د . عبدالعليم محمد باعباد
من المهم القول أن لكل تيار سياسي تجربته السياسية، فيها من نقاط القوة، بقدر ما فيها من نقاط الضعف.
وله إيجابياته كما أن له سلبياته الواضحة، قد تزيد عند هذا في مجال، وتنقص في مجال آخر، والعكس صحيح أيضا عند غيره.
ولهذا لو أعملنا عقولنا للهدف الذي خلقها الله من أجله لأنصفنا في تصوراتنا وفي أحكامنا، ولسرنا في طريق النمو والتطور كما هو طريق الأمم المتقدمة.
من مننا لم يخطئ !
ومن من التيارات لم تكن له حسنات وسيئات !
ولهذا يحسن بالجميع أن يتفهم حكمة الشاعر احمد البيض في قصيدته التي مطلعها:
من مننا واحد عمره ما عمل زله
الآدمي دايم معرض للزلل
في حين له وعليه
ليه ياهذا تعاملنا برد الفعل ليه.
غير أن التأطير الفكري والحزبي، والفهم الخاطئ للمنافسة الحزبية أنتج الفرز السياسي، حتى بات العقل السياسي محصورا في دائرة مغلقة مسيجة بقليل من الحقائق وحولها الكثير من الأوهام، حتى يبرر العقل السياسي انغلاقه على الآخر بحسبان ذلك عض على المبادئ بالنواجذ .
والحقيقة أنه ما أن تتبدل الأدوار حتى يصبح من كان في طور الدعوة إلى السلوك الصحيح، على كرسي السلطة عالقا ببعض الأخطاء التي عادى غيره على اقترافها، وتغدو دعوته للمبادئ والسلوك الصحيح نوعا من الادعاء.
و بالمقابل يصبح المقترف السابق للأخطاء عند تبدل مكانه من الفعل و الادعاء بالسلوك الصحيح كأنه في دور المعارض المترصد لغيره، وكأنه ملاك لم يخطئ يوما.
و لهذا كان من المهم تجديد التأكيد على حقائق الذات والواقع، أهمها أن الجميع هنا بشر لهم سيئاتهم ولهم حسناتهم.
و أن كرسي الحكم غير مكان المعارضة، وهذا لا يعني غض الطرف عن أخطاء المخطئين، ولا تبريرا للسلوك السيئ.
غاية ما في الأمر أن يعتبر الجميع من أخطاء الماضي، و أن يستحضروا الحالة التي وصلوا إليها، و من ثم الانطلاق من قاعدة مشتركة أساسها البناء على الإيجابيات، وتجاوز السلبيات.
وبالمقابل على من أخرجه الواقع من دائرة الحكم والقرار أن لا يتخذ من الذكريات وحدها منطلقا للعودة، فهناك استحقاقات للوطن، وليست هناك استحقاقات لأي تيار للسلطة بقدر جهوده الفعالة في النضال المشترك مع الجميع لاستعادة الدولة.
فلا ينبغي اعتبار السلوك القديم والاجتهاد السابق المشوب بالسلبيات والايجابيات على أنه النموذج الذي يعطيه صك الغفران للمضي نحو المستقبل، والاعفاء من الواجب الوطني؛ اعتمادا على ما يراه ويراه الجميع من سلبيات الواقع.
فهذا الواقع نتاج لأخطاء مشتركة كل واحد ساهم فيها بقدر مسؤوليته.
فلم تكن هذه الأخطاء نتيجة فعل من يتصورهم خصومه السياسيين، بل قد يكون له نصيب الأسد منها.
لا ينبغي للبعض أن يعيش على وهم الذكريات، فيتخذ له مسارا خاصا، يظن من خلاله القدرة على تجاوز تيارات سياسية كبيرة فاعلة ووازنة.
التوفيق بين هذه الأمور ليس من المثاليات، ولا من التنظير السياسي، بل هو من ممكنات الواقع .
جميع التيارات السياسية الوطنية غارقة في منطقة واحدة، حيث لم يبق لها مؤسسات دولة تتنافس عليها، لقد وصل التهديد بالقضاء على الدولة و النيل من نظامها الجمهوري.
وهذا الأمر يوجب على الجميع التوحد على القاسم المشترك الأعظم، المتمثل في النضال الواحد وفق رؤية واحدة متوافق عليها تتمثل في استعادة الدولة، واستعادة الجمهورية، بعد ذلك فالميدان وصناديق الاقتراع يمكن لها أن تفرز سلطة الحكم، بعيدا عن المقاسمة والاتكاء على الدعم الإقليمي والدولي لهذا أو ذاك؛ فهذه الطريقة لن تدوم، بل ستجعل سلطتها صورية، لتكون دُمى بيد من يبعثها أو يدعمها لتحكم بأمره .