى وجودها في الأصل كان ضد الاستعمار ودعماً ومساندة لحركات التحرر في كل العالم، من مصر إلى الجزائر إلى اليمن، إلى إفريقيا وآسيا.
والسؤال: هل جنوب اليمن كان سيكون أفضل بدون الجبهة القومية التي قادت عملية التحرر الوطني في الجنوب، وبدون الحزب الاشتراكي، كما يذهب إلى ذلك الأستاذ جحاف؟
وهل كانت تجربة الجبهة القومية والحزب الاشتراكي على صعيد بناء الديمقراطية الاجتماعية تجربة ظالمة؟
علماً أن قيادة الحزب الاشتراكي كانوا أفقر وأبسط قيادات في تاريخ دول المنطقة، دخلوا إلى دولة الوحدة وجميعهم لا يمتلكون سوى شقة سكنية عادية، وسيارة عادية، وزوجة واحدة، وليست لديهم أرصدة في البنوك العالمية من الأموال المنهوبة من الشعب والدولة.. ليس لديهم سوى مرتباتهم كأعضاء لجنة مركزية، حتى أن جميع رؤساء دولة الجنوب منذ الاستقلال حتى الوحدة لم يكونوا يمتلكون سوى منزل شخصي واحد، وما يسمى “قصر الرئاسة” مجازاً في جنوب البلاد، والذي هو أصغر من فيلا متنفذ صغير عسكري أو شيخ في شمال البلاد، وهو ضمن ملكية الدولة.
الرئيس قحطان الشعبي كان يملك فقط منزله الشخصي وكذلك الرئيس سالم ربيع علي، الذي ظلت والدته الكريمة تعمل مزارعة بالأجرة مع آخرين في الوقت الذي كان ابنها رئيس دولة. هل سمعتم عن هكذا رئيس دولة في كل الدنيا؟
والرئيس عبدالفتاح إسماعيل ليس لديه سوى منزله الشخصي، وهو الذي تم نهبه من قبل جماعات الفيد والمليشيات، وأسرته حتى اللحظة بدون مسكن شخصي، والرئيس علي ناصر محمد لا يملك سوى منزله الشخصي، وكذلك الرئيس علي سالم البيض. هكذا كان رؤساء دولة الاستقلال في جنوب البلاد حتى دولة الوحدة.
فعن أي نهب وعدوان على ممتلكات الدولة في الجنوب يتحدث الأستاذ جحاف؟
كنت أتمنى عليه أن لا يهرف بما لا يعرف. قيادات دولة الجنوب، على سلبياتهم وإيجابياتهم في سياق بناء التجربة الوطنية الاستقلالية في جنوب البلاد، لا تستطيع أن تقول عنهم – على مستوى الذمة المالية – إلا أنهم رموز وطنية نبيلة وشريفة، لا علاقة لهم بالفساد المالي والاقتصادي، تعكس صورة رمزية للقيادة الوطنية المنشودة. أما إذا أردتنا أن نتحدث عن صفحة القتل والاغتيالات السياسية وغيرها فالقائمة يا عزيزي ستطول، وليس من صالح أحد فتح هكذا ملف، ومداواته بالعدالة الانتقالية والإنصاف، وبجبر الضرر، هو المهم والمطلوب اليوم.
ليس هناك من اختلاف على الشمولية السياسية التي احتكرت السلطة في قبضة الحزب الواحد%8















