كتب : عبدالله فضل الحسام
ذات يوم كنا معاً ، أتذكر أنك وضعت يدك على كتفي كي تتكئ عليها وتستطيع النزول من على متن سيارتك ، حينها قلتُ لك ممازحاً : الرُكب حقك قدهن تعبانات يا عم سيف فأجبتني بثقة : لازال عندي المقدرة لأن أسبقك ! ، هاقد سبقتنا جميعاً يا عم سيف وآن الأوان أن نعلن أنك فزت علينا في هذا السباق العظيم لتصير حديث الألسن كلها .
ليتك تعرف يا سيدي كم هي الضالع والجنوب موجوعين بفقد ابنهما البار .
منذُ الصباح الباكر ونحن نغالط أنفسنا حتى لا نراك راحلاً في آخر الأخبار العاجلة ، جميعنا هرول الى حيث يمكن أن نكذب الحقيقة ، الى حيث يمكن أن نكذب القدر ، حتى ونحن على يقين أنك قد رحلت ، حتى وانا أكتب هذه السطور ، لازلت غير مصدق ، أقلب هنا وهناك على أمل أن نخدع القدر ؛ الى حيث يمكننا أن نقرأ أن سيف لازال حياً بتواضعه الكبير ، بشجاعته المعهودة ، بعقله الرصين ، بملامح البراءة والنزاهة ، وبابتسامته التي لم تغادر قط شفتاه . جملٌ من المتناقضات كانت تردنا منذ الصباح ، سيف جريح ، سيف لازال على قيد الحياة ، سيف لم يمت ، حتى أتانا الخبر اليقين ليقضي علينا في الرمق الأخير ” استشهد ” ! . لم ترحل ونحن لا نرثيك لأن الرثاء للأموات وانت لازلت بيننا ، وستبقى بذكراك وآثرك ومآثرك يا أنظف الناس.
رحلت يا سيدي والكل يبكيك لأنك كنت الرجل النظيف ، الشهم الشجاع ، الأب الرحيم . كنتَ قائداً للواء جسدت فيه معنى القيادة لم تخصم مرتبات جنودك كما يفعل غيرك ، وتقدمت صفوف الأبطال ، ولم نسمع أنك صرت ثرياً من مرتباتهم ، جنودك اليوم يبكونك يا أب الجميع ونحن نبكيك مثلهم ، دعواتهم ظلت ترافقك حياً وستظل ترافقك شهيداً خالداً أبد الدهر .
كنتَ واحد ممن ظلت صفحاتهم بيضاء بعد وصولهم أعلى المناصب فاحتفظوا بنزاهتهم وشرفهم لتجسد المعنى الحقيقي للنضال وللمناضل الحقيقي ، على عكس الانتهازيون الذين انتهزوا الفرص وسلبوا الناس معاشاتهم وحقوقهم ،
ومهما رحلت ، فلقد أعلنت على أرض الواقع أنك الغني بفقرك وهم الفقراء بجشعهم ، أنك الباق برحيلك وهم الراحلون بطول أعمارهم .
سنبكيك لأنك القائد النظيف، الانسان البسيط ، القائد الشجاع ، وها نحنُ نكتبك لنطفئ اشتعال إحساسينا بك .. فإذا بنا نوقده، كما لو كانت الكلمات تجسّدك .. وتعزز من ذكراكَ الجميلة نكاية برغبة النسيان !.
بتراتيل الوجَع نرثيك ، وفي ترانيم الغياب نشتاقك ، وفي دائرة السواد التي تدور حولَ حُزن الباقين نندب رحيلك ، فوق غيمةً ثكلى نردد قصيدة الوجع !
وحدهُ الشوقُ إليك لا ينتهي ؟ كن معنا أو لا تكن .. سنشتاقك ولن ننساك سنشتاقكَ حتى والشوق يختنق، سنشتاقك حتى لو كانت الحرب في أشد استعارها ، سنشتاقك ونحن نعلمُ أنه ما من شيء في الدنيا يقف في وجه احتياجنا لك !.
عزاؤنا فيك أنك عشتَ نظيفاً حتى آخر لحظة ، عزاؤنا فيك انك مت شهيداً مقبلاً غير مدبر ، فاسمح لنا أن نحسدك يا سيدي على مكارم نلتها ولا ينالها سوى العظماء مثلك . في وطن لا يُحترم فيه الرجل الا بعد استشهاده ، كنتَ انت الاستثناء الوحيد ، والكل مجمع عليك .
هي الضالع تخوض يا سيد النبلاء حرب استنزاف يشترك في حياكتها الأصدقاء والأعداء على أمل أن يستنزفوا هذه العنيدة ، ويخسرونها أبطالها دون أن يدركوا أن هذه الحرب بالذات ميلاد جديد لأبطال وقادة ، يرحل سيف فيخلفه ألف سيف ، ويرحل شلال فيخلفه ألف شلال .
هي الضالع أيها الشهيد التي عرفتها بحبك وهي التي تعرفك جيداً تنجب القادة ليكونوا شهداء ، يتقدمون الصفوف فيرحلون ، اليوم فقط سقط قائدان عظيمان من قيادتها وسيفان بتاران الشهيد القائد حيدر سيف ابن مدينة الضالع الباسلة وعم الشهيد القائد فارس الضالعي الرجل المناضل الصلب والكبير ، والشهيد القائد سيف سكره حديث الجميع هذه الليلة ، وسيف آخر لا يقل بتارة هو سيف عمر الجعدي ، وماهر الحداد ابن منطقتي الذي عرفناه مناضلاً حاضراً منذ انطلاقة الحراك .
فوداعاً لكم جميعاً أيها العظماء ، وأنتم في طريقكم الى الحياة الخالدة لا تنسَوا أن تحملوا بين جوانحكم سلاماً للراحلين قبلكم ممن انتظمت أسماؤهم وكتبت بأحرف من نور على صفحات المجد ، قولوا لهم أننا نشتاقهم كثيراً ، وأننا على العهد باقون ، أخبروهم ان الضالع لازالت وستبقى عصية على التطويع كما في آخر مرة شاهدونها وألقموا العدو فيها مرارات العذاب .
رحمكم الله جميعاً وأسكنكم أعالي جنانه .