كريتر نت – متابعات
لاحظ المؤرخ الفرنسي جان بيير فيليو أن مشروع تحويل قطاع غزة إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” بدأ يتخذ شكلا ومضمونا داخل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وكتب الأستاذ الجامعي -في عموده بصحيفة لوموند الفرنسية- أن ترامب عقد اجتماعا مهما في وقت سابق بالبيت الأبيض بشأن الوضع الحالي ومستقبل قطاع غزة، حضره مبعوثه الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، وسلفه في هذا المنصب، جاريد كوشنر صهر الرئيس، إضافة إلى رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير.
وكان من الممكن تخيل أن المجاعة التي تهدد القطاع الفلسطيني والمعاناة التي يعيشها سكانه ستكون محور الاجتماع -كما يقول الكاتب- إلا أن صحيفة واشنطن بوست كشفت أن المناقشات تناولت على عكس ذلك، مشروع ترامب الهادف إلى تحويل قطاع غزة إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”.
وقد أعدت هذا المشروع ما تسمى “مؤسسة غزة الإنسانية”، وهي منظمة يديرها إنجيلي مقرب جدا من البيت الأبيض، وقد وضعت وثيقة من 38 صفحة تشرح بالتفصيل مختلف مراحل تنفيذ هذا المخطط، كما يقول الكاتب.
رؤية عقارية بحتة
رغم أن هذا المشروع لا يحمل طابعا رسميا في هذه المرحلة، إلا أنه يستحق الانتباه، لأنه يكشف طريقة عمل إدارة ترامب، التي تعتبر الأكثر عداء للفلسطينيين في تاريخ الولايات المتحدة -كما يقول الكاتب- خاصة أن الوثيقة لا تشير إطلاقا إلى القانون الدولي، كما لا تعترف بالفلسطينيين كشعب، بل تكتفي بذكر “سكان غزة”.
ويعكس المشروع -حسب جان بيير فيليو- منطقا تجاريا بحتا على طريقة الصفقات العقارية التي يفضلها ترامب، وويتكوف وكوشنر، إذ يهدف إلى “رفع قيمة” قطاع غزة في غضون عشر سنوات إلى 300 مليار دولار.
وفي هذا السياق -كما يقول الكاتب- يمكن فهم مشاركة بلير في هذا المشروع الذي أطلق عليه اسم “غريت” (Great) بمعنى عظيم، وهي تلخص الحروف الأولى للعبارة “إعادة إعمار غزة، والتسريع الاقتصادي والتحول” باللغة الإنجليزية، لأن بلير ظل يدعى أن التنمية الاقتصادية هي مفتاح تهدئة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
ويهدف هذا المشروع إلى “تحويل كيان تابع لإيران إلى حليف مزدهر لاتفاقيات أبراهام”، وهكذا يتم تجاوز الهوية الفلسطينية لغزة وسكانها لصالح إعادة تشكيل جيوسياسية للشرق الأوسط، أطلقها ترامب عام 2020 خلال نهاية ولايته الأولى، حسب الكاتب.
أما “المنطقة الصناعية الذكية” التي ستقام على الحدود مع إسرائيل، فستحمل اسم إيلون ماسك، في حين تبنى “ريفييرا ترامب” -كما تسمى- على طول الساحل، كما ستُبنى مدن جديدة على أنقاض الحالية، وستكون رقمية بالكامل وتدار بالذكاء الاصطناعي.
فرض وصاية
ونبه جان بيير فيليو إلى أن الهدف هو إنشاء مناطق “خالية من حركة حماس” كمناطق انتقالية، تسهل عملية “نقل طوعي” لمئات الآلاف من المدنيين، وتقدر وثيقة “غريت” أن ربع سكان غزة سيجبرون على المغادرة، علما أن الخطة تسعى فعليا لطرد نهائي لقرابة 400 ألف فلسطيني من أصل 2.1 مليون نسمة.
وتتولى مؤسسة غزة الإنسانية اعتماد وتدريب بعض سكان غزة لتولي المهام الأمنية مستقبلا، وتتكون نواة هذه القوة حاليا من مجموعة من اللصوص الفلسطينيين، المدعومين والمسلحين من قبل إسرائيل، لكنهم مرفوضون من قبل عائلاتهم بسبب تعاونهم مع الاحتلال، حسب الكاتب.
وحسب تقدم الهجوم الإسرائيلي، سيتم إنشاء “صندوق ائتماني”، وهو -حسب جان بيير فيليو- نوع من الوصاية الإدارية مصحوبة بشركة ائتمانية، وستندمج منظمة غزة الإنسانية في هذا الصندوق، في حين تحتفظ إسرائيل بحق التدخل العسكري في أي وقت.
وفي مرحلة لاحقة، سيتحول هذا الصندوق إلى حكومة رسمية للقطاع، خلال ما يسمى “فترة انتقالية” تمهد لظهور “كيان فلسطيني صالح وغير متطرف”، كما يقول الكاتب.
وخلص جان بيير فيليو إلى أن مجرد وجود مثل هذه الوثيقة وتداولها، يكشف المدى الذي بلغه شعور إسرائيل والولايات المتحدة بالتواطؤ والإفلات من العقاب في حربهما على غزة، كما يوضح إلى أين يتجه عالمنا بعد عامين من ترك نساء ورجال وأطفال غزة يواجهون أهوالا لا توصف.